خطف الاضواء امس إعلان الرئيس سعد الحريري عزوفه عن الترشّح لرئاسة الحكومة الجديدة، في الوقت الذي كان بعض الاوساط السياسية يتحدث عن احتمال دعوة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون الى استشارات التكليف قبل نهاية الاسبوع الجاري لتسمية رئيس الحكومة العتيدة، في خطوة تسبق زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الجديدة المقررة مطلع ايلول الجاري للمشاركة في الاحتفال بمئوية إعلان قيام «دولة لبنان الكبير» عام 1920 من القرن الماضي.
وفيما تنوّعت وتعددت التفسيرات لإبعاد خطوة الحريري وخلفياتها في الوقت الذي كان رئيس مجلس النواب نبيه بري يسعى في مختلف الاتجاهات لتأمين توافق على تكليف الحريري، علمت «الجمهورية» من مصادر ديبلوماسية انّ الحريري تبلّغ رسالة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينصحه فيها بالتريّث وعدم الترشّح لرئاسة الحكومة في ظل معطيات دولية – إقليمية غير مؤاتية. كذلك فهم الحريري من الاميركيين والسعوديين ان لا نية لديهم لدعمه في هذه المرحلة لكي لا يعطوا أوكسيجيناً للفريق الآخر، بحسب المصادر نفسها.
وعلمت «الجمهورية» انّ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون مصرّ على أنه قادر على عقد مؤتمر لدعم لبنان فور تشكيل حكومة جديدة تتمتع بالصدقية وتأييد الشعب اللبناني، ولديها ارادة حقيقية في إصلاح جذري.
وكشفت المصادر انّ ماكرون أكد حضوره الى لبنان في مئوية اعلان دولة لبنان الكبير، وانه لن يوقف مساعيه ومحاولاته لإيجاد مخارج لتأليف الحكومة حتى منتصف ايلول المقبل، بالتفاهم مع الاميركيين، الذين سيكونون متفرّغين بعد ذلك التاريخ للانتخابات الرئاسية الاميركية.
وعلمت «الجمهورية» انّ الرئيس الفرنسي لم يتخلّ عن عقد طاولة حوار في فرنسا للمساعدة في حلّ الأزمة السياسية اللبنانية وتطوير النظام.
ونقل عن وزير الخارجية الفرنسية جان ايف لودريان ليل امس قوله انّ الرئيس الفرنسي سيكرر، عندما يعود إلى لبنان قريباً، رسالته بضرورة التغيير. وقال: «انّ كارثة بيروت يجب ألّا تكون ذريعة لإخفاء حقيقة أنّ لبنان على شفير الانهيار».
وجاء كلام لودريان هذا بعد اقل من 24 ساعة على الإتصالات التي جرت بينه وبين نظيره الايراني محمود ظريف، وبحثا خلالها في جديد الاتفاق النووي والتطورات في لبنان.
وكشفت مصادر مطّلعة على الترتيبات الخاصة بزيارة ماكرون انّ المفرزة الفرنسية الأمنية والبروتوكولية السبّاقة ستصل الى بيروت اليوم للمشاركة في التحضيرات الجارية لهذه المناسبة.
الحريري
وقالت مصادر مطلعة على أجواء الاتصالات لـ«الجمهورية» انّ الحريري لم يقفل الباب امام التفاوض معه لعودته الى رئاسة الحكومة، ولم يقل لا أريد ترؤس الحكومة إنما قال: «أنا لست مرشّحاً»، ما يعني انّ احداً يمكن ان يرشّحه من دون ان يترشح شخصياً، وبهذا يكون قد أحاط نفسه بحماية سياسية يرى انه لا بد منها نتيجة ما تعرّض له خلال عملية التفاوض واصطدامه بمجموعة معطيات سلبية. فرئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل مستمر في رفض تسميته لأنه يعتبر انّ التجربة معه فاشلة ويشكّك بقدرته على القيام بالاصلاحات، ورئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع يعلم ان لا ضوء أخضر سعودياً لتسميته، ورئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط يعتبر انّ عودة الحريري ستُعيد تصويب السهام الى كل الطبقة الحاكمة، إضافة الى تراجع الحماسة الفرنسية التي اعتمد عليها الحريري في البداية لمصلحة التسويق الفرنسي مجدداً للمجتمع المدني.
