تُحذرنا السلطة من خطر أمني داهم قادم من الشمال فيُقتل الجيش اللبناني في البقاع! تراها تتشدق بمخططات “راجح” الفتنوية شمالاً وتجدها “صمّ بكمٌ” إزاء السلاح المتفلت الذي يسرح ويمرح بقاعاً، ليغتال الآمنين والعسكريين وآخرهم المعاون الشهيد علي العفي الذي سقط برصاص الغدر العشوائي أمس في دورس. أي سلطة هي تلك التي تستأسد على مواطنين ثائرين سلميين، وتهادن كالحمل الوديع سلاحاً غير شرعي يقطع الأعناق والأرزاق في البلد؟ الجواب بسيط، هي نفسها السلطة التي تقتل اللبنانيين يومياً ألف مرة جوعاً وعوزاً وذلاً على أبواب المصارف والصيارفة والسوبرماركات والمستشفيات، هي نفسها السلطة الفاشلة التي أوصلت اللبنانيين إلى الدرك الأسفل اقتصادياً ومالياً واجتماعياً وتطلب منهم بوقاحة أن يوجهوا لها “الشكر” على تأمين سلة غذائية تقيهم شرّ المجاعة، هي نفسها السلطة الفاسدة التي تتهرب من موجبات الإصلاح ووقف الهدر والمحاصصات في هيكلية الدولة وتغامر وتقامر بمصير البلد وأبنائه عبر استنزاف الفرص والوقت في لعبة “الكر والفر” مع صندوق النقد، حتى أخرجته عن طوره وصمته ليوجه بياناً أشبه بالتوبيخ للسلطات اللبنانية العاجزة عن “التوافق حول خطة الإنقاذ المالي الحكومية” محملاً إياها مسؤولية “زيادة كلفة الأزمة بتأجيل التعافي”. وهو ما رأت فيه مصادر نيابية لـ”نداء الوطن” تأكيداً صريحاً من الصندوق على أنّ “الهوة تكبر بينه وبين الوفد الرسمي المفاوض”، في وقت لا تزال كل محاولات أهل الحكم والحكومة للتذاكي على المجتمعين العربي والغربي تصطدم بجدار صلب من المطالبة بالإصلاح باعتباره مفتاح الربط والحل في الأزمة الوطنية، فتعود السلطة أينما ولّت وجهها لطلب المساعدة لتجده شرطاً ناجزاً يتقاطع عنده الشرق والغرب لتقديم يد العون إلى لبنان.
فبعبارة “طفح كيل الصندوق”، تلخص المصادر النيابية الوضع الراهن على صعيد مفاوضاته المتعثرة مع لبنان، وتشير إلى أنّ مسألة “الكابيتال كونترول” كانت فعلياً الشعرة التي قصمت ظهر هذه المفاوضات، موضحةً أنّ “صندوق النقد يركز على هذه المسألة بينما الانقسام الداخلي حيالها كبير جداً، فهناك في مجلس النواب من يريد لاقتراح القانون أن يبصر النور وهناك من يريد إطفاء وهجه”، وتضيف: “في الأساس يتوجب على الحكومة إرسال مشروعها لقانون الكابيتال كونترول من ضمن خطتها الكاملة، لا أن تتلطى خلف مجلس النواب كما هو حالها الآن معتمدةً على اقتراح قانون وقعه عدد من نواب “التيار الوطني الحر” وكتلة “التنمية والتحرير” بموجب اتفاق أعلن رئيس التيار جبران باسيل أنه عقده مع رئيس مجلس النواب نبيه بري بهذا الخصوص”، مؤكدةً أنه “وبخلاف ما أشاعه باسيل فإنّ بري غير متحمس لإقرار هذا الاقتراح ما لم يُقرن بضمان ودائع اللبنانيين، إذ وبينما قد تكون المصارف متحمسة لطرح الكابيتال كونترول باعتباره يحميها من دعاوى المودعين داخلياً وخارجياً، غير أنه من دون تأمين الودائع لن يمرّ اقرار هذا الاقتراح في لجنة الإدارة والعدل، سيما وأنّ هناك من النواب من هم رافضون كلياً لفكرة الكابيتال كونترول لكونه سيقفل الباب أمام المستثمرين والمغتربين ويقطع الطريق على أي تحويل للأموال من الخارج مستقبلاً”.
