تسارعت التطورات، على نحو هستيري، قبل ساعات قليلة من موعد الساعة 11 من قبل ظهر اليوم، وفيه يعقد اللقاء الوطني، لحماية السلم الأهلي، والذي دعا إليه رئيس الجمهورية ميشال عون، بنصاب دون ما كان متوقعاً، إذ انضم إلى المقاطعين للاجتماع رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي لم ير هدفاً: «إلا ذر الرماد في العيون، أو تحميل الآخرين مسؤولية فشل هذه السلطة».
من هذه التطورات المتسارعة:
1- استباق الرئيس نبيه برّي، بصفته رئيساً لحركة أمل، ورئيساً لتكتل التنمية والتحرير، قبل ان يكون رئيساً لمجلس النواب، بالدعوة لاعلان حالة طوارئ مالية، وإعادة النظر بكل الإجراءات التي اتخذت لحماية العملة الوطنية.. بما يشبه الثورة على الدولار..
وبصرف النظر عن الصيغة الملطفة للكلام الذي عمّم على لسان الرئيس برّي، بعد اجتماع طارئ للقيادات الحركية خصص لمناقشة الأوضاع المالية والاقتصادية والمخاطر الناجمة عن صفقة القرن وقانون قيصر، فإنه قبل لقاء بعبدا، يحمل أكثر من عنوان، إن لجهة إعلان فشل إجراءات الحكومة، أو لجهة حسم الخيار بالوقوف إلى جانب سوريا في مواجهة الحصار المترتب على قانون قيصر.
والأخطر ان برّي رأى في «انهيار سعر صرف الليرة امام الدولار الأميركي عملاً مسبقاً ومنسّقاً»، رافضاً «جعل اللبنانيين رهائن للأسواق السوداء في العملة والغذاء والدواء والمحروقات»، غامزاً من قناة مستشارين محلين وفي الخارج، وقال: المجتمع الدولي يعتبر لبنان «سلة بلا قعر»، وبالتالي يخطئ أي مسؤول الظن إذا ما اعتقد ان صندوق النقد يمكن ان يقدم المساعدة بقرش إذا «لم تنفذ الاصلاحات».
على ان الأخطر ما قاله برّي امام الحركيين من انه قلق من أوضاع شبيهة باحداث عام 1982 حيث كان لبنان وبيروت يقاومان اجتياحاً اسرائيلياً قاوما، ولم يرفعا الراية البيضاء انتصرا لنا جميعاً وانتصر اللبنانيون بهما ولهما، واليوم لا اخفي قلقي باننا نعيش ظرفا مشابها لذلك الظرف يراد منه اسقاط لبنان واخضاعه واجتياحه باسلحة مختلفة ربما تكون ناعمة الملمس لكن في طياتها تخفي الموت الزؤام، ان لبنان امام تحد وجودي وحجر الزاوية لانقاذه رهن على تعاون جميع القوى السياسية وعلى وعيهم اهمية التزامهم بالحوار سبيلا وحيدا لمقاربة كافة القضايا الخلافية.
2- دوران اجتماعات الوفد اللبناني المفاوض مع صندوق النقد في حلقة مفرغة، فالاجتماع رقم 15، يستكمل الاثنين بين المفاوض اللبناني برئاسة الوزير غازي وزني ومشاركة فريق يمثل رئيس الحكومة برئاسة الوزير دميانوس قطار، وفريق المصرف المركزي، وممثلين حقوقيين عن وزارة العدل، وهو كان تمحور – حسب بيان وزارة المال – حول استراتيجية الحكومة لمكافحة الفساد وتبييض الأموال.
وهذا يعني ان المفاوضات، ما تزال استطلاعية وفي المرحلة الأولى من خطة الحكومة الثلاثية، والتي قد تستغرق أشهراً..
