لعل الخبر الثقيل الذي وقع على اللبنانيين أمس، هو قرار قيادة الجيش الاستغناء عن اللحوم في طعام العسكريين اثناء الخدمة، وذلك بسبب الاوضاع الاقتصادية الصعبة، بعدما تجاوز سعر كيلو اللحم الخمسين الف ليرة في عدد من المناطق، من غير ان يستقر على هذا الثمن بالتأكيد. والاجراء في ذاته يشكل نذيراً شديد القساوة بما يمكن ان تذهب اليه الاحوال المعيشية في ظل تفشي البطالة، وتراجع حركة الاسواق، وضعف قدرة الدولة على توفير الدعم للمواد الضرورية، وصولا ربما الى السلع الاولية، وأول النذر رفع سعر ربطة الخبز الى 2000 ليرة منذ اليوم.
وفي موضوع متصل، ابلغت ادارات مصرفية المودعين من حاملي البطاقات (credit card) انها توقفت عن تسديد ثمن مشترياتهم في الخارج، وان البطاقات الصادرة عن شركات عالمية صارت محلية الاستعمال فقط، من دون امكان سحب المال بالدولار عبرها بالطبع. وبرزت مشكلة سداد الاشتراكات التي يدفعها اللبنانيون مقابل خدمات تطبيقات الهواتف ومحطات تلفزيون فضائية والعاب. وتجري اتصالات لايجاد مخرج لتلك النفقات البسيطة.
من جهة أخرى، يرتفع عدد العاطلين عن العمل يوما بعد يوم، وقد وصل معدل البطالة إلى 30 في المئة، وفقًا لاستطلاعات وتقديرات أجرتها شركة InfoPro للأبحاث، كما ان خُمس الشركات توقف عن العمل منذ مطلع عام 2019، نصفها في 2020.
مطلع 2019، قدَّرت ادارة الاحصاء المركزي عدد العاطلين عن العمل بـ 200 ألف شخص، أو 11 في المئة من مجمل القوة العاملة المقدرة بـ 1.8 مليون شخص. ومنذ ذلك التاريخ، أظهرت استطلاعات InfoPro أن ما يقدر بنحو 350 ألف شخص من أصل 1.15 مليون يعملون في القطاع الخاص فقدوا وظائفهم بسبب الركود الاقتصادي والاحتجاجات ووباء كورونا. ويشمل هذا الرقم 130.000 وظيفة فقدت منذ بداية السنة الجارية 2020.
وتمثل الخسائر الإجمالية للوظائف حتى الآن ثلث مجمل وظائف القطاع الخاص التي كانت موجودة قبل عام 2019، إذ وصل العدد الإجمالي للعاطلين عن العمل إلى 550.000 أو 30 في المئة من مجمل القوى العاملة في القطاعين العام والخاص.
بدأت هشاشة القطاع الخاص تتجسد على نحو ملحوظ منذ مطلع عام 2019، عندما خفضت الشركات النفقات العامة وعدد الموظفين والرواتب. وبحلول 17 تشرين الأول 2019، كانت معظم الشركات قد استنفدت بالفعل مواردها، وفقد الكثير منها القدرة على مقاومة الأزمة، على عكس الوضع في حالات الطوارئ الأمنية أو الاقتصادية السابقة طوال السنوات الـ25 الاخيرة.
وقد أجرت مؤسسة InfoPro ثلاثة استطلاعات للرأي (تشرين الثاني 2019 وكانون الأول 2020 وحزيران 2020) عن تأثير الأزمة على الوظائف وأداء الأعمال. ونفّذ المسح الأخير خلال الأسبوع الثاني من حزيران الجاري على عيّنة من 500 شركة، ممثلة ومثقلة بحسب المنطقة والحجم والقطاع.
ولم تدخل في هذا الاستطلاع، أوضاع الشركات المتعثرة التي لم تصرف موظفيها بعد، لكنها تعجز عن دفع مستحقاتهم الشهرية، ما يجعل هؤلاء العاملين في بطالة مقنعة على رصيف انتظار قد يطول.