وأشارت المصادر الى انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري عمل في مبادرته الاخيرة لتسمية الحريري على قاعدة عدم العودة الى الاختلال الكبير في التوازن الذي حصل في الفترة السابقة. وشدّد بري على إشراك الطائفة السنية من خلال الممثل الاقوى، وهو مقتنع بأنّ الحريري لديه القدرة على تحويل الاهتمام الدولي بلبنان الى مشروع إنقاذ مالي واقتصادي، خصوصاً انّ كل المساعدات التي تأتي لا احد يضعها في سياق الخطة الاصلاحية لإنقاذ الوضع، ويجب ان يكون هناك من يحوّل هذا الالتفاتة الى مشروع، ويكون لديه إمكانية التواصل مع الخارج لأنّ تجربة الرئيس حسان دياب كانت سيئة، فهو لم يتجه لا شرقاً ولا غرباً فيما الحريري قادر على القيام بهذه المهمة.
واكدت المصادر نفسها أنّ التفاوض لم ينته رغم بيان الحريري، وأنّ مهمة المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم مستمرة لتقريب وجهات النظر وتأمين المناخات المناسبة لدعوة رئيس الجمهورية الى الاستشارات، إمّا عبر إقناع عون وباسيل بالذهاب الى خيار الحريري، وإمّا عبر تسويق اسم يتم التوافق عليه ويسمّيه الحريري، وهذا الخيار لا يزال حتى الساعة هو المهمة الأصعب لأنّ الحريري يرفض تسمية أحد لترؤس الحكومة.
ورأت المصادر أنه لا يزال هناك وقت لاستمرار التفاوض حتى نهاية الاسبوع رغم انّ هامشه ضاق خلال الايام المقبلة، وذلك قبل ان يعلن قصر الاليزيه موقفه رسمياً من عودة ماكرون الى لبنان ومساعدته في مهمة الانقاذ او التراجع عنها.
المعارضة
لكن مصادر المعارضة قالت لـ«الجمهورية» انّ إعلان الحريري بـ«انه غير مرشح لرئاسة الحكومة الجديدة» أدى إلى خلط أوراق التأليف، وأعاد هذا المسار إلى المربّع الأوّل من زاويتين: زاوية التكليف المتعثِّر، وزاوية تكرار تجربة الحكومة المستقيلة بأن تكون مدعومة حصراً من فريق 8 آذار، لا سيما انّ حزبي «القوات اللبنانية» و«التقدمي الإشتراكي» كانا قد سبقا الحريري في رفض اي تعاون مع الفريق الحاكم».
وأضافت هذه المصادر «انّ خروج الحريري من مربّع التكليف «وضع العهد والفريق الداعم له في موقف صعب جداً، لأنّ أي حكومة سيؤلفها لن تحظى بثقة الخارج في ظل مقاطعة ثلاثي «المستقبل» و«القوات» و«الإشتراكي»، فيما كل الهدف من الحكومة الجديدة ان تنجح حيث فشلت الحكومة المستقيلة، أي بفك الحصار الخارجي عن لبنان. وبالتالي، لماذا الذهاب إلى تكليف فتأليف طالما انه محكوم على الحكومة العتيدة بالفشل سلفاً في ظل أزمة ثقة خارجية، وأزمة ثقة محلية ومقاطعة سياسية؟».
واشارت الى انّ الحريري تحدث صراحة في البيان الذي دعا فيه إلى سحب اسمه من التداول عن فرصة دولية للبنان كان يجب التقاطها، محمّلاً مسؤولية تبديدها على العهد من جهة، ورئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل من جهة أخرى بسبب «إنكار الواقع والتمسّك بمكاسب سلطوية وأحلام شخصية»، فيكون باسيل بذلك قد سَدّد من حيث يدري أو لا يدري ضربة موجعة للثنائي الشيعي الذي كان يعمل على عودة الحريري، باعتباره الوحيد القادر على كسر حاجز المقاطعة العربية والغربية مع لبنان».
ولكن بعد هذا التطور المستجد هل سيدعو رئيس الجمهورية إلى الاستشارات؟ وهل سيلغي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون زيارته إلى لبنان، أم انه سيحوّلها إلى مبادرة الفرصة الأخيرة على قاعدة أعذر من أنذر؟ وهل انّ عزوف الحريري عن التكليف يعني عزوفه أيضاً عن مفاوضات التكليف ودعم شخص معيّن والعمل على تسويقه، أم أنه رمى كرة النار في حضن الفريق الآخر بسبب رفضه التعاون من باب الضغط على باسيل لِيتّعِظ من سياساته وما آلت إليه الأمور؟ وما الخيارات المتبقية أمام العهد؟ وهل العهد أساساً في وضع يسمح له بالمكابرة ووضع الشروط؟
وقد يكون الخيار الأنسب بالنسبة إلى فريق السلطة ان يدفع باتجاه تفعيل حكومة تصريف الأعمال بانتظار ان تتبلور الصورة المحلية والخارجية، وقد يكون من حظ الرئيس حسن دياب ان يبقى متربّعاً في السرايا الحكومية إلى ما بعد الانتخابات الأميركية.
