ممَّ أنتم مصنوعون؟ لستم من صنف البشر، أنتم أحقر وأخطر وباء يمكن أن تُبتلى به البشرية، أنتم “شرّ البلية والبريّة”… أبالسة على هيئة حكام، كل صفات القدح والذم لم تعد تسعف اللبنانيين في وصفكم. خليط من الفساد والإجرام والمكر والإهمال لم يكن ينقصه سوى فتيل “نيترات الأمونيوم” ليدوّي عصفاً مزلزلاً في بيروت. دخلتم نادي “الأنظمة الكيماوية” التي تفتك بشعوبها قتلاً وبطشاً وتدميراً، تلك الدماء التي سالت من عشرات الشهداء وآلاف الجرحى هي “برقبتكم”، بالأمس انفجر “مفاعل” إهمالكم فقلبتم العاصمة “عاليها واطيها” وردمتم أهلها تحت الأنقاض. ماذا يُنتظر منكم بعد؟ ليس ثمة ما يُرتجى من طبقة حاكمة تعتاش على الفساد والإفساد، حفنة من المجرمين المفسدين في الأرض، تستعبدكم السلطة فتستعبدون الناس، لن يهزكم عصف كيماوي ولا حتى نووي عن كراسيكم، لن تستقيلوا ولن تتنحوا ولن تهتزّ شعرة في رؤوسكم أمام هول ما صنعت أيدكم. لا لشيء سوى لأنكم لا تعرفون نخوةً ولا حياء ولا تملكون ذرة ضمير، بل لديكم من فائض القوة والوقاحة ما يخولكم قتل المواطنين والسير في جنازاتهم، ليتها كانت جنائزكم تلك التي ستسير في مواكب تشييع ضحايا انفجار “العنبر رقم 12″… ليتكم كنتم في “العنبر رقم 12”.
سيذكر التاريخ طويلاً “إنفجار بيروت” بوصفه أحد أكبر الإنفجارات الكيماوية في العالم. 2700 طن من مادة الأمونيوم انفجرت في المرفأ فخلّفت عصفاً يحاكي ترددات هزة أرضية بقوة 4.5 درجات على مقياس “ريختر”، وعلى الأثر ارتسمت علامات استفهام كثيرة وكبيرة حول طبيعة الإنفجار وأسبابه والهدف من وراء تخزين “الأمونيوم” والجهة التي وضعت اليد عليه بعد مصادرته، ولا تزال فرضيات عديدة تتصاعد من بين الدخان، لكن يبقى الأكيد الوحيد غير القابل للشك والتشكيك أنّ السلطة مسؤولة ومدانة بالجرم المشهود عن إهمال قاتل أدى إلى ما أدى إليه من دماء ودمار في بيروت وجعلها “مدينة منكوبة” بكل ما للنكبة من أبعاد اقتصادية ومالية وبنيوية وصحية وبيئية.
ففي خلاصة ما ثبت حتى ليل الأمس، هو أنّ أهل الحكم والحكومة كانوا على دراية تامة بوجود قنبلة كيماوية موقوتة في وسط العاصمة ولم يتحركوا ولم يحركوا ساكناً لتفكيكها. إذ تتقاطع المعلومات الرسمية وغير الرسمية عند التأكيد على أنّ شحنة “نيترات الأمونيوم” التي انفجرت كان قد تم نقلها من على متن باخرة كانت في طريقها إلى أفريقيا وجرى تخزينها في المرفأ، ومنذ 6 أشهر وضع على طاولة الرؤساء والوزراء وكل المسؤولين المعنيين تقرير رسمي يُحذر من خطورة الإبقاء على كمية كهذه من المواد الكيماوية شديدة الاشتعال مخزنة بطريقة لا تراعي معايير وشروط السلامة العامة، غير أنّ أحداً منهم لم يتحل بأدنى حسّ من المسؤولية الوطنية ليحول دون وقوع الكارثة… أما وقد وقعت الواقعة، فلا إعلان الحداد العام ولا حالة الطوارئ، ولا كل لجان التحقيق التي ستشكلها الحكومة لتحديد المسؤوليات سيشفي غليل اللبنانيين ويعيد عقارب الموت إلى الوراء، أنتم أهل السلطة من رأس الهرم إلى أسفله، مسؤولون مسؤولية كاملة عن انفجار بيروت، فتحلّوا بالجرأة والشرف ولو لمرة، لا تكابروا ولا تناوروا، لا تذرفوا دموع التماسيح على الضحايا ولا تبحثوا عن “كبش لمحرقتكم”، إرحموا شعباً عزيزاً ذلّ في عهدكم، إرحموا بلداً أضحى تحت سطوتكم منكوباً مدفوناً تحت الركام يلفظ أنفاسه الأخيرة.