بينما تغرق حكومة حسان دياب في همومها “وفيها اللي مكفّيها” من المآزق والنكبات، جاءها “قانون قيصر” الوافد إلى المنطقة عبر بوابة تجريم التعاطي مع النظام السوري ليعمّق جراحها ويلجم جموحها وجنوحها باتجاه الانسياق نحو “خيار الشرق” المؤدي إلى ضفة التطبيع الرسمي مع سوريا الأسد، فباتت بمثابة “الحجر بين شاقوفين” إن هي قررت المضي قدماً بالتطبيع الممانع سيطالها مقصل “قيصر” وإن هي حاولت التطبّع بطباع المجتمع الدولي والتماهي مع شروطه سيحل عليها “غضب” الممانعة، ولذا سيظل أداؤها محكوماً أيضاً في هذا الملف بوضعية “الستاتيكو” واتباع سياسة “التردد ودفن الرؤوس بالرمال” التي تحكم تعاطيها مع مجمل الملفات العالقة بين يديها.
لكن ولأنّ سياق الأحداث ومجرياتها لا يقبل منطق وقوف الزمن والاستمرار في الدوران في الدوائر المفرغة، فإنّ القانون الأميركي الجديد ستكون له “من حيث تدري الحكومة أو لا تدري” تبعات وانعكاسات وتداعيات قسرية بعضها خانق وبعضها الآخر قد لا يخلو من إيجابيات محققة على صعيد قطع طرق التهريب التي أنهكت الخزينة اللبنانية واستنزفتها، سيّما وأنّ المعنيين بتطبيقات قانون “قيصر” في الدوائر الأميركية يؤكدون أنّ مفاعيله ستخيّم فوق الحدود والمعابر التي تربط لبنان بسوريا، مشددين على أنه في ذلك إنما “يحقق منفعة مباشرة للدولة اللبنانية ولاقتصادها بخلاف ما يروّج له بعض الأطراف الموالية للنظام السوري من أنه سيؤدي إلى إطباق الحصار على لبنان”.
وتوضح المصادر المعنيّة لـ”نداء الوطن” أنّ الأطراف الوحيدة التي يجب عليها أن تخشى من سلبيات هذا القانون هي تلك المتعاونة مع النظام السوري، أما ما عدا ذلك فلا تأثيرات سلبية خارج هذه الدائرة، لافتةً الانتباه إلى أنّ “التقرير الأول حول تنفيذ قانون قيصر سيصدر في 17 حزيران الجاري وسيتضمن حزمة أولى غير كبيرة من الأسماء التي ستطالها العقوبات التي ينصّ عليها، على أنّ هذا التقرير سيكون مجرد بداية لتطبيقات القانون وسيشكل مقدمة لحزم أخرى من قوائم المشمولين بالعقوبات”، وكشفت في هذا المجال أنّ “تدقيقاً دقيقاً يجري حول الأسماء ربطاً بخطوات تتبع الأشخاص أو الجهات الذين عملوا أو تعاملوا مع نظام الأسد بعد كانون الأول من العام 2019أي بعد تاريخ توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب قانون قيصر”، مجددةً التشديد على أنّ هذا القانون إذا تم التعاطي اللبناني الرسمي معه بإيجابية فسيعود بإيجابيات على مستوى تكريس مفهوم الدولة في لبنان من حيث تشكيله عاملاً مساعداً لتطبيق خطوات عجزت السلطة اللبنانية عن تنفيذها على مدى عقود، وخصّت بالذكر في هذا السياق مسائل متصلة بوقف التهريب ووقف عمليات تبييض الأموال وردع بعض الجهات عن زج لبنان أكثر فأكثر في أتون الحرب السورية ودفع اللبنانيين إلى القتال هناك، فضلاً عن إمكانية أن يساهم هذا القانون في تقديم المساعدة للبنانيين في ملف المعتقلين وتحديد مصير مئات المفقودين منهم في السجون السورية، وألمحت إلى أنّ أسماء كثيرة كانت تتعامل أو كانت لها علاقات مع النظام السوري أو مع رجال أعمال تابعين لهذا النظام تحاول اليوم إعادة تبييض صفحتها مع واشنطن والقيام بكل ما يمكنها القيام به لتحقيق هذه الغاية.
وفي الغضون، برزت بالأمس زيارة رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل إلى بكركي للتشاور معه في مواضيع الساعة، وبينما آثرت مصادر “التيار” عدم الخوض في تفاصيل لقاء بكركي مكتفيةً بالإشارة إلى أنه “امتد على مدى ساعة من الوقت وتناول مواضيع مالية واقتصادية واستشراف المستقبل في ضوء مجريات الأمور إقليمياً ودولياً وضرورة تحصين الموقف الوطني لمواجهة التحديات”، أوضحت مصادر مطلعة على مجريات لقاء باسيل مع البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي لـ”نداء الوطن” أنّ اللقاء أتى بناءً على طلب باسيل وركّز بشكل خاص على “الهموم المسيحية” وعلى أهمية “دعم صمود المجتمع المسيحي” في ظل الأزمة الراهنة التي تمرّ على لبنان، كاشفةً أنّ “باسيل شرح للبطريرك الراعي أهمية بناء معمل سلعاتا وفوائده للمنطقة المسيحية حيث أنّ الاكتفاء ببناء معملين للكهرباء في البداوي والزهراني يحرم المنطقة المسيحية من وجود معمل كهربائي خاص بها ويجعلها تحت رحمة القوى المسيطرة على تلك المناطق التي تشهد إضطرابات من حين إلى آخر”.
أما مصادر بكركي، فأكدت من جهتها لـ”نداء الوطن” أنّ البطريرك الراعي “كان مستمعاً إلى شروحات باسيل حول أهمية معمل سلعاتا للمسيحيين، وأنّ كل الحملة عليه لا دخل لها بما يُحكى عن صفقات وفساد بل تأتي ضمن سياق الإستهداف السياسي”. مؤكدةً في المقابل أنّ “بكركي كانت دائماً مع الإنماء المتوازن وعدم الإستفراد، فيما يبقى أن يُترك الشق التقني للإختصاصيين والشق السياسي للسياسيين”.