كتبت صحيفة ” الجمهورية ” تقول : لم ينل فيروس “كورونا” من الشعب اللبناني، إلّأ أنّ “فيروس” الجوع والفقر ينهش باللبنانيين يومياً في ظلّ الأوضاع الإقتصادية الصعبة وسعر صرف الدولار الذي يستمرّ في الإرتفاع، ما أدّى إلى انفلات جنوني في أسعار الموادّ الغذائية، فعاد مسلسل إقفال الطرق ولغة إشعال الإطارات إلى الواجهة مساء أمس، فيما انشغلت القوى السياسية بتبادل الاتهامات والتعمية على الكارثة الحقيقية بدل الانكباب على ايجاد المخارج والحلول لإنقاذ البلد والناس.
وقد أقفل شبّان الطريق شمالاً عند مستديرة العبدة، وساحة عبد الحميد كرامي (النور) في طرابلس، وعند مسلك جسر البالما الغربي. إلى ذلك، أُقفلت الطرقات بالإطارات المشتعلة عند المسلك الشرقي للاوتوستراد في شكا، وتحت جسر أوتوستراد أنفة، إلّا أنّ عناصر من قوى الأمن الداخلي أزالوها لتسهيل حركة المرور أمام السيارات، وعملوا على ملاحقة المحتجّين. وسرعان ما انتقلت الإحتجاجات إلى السعديات، حيث قام عددٌ من الشبان بإقفال الأوتوستراد الساحلي في الدامور عند مفرق “ميديار” بالعوائق والإطارات المشتعلة، منددين بالأوضاع المعيشية. أمّا في تعلبايا، فتكرّر المشهد نفسه وأُقفلت الطريق في الإتّجاهين، كذلك داخل نفق المرج زحلة. وفي العاصمة، أُقفل أوتوستراد الزلقا باتّجاه جل الديب بالإتّجاهين بالإطارات المشتعلة، حيث حصلت عمليات كرّ وفرّ بين القوى الأمنية وعدد من المحتجّين وافيد عن إطلاق نار وإصابة احد المتظاهرين.
كذلك أقفلت الطريق عند تقاطع الشفروليه وفي قصقص. وعلى وقع غضب الشعب، تبدأ البلاد اسبوعاً حساساً على كل المستويات، إذ يُنتظر ان يشهد مجموعة من الأحداث ستعكس ما سيكون عليه مستقبل الاوضاع في قابل الايام، خصوصاً في ظلّ التصعيد السياسي الذي بلغ ذروته بهجوم رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط على رئيس الجمهورية والحكومة و”حزب الله”.
تتركّز الانظار غداً على جلسة مجلس الوزراء بجدول اعمالها المتضمن بندين وحيدين، الاول يتعلق بإقرار النصوص والصيغة النهائية المتعلقة بالمواضيع التي سبق للمجلس ان وافق عليها في جلسته الاخيرة الجمعة الماضي، وهي اجراء تحقيقات لتحديد الحسابات التي أُجريت منها تحويلات مالية، واتخاذ اجراءات في حق صاحبها، واتخاذ تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الاموال المنهوبة، وإقرار مشروع قانون يتعلّق باسترداد تحاويل الى الخارج، التي جرت بعد 17 تشرين الاول الماضي. اما البند الثاني فيتعلق باستكمال البحث في الصيغة النهائية للخطة الإصلاحية للحكومة توصّلاً لإقرارها.
وفي معلومات “الجمهورية”، انّ الوزراء مدعوون الى استئناف البحث في هذه العناوين التي طُرحت بالمفرّق في وقت سابق وفي سلسلة اجتماعات اللجنة الوزارية المكلّفة بالورقة الاقتصادية والمالية الجاري اعدادها، تمهيداً للبتّ بها في جلسة الخميس المقبل، التي ستُعقد برئاسة رئيس الجمهورية في القصر الجمهوري.
وأملت مصادر السراي الحكومي عبر “الجمهورية”، ان تحظى هذه البنود بالمناقشة الهادئة بعيداً من اجواء التشنج. فهي في مضمونها ليست غريبة على اي من الوزراء. فالعناوين المطروحة تمّ البحث فيها في اوقات مختلفة، وآن الأوان للبتّ بها من اجل الانطلاق بمراحل تنفيذها، سواء تلك التي تحتاج الى وضعها بالصيغة النهائية على شكل مشروع قانون يُحال الى المجلس النيابي، والسير بأخرى منها لمجرد اتخاذ قرار في مجلس الوزراء.
