وسط خشية جدية من ان تكون التعقيدات الداخلية التي بدأت تتراكم وتؤخر مسار التكليف فالتأليف وعودة الألاعيب السياسية التقليدية لتتحكم بمجمل الاستحقاق الحكومي وإطالة امد الفراغ بدأت بعد يومين من استقالة حكومة حسان دياب ترتسم لوحة متشائمة داخليا ولكن من شأنها ان تزيد الرهانات على التحرك الفرنسي خصوصا ثم الأميركي لبلورة الاتجاهات نحو فتح الطريق امام حكومة جديدة. ذلك انه فيما بدت قوى السلطة تتخبط بقوة غداة استقالة الحكومة وعدم توافق قواها على بوصلة موحدة ثابتة حتى الان ربما في انتظار الموقف الذي سيعلنه مساء غد الأمين العام ل”حزب الله ” السيد حسن نصرالله، وفيما لم تكن حال قوى المعارضة افضل ابدا اذ تظهرت من اول طريق الاستحقاق مواقف قواها المتناقضة بما يخدم قوى السلطة، وسط كل هذا الغبار الداخلي اتجهت الأنظار تكرارا الى المبادرة الفرنسية المستمرة بفصولها التي يتولاها مباشرة الرئيس ايمانويل ماكرون كرافعة أساسية محتملة لاخراج ازمة الاستحقاق من تعقيداتها التي ظهرت سريعا. والواقع ان الاستقالة السريعة لحكومة حسان دياب ابرزت في جانبها الخلفي ان معظم القوى السياسية موالية او معارضة لم تكن جاهزة اطلاقا لاستحقاق تغيير الحكومة بدليل ان معسكري التحالف الحاكم كما المعارضة بقواها الكبرى الأساسية بدت تتسابق الى التخبط والانكشاف الامر الذي سيشجع رئاسة الجمهورية على مزيد من توظيف التعقيدات للتباطؤ في اجراء الاستشارات النيابية الملزمة بحجج وذرائع سبق ان اعتمدها العهد وصار يكررها كعرف مع انه تثير إشكالية دستورية كبيرة لجهة التمادي في اجتهادات تخدم مصالحه السياسية. ولذلك تعاظم التعويل على التحرك الفرنسي خصوصا بعدما اتضح ان الرئيس ماكرون وضع لبنان في رأس أولوياته منذ قام بزيارته الخارقة لبيروت غداة الانفجار المزلزل في مرفأ بيروت واتخذ تحركه طابعا بالغ الجدية وربما تتجاوز دلالاته الواقع اللبناني الى الإقليمي فيما يبدو كأنه كاسحة الغام يسعى عبرها ماكرون الى إحلال مناخ خارجي – داخلي يتيح للبنان ان يبدأ بتلقي جرعات الاوكسيجين تدريجيا ومعالجة ازماته المصيرية. هذا البعد برز في الاتصال امس بين ماكرون والرئيس الإيراني حسن روحاني والذي كان لبنان الموضوع المركزي فيه. وكشف قصر الاليزيه ان ماكرون قال لروحاني ان على كل الأطراف المعنيين الكف عن التدخل الخارجي في لبنان ودعم تشكيل حكومة جديدة. كما ان اتصالا مماثلا جرى بين ماكرون والرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونقلت وسائل إعلام روسية عن بوتين تأكيده لماكرون ضرورة تسوية مشاكل لبنان دون تدخل خارجي. وأوضح الاليزيه ان ماكرون دعا بوتين الى المشاركة في ألية جمع تبرعات للبنان.
وفي المقابل تبين ان الرئيس الفرنسي يقيم جسر اتصالات مفتوحا مع القادة السياسيين في لبنان استكمالا للحوار الذي رعاه في قصر الصنوبر الأسبوع الماضي. وبعد اتصالات اجراها في الساعات الثماني والاربعين الأخيرة وشملت الرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كان اتصال امس بينه وبين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل.
وستتجه الأنظار اليوم وغدا الى اللقاءات التي سيجريها وكيل وزارة الخارجية الأميركي ديفيد هيل الذي يصل اليوم ويبدأ لقاءاته صباح الجمعة مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ثم رئيس مجلس النواب نبيه بري وبعدهما ستكون له لقاءات مع عدد من الزعماء السياسيين ابرزهم الرئيس سعد الحريري وجنبلاط وجعجع ورئيس حزب الكتائب سامي الجميل. ومع ان جانبا أساسيا في زيارة هيل يتصل بمسألة ترسيم الحدود اللبنانية البرية والبحرية مع إسرائيل فان استقالة الحكومة والشراكة الواضحة الفرنسية الأميركية التي برزت عقب انفجار بيروت رفعت التوقعات بدور أميركي بارز سيتضح من خلال محادثات هيل حول موقف ادارته من الاستحقاق الحكومي والشخصية التي ستتولى رئاسة الحكومة وما ينتظر منها خصوصا وسط مضي الولايات المتحدة بسياسة دعم اللبنانيين ولكن مع تصعيد العقوبات ضد “حزب الله”. ولذا ستكون نقطة الرصد الأساسية لموقف هيل غدا متعلقة بموقفه من مشاركة الحزب في الحكومة الجديدة كما من طبيعة الدعم الأميركي للحكومة الجديدة اذا رست تشكيلتها على اطار حكومة وحدة وطنية.
