وسط ترقب مواقف القوى السياسية والحزبية ورؤساء الجمهورية ورؤساء الوزراء السابقين من الدعوات التي وجهتها رئاسة الجمهورية الى “لقاء وطني” في 25 حزيران الجاري في قصر بعبدا، بدا واضحاً ان توفير شروط انعقاد هذا اللقاء لن يكون سهلاً ما لم يتبلغ المتحفظون عن المشاركة فيه ضمانات الحد الأدنى للجدية التي ستطبع نتائجه بما يكفل انعقاد حوار حقيقي تصدر عنه قرارات أو توجهات مفصلية لا فولكلورية أو شكلية.
ذلك ان الساعات الاخيرة لم تشهد أي تطورات من شأنها الاضاءة على الاتجاهات التي ستتبلور بدءاً من الاثنين المقبل بما يحسم احتمالات انعقاد اللقاء أو عدم انعقاده. وسيكون الاجتماع الذي سيعقده رؤساء الوزراء السابقون سعد الحريري وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمّام سلام في “بيت الوسط” النقطة المحورية في تقرير مصير لقاء بعبدا، ذلك ان قرار الرؤساء الأربعة المشاركة أو المقاطعة سيحكم قرار رئاسة الجمهورية المضي في عقد اللقاء أو إلغاؤه، لأنه إذا قاطعه الرؤساء الأربعة، ينشأ عندها خلل ميثاقي في تمثيل المكوِّن السنّي. ومع ان مجمل الأجواء المستقاة من الرؤساء الأربعة تشير الى رجحان كفة التحفّظ عن تلبية الدعوة الى اللقاء، فإن ذلك لم يسقط بعد فرصة الساعات الثماني والأربعين المقبلة لاستمرار المساعي والاتصالات لبلورة ما اذا كان ممكناً تبلغ ضمانات جدية من قصر بعبدا لجدوى اللقاء في اصدار موقف نوعي من شأنه ان يتسع لمواقف المعارضين للعهد والحكومة.
وردت أمس المصادر القريبة من القصر الجمهوري على “الكلام الذي قيل عن ان هدف الدعوة تعويم فلان أو فلان”، موضحة “ان الغاية من اللقاء ليست سياسية بقدر ما هي غاية وطنية انقاذية، خصوصاً أن ما جرى في بيروت وطرابلس الاسبوع الماضي تجاوز الاطار الاعتراضي أو الاحتجاجي للثورة أو الانتفاضة الى لعبة وسخة لتحريك مشاكل ذات طابع مذهبي أو إعادة خطوط التماس بين اللبنانيين ولا سيما بعد التطورات التي سجلت على خط عين الرمانة – الشياح وغيرها من المظاهر المقلقة”. وقالت المصادر “إن الحديث عن غياب أو مقاطعة لا يقع في مكانه الوطني السليم لأن كل القيادات تجمع على ضرورة حماية الوحدة الوطنية وتحصين العيش المشترك وخنق الفتنة في مهدها. وهذا اللقاء ليس إلا مناسبة لإعادة تأكيد هذه الثوابت ولا أحد من القيادات يقبل بعدم المشاركة في لقاء كهذا. أما الحديث عن مقاطعة للقاء إو إعطائه تفسيرات بعيدة عن ثوابت الوحدة وحماية العيش المشترك، فإنما يدخل في اطار الاجتهاد السياسي في وقت يجب ان تكون مقاربة اللقاء وطنية لا سياسية”. وأضافت: “إن اللقاء سمي لقاء وطنيّاً وليس لقاء سياسيّاً لأن هدفه وطني والثوابت التي سيؤكدها وطنية وقد وجّهت الدعوات الى كل الأطراف، وهم يأخذون وقتهم في الإجابة عنها. بعضهم يستمهل للرد، وبعضهم يجتمع الاثنين، وبعضهم أكد أنه سيحضر. لذلك، فإن محاولة وضع هذا اللقاء في مكان آخر أو حصره بإطار شخصي خطأ جسيم، لأن طابعه كما اسمه “لقاء وطني”. ومن الطبيعي أن تحضر فيه كل المواضيع المطروحة على الساحة، لكن الأساس فيه هو رفض ما جرى في بيروت وطرابلس ومنع تكراره أو استثماره أو استغلاله. ويفترض في هذا اللقاء الجامع ان يشكل السد المنيع في مواجهة كل ذلك من خلال حضور كل القيادات وعدم تسييس اللقاء واسقاط الصفة الوطنية عنه”. وأكدت “أن لا تعويم لأحد ولا أحد في حاجة الى تعويم ولكل طرف حيثيته ومكانته وحضوره، وخصوصاً رئيس الجمهورية ليس في حاجة إلى إعادة تعويم لأنه أساساً موجود ولم يغرقه أحد كي يقال انه يحتاج الى تعويم. لذلك يجب الأخذ بالهدف السامي لهذا اللقاء وان يكون هو الحافز لاستجابة الدعوة الرئاسية”.