ولفتت المصادر، الى انّ بعض ما هو مطروح لا يعدو كونه إجراء ادارياً ومالياً يتولاه الوزير المختص. ذلك انّ البت به في مجلس الوزراء يعطي القرار زخماً اكبر ويمكن بعد تنفيذه إحالة النتائج المترتبة عليها الى القضاء المختص مباشرة، ان لم تكتمل المراحل التنفيذية بتجاوب المستهدفين بالقرار.
وانتهت المصادر الى التأكيد، أنّ كل هذه الإجراءات لها ما يؤدي الى تفسير اسبابها الموجبة، وهي مستقاة من مجموعة قوانين نافذة تتصل بقوانين العقوبات ومكافحة تبييض الأموال والإثراء غير المشروع والنقد والتسليف والقوانين ذات الصلة بمكافحة الفساد.
انقسام سياسي
وكان اللافت في الواقع السياسي هو الانقسام الحاصل في الموقف حول موضوع إقالة حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، الذي طُرح في جلسة مجلس الوزراء الاخيرة، من دون الوصول الى قرار في شأنه. وفي هذا الاطار، بدت القوى السياسية وحتى المرجعيات الرسمية، منقسمة حول هذا الأمر، بين متمسّك بهذه الإقالة وبين مدافع عن سلامة، وثالث يرى انّ هذه الإقالة لا تحلّ المشكلة، وانّ المطلوب ان يكون الحاكم ضمن الورشة المطلوبة لكشف كل الحسابات والملابسات ووضع الحلول التي من شأنها معالجة الازمة المالية والاقتصادية.
وفي هذا الاطار سيتركّز البحث في خطة الاصلاح المالي والاقتصادي التي اعدّتها الحكومة توصلاً الى إقرارها، خصوصاً أنّ ما يؤخّر هذا الاقرار في نظر البعض هو انتظار الحكومة الارقام المالية التي طلبتها من حاكم مصرف لبنان، لأنّ هذه الخطة لا يمكن اقرارها بمعزل عن هذه الارقام، التي يُفترض ان تكون صحيحة وشفافة، استجابة لطلب المجتمع المالي الدولي، من المجموعة الدولية لدعم لبنان “سيدر” الى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي وصولاً الى الصناديق العربية والدولية الاخرى الواعدة بالإقراض والدعم.
على انّ ما شهدته عطلة نهاية الاسبوع من مناكفات وسجالات سياسية عنيفة، على خلفية الموقف الذي اعلنه رئيس الحكومة حسان دياب من حاكم مصرف لبنان، حيث اتهمّه بعدم التعاون مع الحكومة، في ما طلبته منه وتكرار هذا الطلب، دلّ الى انّ البلاد ربما تكون دخلت مرحلة من النزاع السياسي الحاد، في الوقت الذي بدأ الشارع يستعد لجولة جديدة من الحراك، الذي يُرجّح ان يكون واسعاً وشديداً هذه المرة، وقد بدأ ظهور بعض ارهاصاته في بيروت والمناطق منذ جلسة مجلس الوزراء الاخيرة.
”الحكومة عدوة نفسها”
وفي سياق المواقف عكست اجواء عين التينة استياء رئيس مجلس النواب نبيه بري من محاولة بعض الاطراف تفسير مواقفه “على ذوقها ومزاجها”، او توظيف تلك المواقف في الاتجاه الذي يناسب تمنياتها ومصالحها، “في حين انّ ما يهمّني حصراً في هذه المرحلة المصيرية هو إنقاذ الدولة”.
ورداً على الاجتهادات في تفسير موقف حركة “امل” من مصير حاكم مصرف لبنان، أكّد بري انّ المسألة بالنسبة إليه ليست مسألة حماية رياض سلامة كما أوحى البعض، “وانا آخر من يمكن وضعه في هذه الخانة، وإنما يتعلّق الامر بالمنهجية التي يُفترض اتباعها في مقاربة هذا الملف الدقيق”.
ووفق إقتناع بري، فانّ قضية بحجم تغيير حاكم مصرف لبنان لا تُطرح كيفما كان، “وإنما يجب أن تُناقش بمسؤولية، وان يتمّ درس كل جوانبها ومفاعيلها، والتحسّب جيدًا لما بعدها، حتى يأتي اي قرار يُتخذ محصناً وصائباً، بعيداً من الانفعال والارتجال”.
ولفت بري الى “انّ التدقيق او التحقيق في حسابات مصرف لبنان هو امر ضروري وملح، وعلينا أن ننتظر نتائجه حتى يُبنى على الشيء مقتضاه، إذ ربما يتبيّن انّ هناك ضرورة للمحاسبة”. وشدّد على انّه لا يعرقل بتاتاً عمل الحكومة، بل يريد لها أن تنجح في مهمتها الإنقاذية، ”لكن ما يحصل هو أن حكومة الرئيس حسان دياب تبدو احياناً عدوة نفسها”.