وأفادت السفارة الأميركية مساء امس ان هيل سيكرر التزام الحكومة الأميركية مساعدة اللبنانيين على التعافي من المأساة وإعادة بناء حياتهم. وأشارت الى انه في الاجتماعات مع القادة السياسيين والمجتمع المدني والشباب سيؤكد وكيل الوزارة هيل الحاجة الملحة لتبني الإصلاح الاقتصادي والمالي والقضاء على الفساد المستشري وتحقيق المساءلة والشفافية وإدخال سيطرة الدولة على نطاق واسع من خلال المؤسسات العاملة. وأضافت السفارة ان هيل سيؤكد استعداد اميركا لدعم أي حكومة تعكس إرادة الشعب وتلتزم التزاما حقيقيا اجندة الإصلاح هذا وتعمل وفقا لها.
المشهد من الداخل
وفي غضون ذلك بدا واضحا ان المشهد الداخلي لا يزال يتسم بارتباك سياسي واسع حيال الاتجاهات التي سيسلكها استحقاقا التكليف والتأليف. فعلى صعيد الاستشارات النيابية الملزمة لتكليف رئيس الحكومة الجديدة قالت مصادر بعبدا امس انها لن تجري قبل الأسبوع المقبل خصوصا ان نتيجة الاتصالات والمشاورات السياسية لم تتضح بعد وما زالت في بداياتها. وأشارت هذه المصادر الى ان الخيار الأكثر تداولا هو تشكيل حكومة وحدة وطنية الا ان طبيعة التمثيل فيها لم تحسم بعد. وقالت ان المشاورات السياسية ناشطة أكان في العلن ام في الكواليس من اجل التوافق على الحكومة ورئيسها. وأوضحت ان مهمة التي يقوم بها المدير العام للامن العام اللواء عباس ابرهيم تأتي في اطار المساعي والاتصالات الجارية مع القوى السياسية لتسهيل عملية التوافق المطلوب حول حكومة الوحدة الوطنية. وأشارت الى ان الكلام عن انجاز تشكيل الحكومة قبل عودة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى لبنان في مطلع أيلول يحتاج الى جهد استثنائي. وأضافت ان الزيارات والاتصالات الدولية تؤكد ان المظلة الدولية ما زالت قائمة فوق لبنان. ولفتت الى ان زيارة الموفد الأميركي ديفيد هيل لبيروت رغم انها كانت مقررة لبيروت قبل استقالة الحكومة فمن شانها المساهمة في المساعي الجارية لتسهيل الحل السياسي في لبنان. وثمة رهان على ان زيارة هيل قد تساعد في حسم الكثير من النقاط العالقة وأبرزها تأمين الغطاء الأميركي لمبادرة الرئيس الفرنسي وإعطاء الضؤ الأخضر بالسير في الحكومة الجديدة بتحديد طبيعة شخصياتها وكيفية تمثيل القوى الداعمة لها فضلا عن حسم الشخصية التي ستترأسها انطلاقا من ان الرئيس سعد الحريري هو المرشح الأول حتى هذه اللحظة. ومع ان الحريري يتجنب أي دخول في احتمالات ترؤسه للحكومة علما انه يشترط أساسا ان تكون حكومة مستقلة عن الأحزاب فان المعطيات تؤكد ان الثنائي الشيعي يفضّل حكومة برئاسة الحريري حتى بشخصيات مستقلة يسميها السياسيون كما ان بعبدا والتيار الوطني الحر بدأا يلمحان الى عدم وجود فيتو على الحريري.
جعجع والحكومة
غير ان واقع القوى المعارضة حيال الاستحقاق الحكومي بدا مشوبا بكثير من انعدام احتمالات التوافق وتوحيد الرؤية بل ان التناقضات والحساسيات بين قواها عادت لتقفز الى واجهة المشهد الداخلي بما يعقد الوضع اكثر. وقد برز امس في هذا السياق الموقف الذي اعلنه رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع والذي ترك انطباعات واضحة عن عدم قبوله بتسمية الرئيس سعد الحريري رئيسا للحكومة العتيدة. واعلن عقب ترؤسه اجتماع تكتل الجمهورية القوية انه يؤيد تشكيل حكومة حيادية ومستقلة وليس كحيادية واستقلالية الحكومة السابقة. وردا على سؤال عن امكان الذهاب نحو حكومة وحدة وطنية برئاسة الحريري قال جعجع “نحن مع حكومة جديدة كليا ولسنا مع طرح حكومة الوحدة الوطنية ونرفض هذا الطرح ونؤيد حكومة جديدة تماما لان هذا ما يقتضيه الوضع في الوقت الراهن “. وتلقى جعجع اتصالا مطولا امس من الرئيس ماكرون تناول حسب مصادر القوات عناوين المرحلة بعد استقالة الحكومة لافتة الى انه ليس صحيحا الكلام عن حكومة وحدة وطنية والرئيس ماكرون لم يطرحها في اللقاء الحواري الذي عقد في قصر الصنوبر بل انه يحكي عن حكومة حيادية.
وفي سياق متصل اعلن النائب نهاد المشنوق بدوره تأييد ترشيحه للسفير السابق نواف سلام لترؤس الحكومة الجديدة واتهم المشنوق إسرائيل بالوقوف وراء تفجير مرفأ بيروت.