بالموازاة انتهى الاجتماع الثالث لخلية الأزمة الوزارية، برئاسة وزني وعضوية الحاكم رياض سلامة، واللواء عباس إبراهيم، مدير عام الأمن العام، ورئيس جمعية المصارف سليم صفير، ونائب نقيب الصرافيين محمود حلاوي، إلى الاتفاق على فشل الآلية المتبعة، واعتماد اتجاهات جديدة، ملخصها:
يتولى مصرف لبنان ضخ الدولارات للمصارف، بضوابط يحددها الحاكم، وتتولى جمعية المصارف سد حاجات المواطنين من الأموال التي يضخها المصرف إليها.
3- الانهيار المريع في سعر صرف الليرة، بصرف النظر عن السعرين الرسميين: الأوّل عند الافتتاح العاشرة صباحاً، نشرة مصرف لبنان، والثاني الذي يسبقه بدءاً من التاسعة لدى الصرافين فئة «أ»، بناءً على تسعيرة النقابة بين سعر شراء وسعر مبيع كحد أقصى، في الاغلب لا يتخطى الأربعة آلاف ليرة.. فالعبرة، ليست للسعر الرسمي، إنما للسوق السوداء، بعد تعذر الحصول عليه، من قبل المواطنين، لدى الصرافين، حتى ولو انتظروا صفوفاً طويلة، فتخطى أمس سعر الـ6000 وتراوح بين 6300 و6500 ليرة مقابل كل دولار وفقاً للمتعاملين..
وقالت مصادر سياسية لـ «اللواء» أن «لا بديل عن استمرار المفاوضات مع صندوق النقد الدولي، ولا خيار آخر غير ذلك، مشددة على ضرورة أن تتخذ الدولة موقفا موحدا من خلال توحيد أرقامها في مفاوضاتها مع الصندوق، والقبول بشروط معينة، قبل السير بشكل نهائي باتجاه الانهيار الكامل الذي أصبحنا قريبين من الوصول اليه، حسب المصادر، كما هو الحال عليه في سوريا وايران، مذكرة بأن لبنان لا يملك الطاقات الموجودة في ايران مثل النفط وغيره».
المصادر تشبه وضع الحكومة في الوقت الراهن بوضع مريض «الكورونا» الموضوع على جهاز التنفس وذلك بسبب خطورة وحراجة وضعه. من هنا، ترى ان «الاشهر المقبلة ستكون أصعب وأقسى، خصوصاً أنه لا يمكن الاستمرار بما هو متبع اليوم اقتصاديا وماليا، لا سيما بالنسبة لموضوع صرف الدولار».
4- على ان الأخطر، المناخات المسمومة دولياً، واقليمياً.. والأبرز ما كشفه وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو من ان بلاده مستعدة لدعم الحكومة اللبنانية إذا نفذت إصلاحات حقيقية وعملت بطريقة «لا تجعلها رهينة» لحزب الله.
وقال بومبيو إنه إذا أظهرت الحكومة اللبنانية استعدادها لاتخاذ مثل هذه الإجراءات، فإن الولايات المتحدة والعالم بأسره سيساعدان في نهوض اقتصادها مجددا.
وفسرت مصادر دبلوماسية غربية مواقف بومبيو بأنها رسالة واضحة للساسة اللبنانيين مفادها بان مطلب الادارة الاميركية وحلفاءها لتقديم المساعدات المطلوبة لحل الازمة المالية التي يواجهها لبنان حاليا مرتبط بتحقيق شرطين أساسيين، الاول وجود حكومة لبنانية جديدة متحللة من سيطرة وتبعية حزب الله المباشرة وتحظى بتاييد وثقة اللبنانيين والخارج، والثاني بقدرتهاعلى القيام بالاصلاحات الأساسية في كافة القطاعات والادارات الحكومية التي تشكل بؤر فساد واستنزاف لمالية الدولة، باعتبار ان الحكومة الحالية لم تستطع القيام بالمهمات الضرورية المطلوبة منها، ان كان بمقاربة الاصلاحات او في معالجة الأمور والمواضيع التي اتت من أجلها، وما تزال تدور حول نفسها وغير قادرة على اعادة لبنان الى موقعه الطبيعي في المنطقة والعالم.
