كان يفترض أن تشكل أكبر دفعة من التعيينات الإدارية والمالية التي أصدرتها حكومة الرئيس حسان دياب محطة تحول بارزة ومفصلية في مسار الالتزامات والوعود والتعهدات الإصلاحية المتلاحقة التي تدأب الحكومة كما العهد العوني على اطلاقها والتشدّد كلامياً ودعائياً في تردادها. لكن ما أفضت اليه جلسة مجلس الوزراء أمس شكّل واقعياً الطعنة الأسوأ اطلاقاً في تلك الالتزامات والتعهدات الإصلاحية، بل يمكن القول أن صفقة المحاصصة الضخمة التي تقاسمت عبرها القوى الأساسية في الحكومة ولا سيما منها التيار العوني والقوى الأخرى بتفاوت الدرجات، أطلقت رصاصة الرحمة بأيدي مكونات الحكومة ورئيسها الى بقايا صدقية هذه الحكومة أمام الرأي العام الداخلي والأهم والأخطر أمام المجتمع الدولي الذي بات يختصره تقريباً صندوق النقد الدولي الذي يفاوضه لبنان للحصول على دعمه على أساس احترام الالتزامات الإصلاحية في المقام الأول.
ولم يكن أدلّ على الطابع الفضائحي للمحاصصة التي مررت التعيينات الإدارية والمالية من أن معظم الأسماء والمناصب التي شملتها كانت هي نفسها التي طرحت في جلسة مجلس الوزراء في الثاني من نيسان الماضي، لكن موقفاً “ممانعاً” آنذاك للرئيس دياب أجهض تمرير الصفقة وحال دونها وكانت ذريعة رئيس الحكومة أنه رئيس حكومة تكنوقراط مستقلة ولا يقبل بتعيينات تقوم على معايير سياسية محاصصية وليس فقط على معايير الكفاءة. ولكن هذا الموقف سرعان ما اختفى أمس وانخرط رئيس الوزراء مع رئيس الجمهورية ومع ممثلي الكتل السياسية الأخرى في صفقة المحاصصة ومرّت التعيينات بسلاسة لم يعكرها سوى غياب وزيري “تيار المردة” وتفرّد الوزير حب الله بتسجيل اعتراضه على “عدم اتباع الآلية في التعيينات وغياب الشفافية فيها”.
الواقع أن العهد والحكومة انزلقا عبر المحاصصة التي حصلت مع القوى الأخرى الى سابقة حقيقية تعتبر الأسوأ في تاريخ المحاصصات. فمع أن تاريخ الحكومات السابقة مليء بتجارب المحاصصات في التعيينات، فإن ذلك لم يعد يبرر للحكومة الحالية دوس مجموعة حقائق ووقائع تتصل بالظروف المخيفة التي تجتازها البلاد والتي كانت تفرض قفزة نوعية جدية وإصلاحية بكل المعايير في دفعة التعيينات التي صدرت.
ولعل السقطة الأولى التي انزلقت اليها الحكومة تمثلت في تعاميها وتجاهلها الخطير معنوياً وسياسياً وأدبياً لصدور قانون عن مجلس النواب الأسبوع الماضي يحمل للمرة الأولى دفعا للمنحى الإصلاحي في التعيينات من خلال اعتماد آلية متكاملة لا تسمح بتفرد الحكومة بالتعيينات. ومع أن القانون لم يسر بعد وربما قدم أحد الأطراف طعناً فيه، إلا أن إقدام الحكومة على إصدار التعيينات بالشكل المحاصصي الفج وبعد أسبوع من إقرار قانون لألية التعيينات يعد تحقيراً للتشريع الإصلاحي أولاً ولمجلس النواب كلاً. والسقطة الثانية التي تسجل على الحكومة تتمثل في الضرب أصول الحد الأدنى التي تفرض توزيع نبذات عن المرشحين للتعيينات على الوزراء قبل 48 ساعة من موعد الجلسة، الأمر الذي لم يحترم في الجلسة الأخيرة. أما السقطة الثالثة وقد تكون الأسوأ من السابقتين فتتمثل في انكشاف هشاشة مزاعم الحكومة في كل ما يتصل بالاتجاهات الإصلاحية التي ضمنتها خطتها المالية” الإنقاذية “التي طرحتها للتفاوض مع صندوق النقد الدولي، إذ أن صفقة التعيينات كما صدرت تشكل في ذاتها الدليل القاطع على هزال مزاعم الإصلاح كنموذج سلبي فاقع قدم بتواطؤ أهل السلطة.