الملف المالي
في أي حال، أفسحت حال الترقب والانتظار لبت مصير “اللقاء الوطني” في تقدم الملف المالي في الساعات الاخيرة، سجلت تحركات واجتماعات واكبت انتهاء لجنة المال والموازنة من مهمة “تقصي الحقائق” ووضع تقريرها عن الأرقام المالية المعدلة لتلك التي وردت في خطة الحكومة والتي توصلت اليها أخيراً بتوافق واسع بين القوى السياسية والكتل النيابية. واتّخذ هذا الملف دلالات جديّة في ظل الاجتماع المطول الذي عقده أمس رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الوزراء حسان دياب في عين التينة والذي تمحور على تقرير لجنة المال والموازنة والأرقام المعدلة والمخفضة التي توصلت إليها. ووضع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبرهيم كنعان اللمسات الأخيرة على التقرير النهائي وأطلع رئيس الوزراء عليه في اجتماع استمر أكثر من ساعة ونصف ساعة. وأوضح كنعان ان “المقاربات الموحدة تؤدي الى أرقام واحدة، وهذا ما عملت عليه اللجنة”، وأفاد ان “ليست هناك محاور بل محور واحد هو الدولة اللبنانية، فالعمل في المجلس كان لتوحيد المواقف لتكون حجة الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد الدولي أفعل، ولن تكون هناك أرقام متناقضة في المفاوضات بل رقم واحد للدولة نتيجة مقاربة مشتركة”.
وقالت مصادر معنية بالتقرير لـ”النهار” انه تخلّل الاجتماع توافق على ان يعكس التقرير كل وجهات النظر ضمن المقاربات الموحدة التي اعتمدت، “إذ ان هدف اللجنة لم يكن تسجيل النقاط لفريق على آخر، ولا تسجيل مواقف بين الحكومة ومجلس النواب ومصرف لبنان. والتقرير لن يكون تقليدياً ولن يقسم الى محاور، بل سينطلق من الأرقام الموحدة التي جرت مقاربتها بطريقة موحدة مع شرح مفصل، ما يساهم في تعزيز موقف لبنان في مفاوضاته مع صندوق النقد الدولي. فلا أرقام خاطئة بل مقاربة مختلفة، والأرقام هي نتيجة مقاربات وافتراضات، ومقاربة الحكومة لم تطابق خلاصة ما توصلت اليه اللجنة، مع التأكيد ان كل مقاربة تؤدي الى رقم مختلف”.
وبدا ان المقاربات الجديدة للملفات وما خلصت اليه لجنة تقصي الحقائق أعادت ترميم العلاقة المتوترة بين القطاع المصرفي والحكومة، فرئيس الوزراء كان استقبل وفداً من جمعية المصارف برئاسة رئيسها سليم صفير الذي أكد لـ”النهار” ان “الأيام الماضية والتطورات الأخيرة أعادت العلاقة الى مستوياتها الممتازة مع الحكومة ورئيسها، ما يُساهم في بناء مستقبل إيجابي للقطاع المصرفي وحمايته، وكل المساعي والاجتماعات الاخيرة تصب في هذا الاتجاه”. ونوه بما توصلت اليه لجنة تقصي الحقائق من حيث تقريب وجهات النظر بالنسبة الى الأرقام والمقاربات المعتمدة. وفي هذا السياق، علمت “النهار” من مصادر تابعت عمل اللجنة ان اوساط مصرف لبنان وجمعية المصارف تشير الى تأييد المقاربات التي سيتضمنها تقرير اللجنة، يما يعني توحيد المقاربات التي ستؤدي الى أرقام مقبولة.
ورأس الرئيس دياب مساء إجتماعًا تنسيقيًا للخطة المالية أكد خلاله “أن الجميع في مركب واحد” ودعا إلى “التعاون البناء والإيجابي لإنجاح خيارات الحلول، وأن النقاش في لجنة المال والموازنة أمرٌ جيد لفهم المقاربات وتبني المعالجات في جو تعاون بين الجميع”.
قلق فرنسي
وسط هذه الاجواء، برز موقف فرنسي (باريس – “النهار”) أبدت باريس من خلاله قلقها من التدهور الشديد للوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان، ودعت الى “تجنب الاستفزازات” و”المحافظة على حق المواطنين في التظاهر”.”
وأصدرت الناطقة الرسمية باسم وزارة الخارجية الفرنسية انياس فان دير مولرداً بياناً اعربت فيه عن “قلق فرنسا من التدهور الشديد للوضع الاقتصادي والاجتماعي في لبنان. وعقب أعمال العنف التي وقعت في الأيام الأخيرة، يتعين على الجميع تجنب الاستفزازات والمحافظة على حق المواطنين اللبنانيين في التظاهر السلمي”.
وقالت: “زيادة الحوادث تضع السلطات اللبنانية أمام مسؤولياتها التي تكمن في المقام الاول في الاستجابة للتطلعات المشروعة للشعب اللبناني، وتنفيذ الإصلاحات الضرورية لانتعاش البلد من دون انتظار، وفقاً للالتزامات المتعهَّد بها في اجتماع مجموعة الدعم الدولية للبنان في باريس في 11 كانون الاول الماضي”.
وأضافت: “يتعين على الحكومة وجميع الجهات السياسية اللبنانية الفاعلة تحمّل مسؤولياتها، من خلال اعطاء الأولوية لانطلاق عام للمصلحة العامة للشعب اللبناني قبل أي عمل آخر. فقط الإجراءات الملموسة التي طال انتظارها من السلطات اللبنانية، كفيلة وحدها بتمكين فرنسا والمجتمع الدولي من مواكبة انتعاش لبنان”.
وشددت على “تمسك فرنسا بسيادة لبنان واستقراره وأمنه، وضرورة فصله مجددا عن الأزمات الإقليمية. ومن هذا المنطق، تدعم فرنسا عمل (القوة الموقتة للأمم المتحدة في لبنان) اليونيفيل، وتدعو إلى الامتثال الكامل لقرارات مجلس الأمن ولا سيما منها القرارين 1559 و1701