مَن من اللبنانيين لا يتذكر دعاية “Leban..on off” التي أطلقها وزير الطاقة السابق جبران باسيل قبل نحو عشر سنوات واعداً بإعادة الكهرباء 24/24 بحلول العام 2015… منذ ذلك الحين لم يرّ اللبنانيون النور في منازلهم ولا يزال قطاع الكهرباء يدور في فلك حالك من الظلمة والسمسرات والهدر مستنزفاً الخزينة العامة ومراكماً ما يقارب نصف مجموع الدين العام. فضيحة الكهرباء في لبنان أصبحت “مضرب مثل” للفساد في كل أنحاء المعمورة، ولا تزال وزارة الطاقة في قبضة الفريق السياسي نفسه ولا يزال باسيل “الآمر الناهي” في ملف الكهرباء، إن لم يكن بالأصالة فبالوكالة عبر مستشاريه الذين وزّرهم على رأس هذه الحقيبة، وآخرهم الوزير الحالي ريمون غجر الذي أعاد إحياء الخطة الإصلاحية نفسها، التي أشبعت عرضاً على طاولة الحكومة السابقة من دون أن تصل إلى نتائج عملية تضعها على سكة التنفيذ، ربطاً بإصرار “التيار الوطني” على أن تكون وزارة الطاقة هي الجهة المستأثرة بالخطة لا شريك لها في تنفيذها. وهذا أيضاً ما خلص إليه أمس الأول قرار مجلس الوزراء، الذي وإن أسقط أولوية معمل سلعاتا من حسابات المرحلة الأولى لبناء المعامل لكنه أعاد ترك مفتاح الحل والربط في عملية التفاوض في يد وزير الطاقة، ما يعني، بحسب مصادر مواكبة للملف، أنّ “خطة الكهرباء ستعود تالياً إلى قبضة باسيل ليعود له القرار النهائي في “تدبيج” أطر المفاوضات مع الشركات الراغبة بإنشاء معامل الطاقة من دون مناقصات عالمية ولا استدراج عروض”.
وتوضح هذه المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ ما أطلق عليه مجلس الوزراء “مذكرة تفاهم” ما هو سوى “ضحك على الذقون” والتفاف على القرارات الحكومية السابقة، باعتماد التفاوض المباشر “من دولة إلى دولة” في سبيل تقديم حلول لإنتاج الطاقة، بينما ما هو مطروح حالياً هو تفاوض “من دولة إلى شركات” عبر وزارة الطاقة، مع ما قد يختزنه ذلك من مدخل للتعاقد بالتراضي ونسف لمبدأ استدراج العروض والمناقصات بشكل قد يشي بوجود “صفقات من تحت الطاولة” لتنفيذ الخطة. وإذ لفتت إلى أنّ “مهلة الـ6 أشهر المعطاة للوزير لإجراء المفاوضات هي مدة أكثر من كافية لاستدراج العروض بحسب الأصول”، سألت المصادر: “لماذا التصويت على قانون الـPPP إذا كانت الدولة اللبنانية لا تنوي استخدامه، ولماذا تصر الحكومة على اختراع بدع وطرق للتفاوض والتعاقد خارج الأصول والقوانين المرعية، وما هي الدوافع وراء حصر المفاوضات فقط بوزير الطاقة من دون إشراك لجنة وزارية تضم وزراء معنيين كوزيري المال والعدل في المفاوضات الجارية مع الشركات الدولية، لا سيما وأنّ التفاوض في مذكرة التفاهم سيتمحور حول عقود تراوح بين مليار و5 مليارات دولار، فهل يعقل أن يتحكم وزير لوحده بمفاوضات من هذا القبيل؟”.
في الغضون، وعلى وقع التحضيرات الجارية في مصرف لبنان لإعداد خطة المصرف المالية وتضمينها أرقاماً دقيقة مغايرة لتلك الواردة في خطة الحكومة، تمهيداً لمشاركة حاكم المصرف رياض سلامة على أساس هذه الأرقام في اجتماع الاثنين المقبل مع ممثلي صندوق النقد الدولي، ومناقشة أطر برامج العمل المنوي التفاوض بشأنها لمساعدة لبنان على تجاوز أزمته الاقتصادية والمالية والنقدية، إستقطبت الاهتمام قضية توقيف مدير العمليات النقدية في المصرف المركزي مازن حمدان بناء على إشارة النيابة العامة المالية، بتهمة التلاعب بسعر صرف الدولار من خلال عمليات بيع دولارات للصرافين وشرائها منهم. وفي حين تداعى موظفو مصرف لبنان إلى التلويح بالتصعيد ما لم يتم إخلاء سبيل حمدان باعتباره كان يقوم بمهامه الإدارية، بينما جاء توقيفه في سياق الهجمة الممنهجة التي يتعرض لها المصرف المركزي، أوضح النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم لـ”نداء الوطن” أنّ التحقيقات بيّنت أنّ حمدان “خالف تعليمات مصرف لبنان”، وقال: “التحقيق مستمر في الملف القضائي المتعلق بهذه القضية وأنا أعمل عليه بهدوء بما يمليه عليّ ضميري، وسأقوم بواجبي من دون أن أظلم احداً”، مضيفاً: “على كل حال ملف مازن حمدان شارف على نهايته وسيُختم قريباً، أما موضوع الصيارفة، فالصرافون كثر وعملنا متواصل بهذا الشأن وسأستمع إلى أحد المفتشين في مصرف لبنان (بعد غد) الاثنين”.
وعن إمكانية الاستماع إلى افادة حاكم المصرف المركزي، أجاب القاضي ابراهيم: “لن أجيب على كلام وأقاويل”، وأردف: “على كل حال التحقيق ماشي… وهل أكثر من أن يتم التحقيق مع مدير العمليات في مصرف لبنان وتوقيفه للتأكيد على جدية التحقيقات في هذا الملف”.