5- ما تردّد عن شريط مصور لقائد الجبهة الشمالية في الجيش الإسرائيلي غانت الشتاين يُهدّد «بحرق لبنان من جنوبه إلى شماله»، معتبراً ان «الحرب قريبة أكثر من أي وقت مضى، وستكون لصالحنا، نظراً للحصار المفروض على حزب الله».
وجاءت هذه المواقف، رداً على شريط مصور لحزب الله بعنوان «أنجز الامر» في إشارة إلى ان الصواريخ الدقيقة لحزب الله، باتت جاهزة لدخول المعركة.
اللقاء: النقل المباشر
على مستويات اللوجستية، والبروتوكولية، والإعلامية، انجزت ترتيبات اللقاء الوطني في بعبدا، برئاسة الرئيس عون وحضور الرئيسين برّي ودياب ورؤساء الأحزاب والكتل النيابية المشاركة، لبحث التطورات الأمنية، التي حصلت في بيروت وطرابلس، وفي سبيل حماية السلم الأهلي والوحدة الوطنية.
وقال مصدر رسمي ان اللقاء سيناقش عددا من المواضيع المطروحة لتحديد وجهة نظر المشاركين فيه حيالها، على أن يصدر عن المجتمعين بيان يؤكد النقاط التي سيتم الاتفاق عليها.
ويفتتح الرئيس عون اللقاء بكلمة تنقل مباشرة على الهواء، وإذا كان ثمة من كلمات للرئيس برّي ودياب، فالامر متروك لهما.
واعتبرت مصادر مقربة من بعبدا ان المقاطعة هي مقاطعة سياسية وليست اعتراضاً على المواضيع المطروحة، حيث لا يستطيع احد الاعتراض على حماية السلم الاهلي، والغاية هي التأكيد على هذه الثوابت الوطنية، ذلك ان المطلوب تحصين الوحدة من قبل القيادات المدعوة. وقالت: ان الهدف هو تأمين تحصين الوحدة الوطنية سياسيًا وحماية لبنان وتحصين السلم الاهلي ومنع الفتنة.
واشارت: ان اللقاء سيعقد بمن لبى الدعوة، حيث ان كل طرف موجود يمثل حيثية اما دستورية او شعبية لانه ممثل بالمجلس النيابي.
وحسب هذه المصادر فإن الأوضاع المعيشية قد لا تغيب عن المداولات في ضوء عودة ارتفاع سعر صرف الدولار.
وبالنسبة لمجلس الوزراء، فقد أكّد مصدر وزاري لـ«اللواء» ان مجلس الوزراء سيتناول سعر صرف الدولار بعد تفلت هذا السعر، ومن المقرر ان يجري المجلس تقييما للأجراءات التي تتخذ بناء على سلسلة قرارات كان قد اتخذها المجلس في وقت سابق.
بالمقابل، اعتبرت مصادر سياسية بارزة أن مقارنة موضوعية بين مشهدية اللقاء الحواري الذي سيعقد اليوم في بعبدا واللقاء الذي عقد في شهر أيار الماضي وما قبلهما من لقاءات وطاولات حرارية يتبين بوضوح مدى الفارق الكبير فيما كانت عليه اللقاءات السابقة من اجماع على الحضور وحماس على مناقشة ومقاربة الملفات والمواضيع الخلافية المطروحة، في حين يتبين بوضوح انكفاء العديد من الاطراف والقيادات السياسية عن الحضور او قبول مبدأ مناقشة القضايا التي ينظم من أجلها هذا اللقاء اليوم باعتبارها من مهمات الحكومة ولا تستاهل تنظيم لقاءات حوارية على هذا المستوى. أما الاهم من كل ذلك فنتائج ما يحصل تؤشر بوضوح الى اتساع جبهة المعارضين لرئيس الجمهورية خلافا عما قبل وهذا التطور الجديد قد يتحول الى قوة سياسية معارضة ضاغطة في الأيام المقبلة مع انضمام نواب وسياسيين مبعثرين تجمعهم مصلحة تضييق الخناق اكثر على العهد بهدف التغيير بالمرحلة المقبلة وان طالت لبعض الوقت لان استمرار الواقع على حاله الانحداري لن يكون بمصلحة احد على الاطلاق.