مهمة ابراهيم
وفي خطوة لافتة أعلن امس رسمياً عن لقاء جَمع الرئيس ميشال عون مع المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم، الذي عادة ما يزور قصر بعبدا دورياً وبنحو شبه يومين، ولم يكن هنا من حاجة الى الاعلان عن هذا اللقاء لو لم يكن يوحي بمهمة كلّف رئيس الجمهورية بها مدير الامن العام في شأن تأمين الاجواء التي تسمح بتحديد موعد الإستشارات النيابية الملزمة، علماً انّ اللقاء تناول ايضاً الأجواء الامنية وتلك المتصلة بالإجراءات الصحية والبيئية بسبب وباء كورونا عشيّة الاجتماع المقرر للمجلس الأعلى للدفاع قبل ظهر اليوم في قصر بعبدا.
وترجمة لِما انتهى اليه لقاء بعبدا، واصَل اللواء ابراهيم جولاته على القيادات السياسية والحزبية، فبعد زيارته بري أمس الأول، زار امس الحريري وعرض معه لما آلت اليه المفاوضات والطروحات الجارية لتسهيل الدعوة الى الاستشارات النيابية. ولكنّ الغريب انه بعد الزيارة بدقائق، عَمّم المكتب الاعلامي للحريري بيان عزوفه عن الترشّح لرئاسة الحكومة مُعللاً بسلسلة من الملاحظات التي دفعته الى هذا الموقف. الامر الذي أوحى انّ الحريري كان ينتظر ان يتبلّغ من رئيس الجمهورية موقفه النهائي من إمكان التعاون مستقبلاً في الشأن الحكومي.
لكنّ مصادر واسعة الاطلاع قالت لـ«الجمهورية» انّ الحريري لم يكن ينتظر زيارة ابراهيم لإعلان عزوفه، وانّ الربط بين الأمرين ليس دقيقاً لأنّ الحريري صارَح زوّاره منذ أمس الأول، ومنهم جنبلاط، بموقفه النهائي الذي اعلنه أمس.
الاستشارات
تزامناً، كشفت مصادر قريبة من بعبدا انّ تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة بات رهناً بحصيلة الإتصالات الجارية. فعون ليس على استعداد لتحديد موعدها من دون استكشاف الأجواء مسبقاً لئلّا يكون الترشيح الذي يمكن ان تنتهي اليه الاستشارات الى تسمية عدد من المرشحين، وهو امر ينعكس على عدم توفر تفويض واسع للرئيس المكلف فلا يتمتع بالتأييد المطلوب مسبقاً لتسهيل مهمة التأليف بعد التكليف.
ولفتت المصادر الى انّ عون يدرك انه لا يمكن ان يمرّر المرحلة من دون الدعوة الى الاستشارات من ضمن آلية دستورية لا نقاش فيها، وأنّ الحديث عن هذا الموضوع سياسي بامتياز، وهو كان مدار البحث في اللقاءات الاخيرة، والتي انتهت الى التأكيد انه ليس لدى رئيس الجمهورية اي مرشح لرئاسة الحكومة، وهو ينتظر الاستشارات التي يتريّث كُثر في تسمية من سيكلف بالتأليف.
مجلس الدفاع
من جهة اخرى دعا رئيس الجمهورية أمس المجلس الاعلى للدفاع الى اجتماع استثنائي العاشرة والنصف قبل ظهر اليوم للبحث في جدول اعمال من 4 عناوين اساسية، هي:
– مصير التعبئة العامة المعلنة نتيجة تداعيات انتشار «كورونا»، والتدابير الواجب اتخاذها للتشدّد بما يضمن توفير حماية اكبر وتداركاً لمخاطر توسّعها وانتشارها.
– ملف التمديد للقوات الدولية المعززة العاملة في الجنوب (اليونيفيل) للسنة المقبلة عشيّة البَت به في جلسة مجلس الأمن الدولي المقررة بعد غد الجمعة، وذلك بعد المشاورات التي أجراها وزير الخارجية شربل وهبة مع سفراء الدول الخمس الدائمة العضوية الدائمة في مجلس الامن.