جنبلاط يصعّد
وقد بلغت ذروة التصعيد ضد العهد والحكومة في مواقف عالية النبرة اعلنها جنبلاط في حديث متلفز، حيث قال إنّ “رئيس الجمهورية العماد ميشال عون استأنف سياسة الإلغاء التي بدأها عام 1988″، وذكّر “التيار الوطني الحرّ” “بأنّه كان ميليشيا في لبنان”.
وفي حين إعتبر أنّ “حاكم مصرف لبنان رياض سلامة غير مسؤول عن 60 مليار دولار مهدورة في الكهرباء”، كشف جنبلاط أنّه “جاهز للمحاكمة شرط أن يكون الجميع تحت سقف القانون في لبنان”، لافتاً الى أنّه “لا يحق للمتهمين بالفساد أن يوجّهوا اتهامات لنا، وسنقاوم سلمياً وديمقراطياً”. وشدّد على أنّه “لن يقبل بإلغائه من قبل “حزب الله” أو غيره”، ورأى أنّ “الثورة لم تفشل في لبنان، لكن قوى الممانعة دخلت على الخط، ونحن بلد بلا سيادة على موانئه ومعابره ومطاره، فحزب الله والتيار الوطني الحر يحرّكان الحكومة اللبنانية”. وقال: “لا أرى دعماً عربياً في الوقت الحاضر”.
موقف “القوات”
وفي سياق متصل، قالت مصادر “القوات اللبنانية” لـ”الجمهورية”، انّ ”موقف “القوات” من تحديد المسؤوليات المالية في الانهيار الحاصل يبدأ من وضع الجزء الأكبر من المسؤولية على الأكثرية الحاكمة الممسكة بكل القرار السياسي منذ العام 2011 أقله، كما انّ الهدر في مؤسسات الدولة بدءاً من ملف الكهرباء والاتصالات، وصولاً إلى الجمارك والمرفأ والمعابر غير الشرعية والتوظيفات الانتخابية، تقع على السلطة السياسية، وهذا لا يعني عدم وجود مسؤولية على المصرف المركزي والمصارف، إنما المسؤولية الكبرى تقع على الأكثرية الحاكمة”.
ورأت المصادر، “انّ التدقيق المالي مطلوب في مصرف لبنان وكل المؤسسات، واي إصلاح يجب ان يكون ضمن خطة متكاملة تشمل كل القطاعات بعيداً من التسييس والتشفي السياسي، لأنّ اي إصلاح مجتزأ لا يؤدي الغرض المطلوب، بل يُدخل البلد في مواجهات لا طائل منها ولا يعطي النتيجة المطلوبة، فيما المطلوب وبإلحاح ان يكون الإصلاح شاملاً ومن دون استثناءات”.
وقالت المصادر: “انّ تكتل “الجمهورية القوية” سيشارك بقوة في جلسة اللجان المشتركة يوم الأربعاء المقبل (بعد غد) لدرس قانون العفو من أجل إقراره، خصوصاً وانّ هذا القانون دقيق جدا ويجب ان تحدّد المعايير داخله بنحو واضح، وان يشمل كل من يستحق العفو بعيداً من التسييس والمزايدات، وسيكون للتكتل ملاحظات واضحة على الاقتراح المقدّم في اتجاه تعديله وتطويره وصولاً إلى القانون الذي يرضي الجميع”.
مواقف باسيل و”المنظومة”
وفي المواقف، قال رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل خلال مؤتمر صحافي أمس، “إنّ الشراسة المتجدّدة أخيراً على الحكومة والعهد ما هي إلّا بسبب استشعار المنظومة مجدداً أنّ شيئاً ما سيتغيّر، وممنوع التغيير، لا تغيير السياسات ولا الأشخاص”، محمّلاً ”المصرف المركزي مسؤولية كبيرة بالخسائر الواقعة عليه، وبعدم شفافية أرقامه، وبطمأنته المتمادية للشعب اللبناني مع إدراكه لفظاعة الأمور وخطورتها، ولعدم تعاونه مع السلطة التنفيذية ولاستفراده بسياسات انتقائية في الاقتصاد والإقراض والدعم دون الانضباط بسياسات الحكومة”. وطالبَ الحكومة بـ”إقرار خطتها الإنقاذية هذا الأسبوع كحد أقصى، والتوجّه بعدها الى المؤسسات الدولية وبخاصة صندوق النقد الدولي”.