وكما صندوق النقد الدولي وكل مكونات الأسرة الدولية المنادية بضرورة تنفيذ الحكومة للإصلاحات المطلوبة منها، عاد موفد رئاسة الجمهورية اللواء عباس ابراهيم من الكويت ناقلاً أجواء تصب في الاتجاه الدولي نفسه إزاء المعضلة اللبنانية. وفي هذا الإطار، نقلت مصادر مطلعة على أجواء زيارة ابراهيم إلى العاصمة الكويتية لـ”نداء الوطن” أنّ المسؤولين الكويتيين وإن كانوا “شددوا على موقفهم المبدئي والأخوي الداعم لاستقرار لبنان والمؤكد على تعزيز مظلة الأمان العربية والدولية لدور الجيش اللبناني في تكريس هذا الاستقرار، لكنهم في الشق المتعلق بالأزمة الاقتصادية ركزوا على نقطتين أساسيتين، الأولى تتمحور حول وجوب الإسراع في إجراء إصلاحات جدية، والنقطة الثانية تشدد على أهمية اعتماد سياسة الحياد لحماية لبنان”.
وإذ جزمت بأنّ كل حديث عن وعود أو وديعة كويتية كما يصار إلى ضخه في بعض وسائل الإعلام اللبنانية “ليس له أي أساس من الصحة”، أردفت المصادر بالقول: “لا اللواء ابراهيم طلب وديعة مالية ولا الكويتيون هم في وارد تقديمها راهناً، وكل ما في الأمر أنّ المطالب التي نقلها الموفد الرئاسي اللبناني تم إيداعها في عهدة رئيس الحكومة الكويتية لرفعها إلى أمير البلاد ليتخذ القرار المناسب حيالها من دون أي وعود مسبقة”، وأوضحت أنّ “هذه المطالب تراوحت في أبرزها بين طرح إمكانية تقديم الدولة الكويتية تسهيلات نفطية وبحث مدى قابلية تزويد لبنان بالنفط من دون إدخال شركة دولية وسيطة بغية تخفيف الأعباء والتكاليف المالية عن الخزينة اللبنانية، وبين طلب تنفيذ مشاريع كويتية في لبنان يديرها الكويتيون أنفسهم بطريقة “BOT” مقابل ضمانات بالأصول اللبنانية”.
وإذ لفتت إلى أنّ “الأميركيين يتمسكون بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الذي يؤكد فيه أنّ “حزب الله” يمنع دوريات اليونيفيل من القيام بمهامها ميدانياً في عدد من المناطق الخاضعة لمنطوق القرار الدولي”، أشارت المصادر الديبلوماسية إلى أنّ “المعركة التي ستخوضها الولايات المتحدة على طاولة التمديد لليونيفيل ستشمل طلب تعديل مهامها ونشرها على الحدود الشرقية مع سوريا إلى جانب انتشارها عند الحدود الحنوبية لمنع تدفق السلاح إلى “حزب الله”، علماً أن رسائل أعدها أعضاء في الكونغرس تطالب إدارة ترامب بالتزام هذا المطلب”، لتخلص المصادر إلى الإشارة إلى أنه “وبينما سيكون من الصعوبة بمكان أن يستطيع لبنان الرسمي التجاوب مع هذا المطلب، ستبقى النقطة المحورية التي يبدو أنّ واشنطن لن تقبل بالتنازل عنها في هذه المعركة ترتكز على أن يصار إلى خفض عديد قوات اليونيفيل عما هو عليه اليوم، باعتبارها لا تحقق النتائج الأممية المتوخاة من مهامها”.