– الوضع الامني في ضوء الاحداث المتنقلة التي شهدتها اكثر من منطقة من الجنوب الى الكورة.
– التحقيق الجاري في «انفجار المرفأ» في وجود مدعي عام التمييز غسان عويدات في الاجتماع، والذي يشرف على التحقيقات التي يجريها المحقق العدلي في القضية.
ومن خارج جدول الأعمال سيثير وزير الداخلية العميد محمد فهمي موضوع مرسوم الدعوة الى الإنتخابات النيابية الفرعية عقب استقالة 8 نواب من 5 دوائر انتخابية، وسيشرح الظروف الصعبة التي تواجهها الوزارة في حال تحديد موعد هذه الإنتخابات وما يجب تحييده من معوقات ناتجة من الوضع الأمني وتداعيات «جائحة كورونا» لإجرائها ما بين 27 ايلول و4 تشرين الاول المقبلين.
المرفأ
وعلى صعيد التحقيقات في انفجار المرفأ، علمت «الجمهورية» انّ هذه التحقيقات التي تولّاها في البداية فرع المعلومات بالتعاون مع الـ FBI توصّلت الى 3 خلاصات:
الاولى: لا اعتداء اسرائيليّاً لا بحراً ولا جواً.
ثانياً: لا شحنة سلاح لـ»حزب الله» في المرفأ.
ثالثاً: الانفجار هو نتيجة توليد حرارة عالية من شرارة تطايرت إثر عملية التلحيم، وأدّت الى الانفجار الذي تصاعد تدريجاً بسبب وجود مواد شديدة الاشتعال داخل العنبر من نيترات وتنر ومفرقعات.
واكدت مصادر مطلعة على الملف لـ«الجمهورية» انّ التحقيق العسكري في فرع المعلومات اتّبع منهجية معينة من استجوابات وكاميرات، وتم تحويلها الى النيابة العامة وبالتحديد الى القاضي غسان خوري، ومن بعدها تحوّل الملف الى المحقق العدلي فادي صوان الذي اتّبع 3 مسارات: المسار الاول، التحقيق مع الموقوفين الذين تم توقيفهم بأمر النيابة العامة التمييزية. والثاني، إدخال عناصر جديدة على التحقيق من قضاة وموظفين سابقين. والثالث، التحقيق مع وزراء الوصاية. وتوقعت المصادر الّا ينتهي الملف في أقل من سنة في المجلس العدلي لصدور القرار الظني وتسطير الاتهامات.
كذلك كشفت المصادر انّ التحقيق يركّز بنسبة كبيرة على دور الاجهزة التي تتولى الامن في المرفأ، وخصوصاً امن الدولة ومخابرات الجيش، من دون التقليل من اهمية مسؤولية الجمارك. كما كشفت أنّ التقرير النهائي للتحقيق حول شكل الانفجار يثبت أنّ قوة الانفجار كانت بعصف دائري، لكنّ نصفه اصطدمَ بالبحر والنصف الآخر اصطدمَ ربعه باليابسة، ما أدى الى الدمار الذي ظهر في منطقة الدائرة الاولى الاشرفية، المدوّر، مار مخايل والجميزة، والربع الثاني اصطدم بالاهراءات.
كذلك كشفت المصادر لـ»الجمهورية» أنّ أقل من 2000 طن من نيرات الامونيوم هو الذي انفجر، وانه بين 700 الى 1000 طن من هذه المواد التي كانت مخزّنة لم تنفجر، وقد توصّل التحقيق حول هذه النقطة بالذات الى احتمالين: الاول، انّ هناك من كان يسرق هذه المواد ويبيعها. والثاني، انّ هذه الكمية احترقت لكنها لم تنفجر نتيجة خلل في الصلاحية، خصوصاً انّ الاحتمال أكبر أن تكون الفجوة الموجودة في العنبر 12 مُستحدثة.
جنوباً
وفي الليل، توتر الوضع الأمني على الحدود الجنوبية، بعد اشتباه الجيش الإسرائيلي «بما أسماه عملية تسلّل عبر الحدود»، وأشارت «المعلومات الأولية الى عملية تسلل قرب منطقة المنارة مقابل ميس الجبل، وقد وجد جيش العدو الإسرائيلي فتحة في السياج في المحلة المذكورة».
وكان المتحدث بإسم الجيش الإسرائيلي افيخاي أدرعي قد أعلن عن «حادث أمني على الحدود مع لبنان»، مؤكداً أنه «تم إغلاق بعض الطرقات، والتفاصيل قيد الفحص».