وبإعلان جعجع عدم حضوره اللقاء، يكون النصاب اكتمل أمس، بغياب معظم رؤساء القوى المعارضة، لا سيما المسيحية منها، كـ«القوات» والكتائب والمردة، مما يعني اقتصار الحضور على تيّار رئيس الجمهورية.. مع الإشارة إلى ان النائب جنبلاط كلف رئيس اللقاء الديمقراطي النائب تيمور جنبلاط تمثيل الحزب التقدمي الاشتراكي في اللقاء.
وأعلن جعجع، في مؤتمر صحافي في اعقاب اجتماع لتكتل الجمهورية القوية وقيادة القوات: توقفنا طويلا لنعرف ما هدف الاجتماع ولم نستطع المعرفة، فالوضع في البلد في مكان والمسؤولون في مكان آخر تماما.
وقال: لا يطلبنّ منا أحد المشاركة في اجتماع الهدف منه إما ذر الرماد في العيون، أو محاولة تحميل الآخرين مسؤوليّة فشل هذه السلطة، وفي كلتا الحالتين فمن الطبيعي ألا نشارك، باعتبار أن ما من خلاف اليوم بين أي من مكونات الشعب اللبناني، وإنما أكثرية الشعب اللبناني على خلاف مع هذه السلطة انطلاقا من الوضع المزري الذي أوصلتنا إليه، ودعا المجموعة الحاكمة إلى الرحيل بجميع مكوناتها وأقطابها.
وحسماً للجدل، أعلن الرئيس حسين الحسيني انه بصحة جيدة، أما قلقي فهو على صحة بلادنا وهي فريسة القريب والبعيد. لكنني ما زلت أردد في ختام كل قول «وثقتي بلبنان لا تحد». في بيان أصدره لهذه الغاية.
«بروفة» لتحركات واسعة
ولاحظت مصادر معنية ان تحركات ليل أمس، تعتبر بمثابة «بروفة» لتحركات أوسع اليوم، بالتزامن مع انعقاد لقاء بعبدا.
وأعطيت القوى الأمنية تعليمات واضحة بعدم التساهل بأية أعمال تخريب أو قطع طرقات أو الاعتداء على الأملاك العامة.
وبلغت التحركات ليلاً ذروتها، بقطع طريق «جسر الرينغ» ثم تدخلت فرقة من «مكافحة الشغب» لمواجهة المحتجين، وما لبث ان تجمع عشرات منهم ليلاً في ساحة الشهداء.
وتجمع ليلاً، عدد من المحتجين امام سراي جونيه، وقطعوا الطريق بالاطارات المشتعلة.
وفي الجنوب نجحت الاحتجاجات في المدن الرئيسية، فقطع شبان من صور الطريق المؤدية الى ساحة ابو ديب في حي الرمال، ونفذوا اعتصاما في الساحة احتجاجا على ارتفاع الاسعار والغلاء وسعر صرف الدولار والتقنين في التيار الكهربائي، اضافة الى نفاد مادتي البنزين والمازوت من محطات الوقود.
وسارت تظاهرة في شوارع المدينة، رددت فيها شعارات نددت بالغلاء، ورافق الاعتصام والتظاهرة وحدات من الجيش والقوى الامنية تحسبا من أعمال شغب.
وفي النبطية قطعت الطريق امام السراي الحكومية.
وفي الشمال، قطع محتجون السير في ساحة النور في طرابلس احتجاجاً على رفع سعر صرف الدولار، وارتفاع الأسعار.
1644
صحياً، اعلنت وزارة الصحة العامة تسجيل 22 إصابة كورونا جديدة رفعت العدد التراكمي للحالات المثبتة الى 1644، وأشار تقرير مستشفى الحريري اليومي إلى اجراء 621 فحصاً، وان عدد المصابين بكورونا 26 حالة، فضلاً عن ان الحالات الحرجة وصلت إلى اثنتين.