راح حسّان وبقي “دياب” السلطة يسنّون أسنانهم لتناتش وليمة الحكومة المقبلة. عودٌ على بدء، العقلية التسلطية هي هي، ولن يغيّرها لا عصف كيماوي ولا ذرّي. تُركت بيروت لردمها وتُرك الناس على قارعة أنقاض بيوتهم، ليفتح أهل الحكم البازار الحكومي على وسعه وتبدأ المراهنات والمزايدات على الأسهم في بورصة تشكيل الحكومة… من سيترأسها؟ ما شكلها؟ ما لونها؟ سياسية؟ حيادية؟ من سيتمثل فيها؟ ما هي حصتنا؟ تكرار ممجوج للأسئلة الهدامة نفسها التي أوصلت اللبنانيين إلى الدرك الأسفل اقتصادياً ومالياً واجتماعياً ومعيشياً وصحياً وبيئياً وجعلتهم أسرى دولة فاشلة مفلسة تتوسل المعونات الغذائية والطبية والإغاثية لشعبها.
حتى الآن لا أحد يملك توجهاً واضحاً لما ستؤول إليه الأمور حكومياً، والكل أخذ منذ لحظة إقالة حسان دياب وضعية الاستعداد والتأهب في خندقه متحصناً بمحور من هنا وآخر من هناك، بانتظار جلاء غبار معركة إسقاط الحكومة واتضاح آفاق المسعى الفرنسي الآيل إلى إعادة تشكيل السلطة التنفيذية، وسط تشديد مصادر واسعة الاطلاع لـ”نداء الوطن” على أنّ جلّ ما يدور النقاش حوله، سواءً بشكل بينيّ داخل الفريق الواحد، أو متقاطع بين المقرّات السياسية والرئاسية، يتركز على نقطة محورية وحيدة: “أجندة الحكومة المقبلة وجدول أعمالها”.
وأوضحت المصادر أنّه “بغض النظر عن لعبة تسريب الأسماء وحرقها المعهودة إبان الشروع بتشكيل الحكومات، يبدو جميع الأطراف منكبين في كواليسهم اليوم على استشراف المهمة التي ستوكل إلى الحكومة الجديدة واستكشاف سقف الضمانات والتعهدات الدولية المتصلة برعايتها ومواكبتها ودعمها وما إذا كان تأليفها مقتصراً على تأمين خروج آمن للبنان من نفق أزمته الخانقة أم أنها ستكون مقرونة بسلة شروط سيادية وحيادية تؤسس لمرحلة جديدة تطيح بموازين القوى المفروضة على البلد”، مشيرةً في ضوء ذلك إلى أنّه “عند تبلور هوية الحكومة وأجندتها يسهل حينها الانتقال إلى البحث في رئاستها وفريق عملها”.
وإذ يجنح اعتقاد أغلبية أفرقاء الداخل على مقاربة المسعى الفرنسي، المدعوم أميركياً ودولياً، من زاوية كونه يرمي إلى الدفع باتجاه تشكيل حكومة لبنانية تتولى قيادة مرحلة انتقالية في البلد، وعلى رأس سلّم أولوياتها تنفيذ الإصلاحات الملحّة وتعبيد الطريق أمام التوصل إلى اتفاق على برنامج اقتصادي مالي إنقاذي مع صندوق النقد الدولي، فضلاً عن توليها إدارة عملية إعادة إعمار ما خلّفه انفجار الرابع من آب، لا تزال المعلومات المتواترة من الدوائر المقربة من الرئاسة الأولى تشي بأنّ رئيس الجمهورية ميشال عون لن يعبّد الطريق بسهولة أمام ولادة أي صيغة حكومية جديدة قبل التأكد من أنها لن تستهدف إقصاء رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل وتحجيم دوره، حسبما لمست مصادر نيابية من المؤشرات التي برزت خلال الساعات الأخيرة وأبرزها عودة عون إلى لعبة “التأليف قبل التكليف” ورهن دعوته للاستشارات النيابية الملزمة بما ستتوصل إليه مسبقاً “نتائج المشاورات الجانبية بين كل القوى”، وفق ما جاء في التسريبات التي عمّمها قصر بعبدا على الإعلاميين أمس، متوقعةً في هذا السياق أن تشكل حقيبة الطاقة “أم المعارك” في التشكيلة الحكومية المقبلة بالنسبة لباسيل الذي “سيبذل أقصى جهده ويسخّر كل صلاحيات الرئاسة الأولى في سبيل الحؤول دون تحرير هذه الحقيبة من سطوته”، سيما وأنّ المصادر عينها كشفت عن وجود “قرار دولي يقضي بضرورة انتزاع ملف الكهرباء من يد “التيار الوطني الحر” بغية ضمان إصلاح هذا القطاع”.
أما في مستجدات ملف التمديد لولاية “اليونيفل”، فعقد مجلس الأمن أمس جلسة مغلقة خصصها لمناقشة الملف والبحث في تطبيقات القرار 1701، ونقلت مصادر ديبلوماسية لـ”نداء الوطن” أنّ “الجانب الأميركي أصرّ خلال الجلسة على مطلبين، الأول يتمحور حول ضرورة تخفيض عديد “اليونيفل” في جنوب الليطاني، والثاني يشدد على وجوب خفض مدة ولايتها وتفويضها الزمني إلى 6 أشهر بدل 12 شهراً”، لافتةً في المقابل إلى أنّ معظم أعضاء مجلس الأمن كانوا يدفعون باتجاه إقرار التمديد لمهمة اليونيفل وفق الشروط المعتادة نفسها من دون أي تعديل في المهمة أو في العدد والمدة الزمنية، انطلاقاً من التأكيد على اعتبار وجود هذه القوات بمثابة عامل استقرار للبنان والمنطقة”.
وعليه، تؤكد المصادر الديبلوماسية أنّ “المعنيين في عواصم دول القرار سيكثّفون مفاوضاتهم ومباحثاتهم خلال الأيام المقبلة في محاولة للتوصل إلى توافق جامع حيال ملف التمديد لليونيفل قبل تاريخ الثامن والعشرين من آب الجاري موعد انعقاد مجلس الأمن للتصويت على الموضوع”، لافتةً الانتباه في الوقت نفسه إلى أنّ “هذا الملف لن يكون بعيداً عن جدول أعمال زيارة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هيل المرتقبة إلى بيروت غداً الخميس، إذ من المتوقع أن يثير مع المسؤولين اللبنانيين المآخذ الأميركية على مسألة تقويض “حزب الله” لمهمة اليونيفل وعدم إتاحة المجال أمامها لتنفيذ كامل مندرجات وتطبيقات قرار مجلس الأمن رقم 1701″، وختمت بالقول: “إذا نجح اللبنانيون في إقناع هيل بوجوب الإبقاء على شروط التمديد نفسها لولاية اليونيفل، عليهم في المقابل أن يمنحوا الأميركيين ضمانات متصلة بالسماح للقوات الأممية بتفتيش أماكن لم يكن متاحاً لها دخولها في السابق في جنوب الليطاني، وقد يصار إلى إدخال فقرة في مشروع القانون الدولي تؤكد بوضوح الالتزام بهذا الأمر دون أدنى التباس”.