وتوزعت صفقة المحاصصة على التعيينات المالية التي شملت نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف ومفوض الحكومة لدى مصرف لبنان وأعضاء هيئة الأسواق المالية والعضو الأصيل في هيئة التحقيق الخاصة. كما توزعت على التعيينات الإدارية التي شملت مناصب المدير العام للاقتصاد والمدير العام للاستثمار في وزارة الطاقة ورئيسة مجلس الخدمة المدنية والمدير العام للحبوب والشمندر ومحافظ بيروت والمنصب المستحدث لمحافظ جبيل كسروان. اذاً سار الرئيس دياب بهذه المحاصصة التي دخل فيها شريكاً وتوزعت بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل. وحظي باسيل بحصة الأسد وكاد يختزل الحصة المسيحية لو لم يعط “المردة” اسماً هو عادل دريق وهذا ما أدى الى اعتراض “المردة” التي غاب وزيراها تعبيراً عن هذا الاعتراض، كما أعطي الطاشناق الكسندر مراديان.
ولوحظ أن دياب جاء بتعيينين ليسا بعيدين عن الفلك المستقبلي ولاسيما منهما نسرين مشموشي التي أصر عليها رغم الملاحظات الكثيرة على تعيينها أبرزها أنها كانت فئة ثانية وباتت رئيسة على من كانوا رؤساء لها، ومن شروط التعيين في هذا الموقع وجوب أن يكون الموظف فئة أولى لمدة خمس سنوات.
أما رئيس مجلس النواب فقد حظي بالتعيينات الشيعية التي حفظ فيها مركزاً لواجب علي قانصوه وهو الوحيد في التعيينات المالية من داخل الادارة ومدير في الهيئة.
واعتبرت مصادر “التيار الوطني الحر” أن “مجموعة انجازات تحقّقت من خلال هذه التعيينات بعد معارك صامتة وقاسية أدت نتيجتها الى إنهاء التعيينات المالية كاملة للمرة الأولى منذ سنوات ولاسيما بشمولها مفوض الحكومة في مصرف لبنان والعضو المتفرغ في هيئة التحقيق، ما يفتح الطريق لبداية التصحيح في المصرف المركزي. ومن شأن هذه التعيينات تصحيح الوضع الارثوذكسي من خلال إعطاء الارثوذكس أربعة مراكز في الفئة الأولى منها محافظ في كسروان وجبيل اضافة الى محافظة بيروت فضلاً عن حصتهم في التعيينات المالية.
وعُلم أن كباشاً قد قام على تعيين محافظ كسروان وجبيل، خصوصاً وأن هذا الموقع استحدث بقانون لم توضع له مراسيم تطبيقية، وهذا ما دفع وزير الداخلية الى الاعتراض خصوصاً أن ترشيحه لم يأت باقتراح منه وفق الأصول.
توصيات بعقوبات
في أي حال، برز تطور سلبي لافت أمس تزامن مع السقطات السلطوية في ملف التعيينات، اذ أفادت محطة “سكاي نيوز” أن لجنة الدراسات في الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة أوصت بفرض اقصى العقوبات على ايران ووكلائها في المنطقة وطالبت بإصدار تشريع يلاحق داعمي “حزب الله” ممن هم خارج الحزب كرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل، كما أوصت بعقوبات تشمل كل وزراء “حزب الله” في الحكومة ومن يقدمون أنفسهم على انهم مستقلون وهم داعمون للحزب كجميل السيد وجميل جبق وفوزي صلوخ. كما أوصت بوقف المساعدات الخارجية للجيش اللبناني.
الحريري -جعجع
وفي سياق سياسي آخر، اكتسب أمس السجال الحاد بين الرئيس سعد الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع دلالات سلبية بدت معها العلاقة بين الحليفين السابقين كأنها في أسوأ ما بلغته من تدهور ربما كان ينذر بالقطيعة. ذلك ان جعجع كان قال في حديث الى صحيفة “الأهرام ” المصرية عن سبب عدم تأييده لعودة الرئيس الحريري الى رئاسة الوزراء إنه “لم يتخل عن دعم الحريري لكن الظروف لم تكن مناسبة إطلاقاً لتوليه رئاسة الحكومة وكان من الممكن أن تكون نهاية له، هذا اعتقادنا وحساباتنا”. وردّ الحريري بحدة عبر تغريدة فكتب بالعامية: “كان لازم أشكرك لأنو لولاك كان ممكن تكون نهايتي. معقول حكيم؟ إنت شايف مصيري السياسي كان مرهون بقرار منك؟ يعني الحقيقة هزلت يا صاير البخار مغطى معراب أو إنك بعدك ما بتعرف مين سعد الحريري”.