”المستقبل” يردّ
وردّ تيار “المستقبل” على باسيل ببيان فقال: “إنّ أكثر ما يُثير السخرية في كلام الوزير باسيل، دعوته اللبنانيين وأهل السياسة والاقتصاد، الى اتخاذه مثالاً يجب الاقتداء به في الشفافية والنزاهة وحسن السيرة والأداء. فعن أيّ صفات حميدة يطالب باسيل الآخرين بالاقتداء بها؟”. وأضاف: “أمّا من ناحية المضمون السياسي لكلمة باسيل، فإنّها تقع في خانة توجيه السياسات العامة للحكومة ورئيسها، فقد بات من الواضح جداً أنّ رئيس حكومة لبنان المعيّن، قرّر الوقوف وراء الرئيس ميشال عون، واستطراداً خلف رئيس الظل الحقيقي والفعلي جبران باسيل، وأن يأخذ بيدهما في تنفيذ الأجندة الكيدية التي يَسعون اليها منذ العام 2005. والجديد في هذه الأجندة تركيب قنوات قانونية وإدارية وقضائية لتنفيذ حلقات الانتقام واتخاذ مجلس الوزراء، ورئاسة الحكومة تحديداً، أداة لإعداد هذه القنوات وتسويقها، كما لو أنّها خشبة الإنقاذ من الانهيار المالي والاقتصادي”.
رسائل الراعي
والى ذلك، وجّه البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي في عظة الأحد رسائل في اتجاهات عدّة، وقال: “بينما كنّا ننتظر من رئيس الحكومة إعلان خطتها الإصلاحية العادلة واللازمة، التي تختصُّ بالهيكليات والقطاعات، والتي من شأنها أن تقضي على مكامن الخلل الأساسية والفساد والهدر والسرقة والصفقات والمرافق والنَّهب حيث هي، وفيما كنا ننتظر منه خطة المراقبة العلمية والمحاسبة لكلّ الوزارات والإدارات والمرافق العامَّة، إذا بنا نُفاجَأ بحُكمٍ مبرم بحقّ حاكم مصرف لبنان، من دون سماعه وإعطائه حق الدفاع عن النفس علمياً”، سائلاً: “مَن المستفيد مِن زعزعة حاكميَّة مصرف لبنان؟ المستفيد نفسه يعلم! أمَّا نحن فنعرف النتيجة الوخيمة وهي القضاء على ثقة اللبنانيِّين والدوَل بمقوِّمات دولتنا الدستورية”.
في دار الفتوى
وكانت قد صدرت عن رؤساء الحكومات السابقين ونواب ردود من دار الفتوى تعليقاً على كلام دياب الأخير، حيث قال النائب نهاد المشنوق: ”هناك مؤامرة على السنّية السياسية وسنواجهها “ونحن قدّها وقدود” ودياب لا يمكنه ان يقف في وجهها”. وأكّد انّ “هناك حكيماً واحداً يعمل على التهدئة هو الرئيس بري”. في حين اعتبر الرئيس تمام سلام أنّ “الانتقام لا يؤدي الى عمل بنّاء، والإنهيار الحاصل هو نتيجة الخروج عن الدستور، والحل هو أن يتواضع بعض المسؤولين”. ليؤكّد الرئيس فؤاد السنيورة أنّ: “الأمور لا تُعالج هكذا، وبتقديري يجب النظر إلى المشكلة بالمعالجات الحقيقية، والمطلوب استنهاض المواطنين في دعم مسيرة الاصلاح الحقيقي”.
ارتفاع الاسعار
والى ذلك يُنتظر ان يبحث مجلس الوزراء من خارج جدول اعماله غداً في الفوضى التي تشهدها السوق المالية من جراء ارتفاع سعر الدولار الى ما يفوق الـ 4000 ليرة، مهدّداً بمزيد من الانهيار في سعر العملة الوطنية وقيمتها الشرائية إزاء العملات الاجنبية، واتساع نطاق الازمة المعيشية التي بدأ يعانيها اللبنانيون جراء الارتفاع الجنوني في اسعار المواد الغذائية والاستهلاكية على انواعها، في ظل شهر رمضان، فضلاً عن البحث في ما يمكن اتخاذه من اجراءات في هذا الصدد، خصوصا وأنّ هناك مخاوف من انفلات الاوضاع الامنية، تبعاً لما حصل في صيدا من تفجيرات طاولت بعض فروع المصارف، وتوعّد مجموعات مجهولة المصارف واصحابها ومديريها بالويل والثبور ابتداء من اليوم، وهي تهديدات تبرّأت منها الفصائل المنتمية الى الحراك الشعبي مؤكّدة حرصها على السلم الاهلي.