بكثير من الحذر والاهتمام يواكب المراقبون تسلسل الأحداث الأخيرة على جبهة الجنوب. تحليلات كثيرة وتأويلات متنوعة وقراءات متعددة، لكنّ الكل يُجمع على نقطة مركزية واحدة مفادها أنّ ما يجري في الآونة الأخيرة عند المنطقة الحدودية الجنوبية يندرج ضمن إطار “الاستطلاع بالنار” بين إسرائيل وحزب الله تمهيداً لحربهما المقبلة… وبين فكّي الكماشة الحدودية، تبدو قوات “اليونيفل” عاجزة عن ضبط الوضع والإيقاع أمام أعين رعاتها الدوليين، لا سيما الولايات المتحدة التي تتهم هذه القوات بعدم الفعالية والتقاعس عن تنفيذ المهام الموكلة إليها بموجب القرار 1701، وقد أتت الاشتباكات الأخيرة عند الحدود لتؤثر سلباً على صورة “اليونيفل” بشكل زاد من منسوب التشكيك الأميركي بفاعليتها. ومن هذا المنطلق، كشفت مصادر ديبلوماسية في نيويورك لـ”نداء الوطن” أنّ الساعات الأخيرة سجلت كباشاً محتدماً على طاولة مناقشات مجلس الأمن بلغ مستوى تلويح واشنطن باستخدام “الفيتو” على مشروع قرار التمديد لولاية اليونيفل في حال عدم استجابة المشروع لمطالبها، غير أنّ باريس لعبت في المقابل “دوراً محورياً في تطويق مفاعيل الفيتو الأميركي، ونجحت “بشق الأنفس” في تعبيد الطريق أمام التمديد الآمن للقوات الدولية على أساس مشروع التعديلات الفرنسية للقرار.
وإذ يلحظ المشروع الفرنسي خفض عديد اليونيفل بواقع ألفي جندي بالتوازي مع التشديد على وجوب تسهيل عمل القوات الدولية وتأمين وصول دورياتها إلى مختلف الأماكن التي يشتبه بوجود أسلحة محظورة فيها، أو تلك التي شهدت حفر خنادق وأنفاق عابرة للخط الأزرق، توضح المصادر الديبلوماسية أنّ الجانب الأميركي أبدى خلال المفاوضات “تشدداً كبيراً إزاء ضرورة إتاحة حرية التحرك بشكل كامل لليونيفل في جنوب الليطاني لضبط مخازن الأسلحة الخاصة بـ”حزب الله”، مطالباً بتحديد مهل زمنية للمباشرة بعمليات الدهم والاستطلاع الميدانية دون قيود أو ضوابط”، لافتةً إلى أنّ “الفرنسيين سارعوا إلى احتواء التشدد الأميركي واستمهلوا لساعات إضافية أمس بغية التوصل إلى أرضية توافقية مشتركة حيال مشروع قرار التمديد عشية تبنيه اليوم من قبل أعضاء مجلس الأمن”. وبحسب المعطيات الأخيرة، تفيد المصادر بأنّ “الأمور تبدو متجهة إلى خواتيم إيجابية” على أن تنعقد الجلسة بحلول الساعة العاشرة صباحاً بتوقيت نيويورك، بينما سيصار إلى التصويت الكترونياً على القرار ربطاً بإجراءات التباعد التي يفرضها وباء كورونا.
وفي الداخل، تتجدد مظاهر ومآثر السلاح المتفلت فصولاً على الساحة الوطنية، وبالأمس “لعلع” بقاعاً وساحلاً ليحصد مزيداً من الخسائر البشرية والمادية، بينما الدولة لا ينطبق عليها سوى القول المأثور: “يا غافل إلك ألله”. فمن حي الشروانة في بعلبك حيث اندلعت اشتباكات عنيفة بالأسلحة النارية والقذائف الصاروخية، إلى خلدة حيث كان المشهد دموياً على وقع معركة حقيقية بين مسلحي “حزب الله” وعشائر العرب أسفرت عن سقوط قتلى وجرحى وحرق ودمار، تبدو السلطة بأجهزتها الرسمية ملتزمة دور “شيخ الصلح” بين المتقاتلين ليقتصر حضورها على استحضار تعزيزات أمنية وعسكرية إلى مكان الاشتباك بعد أن يكون المسلحون قتلوا من قتلوا وحرقوا ما حرقوا وروّعوا الآمنين في منازلهم.
لكن أمام حدة الاقتتال المسلح في منطقة خلدة، بات اللبنانيون ليلتهم أمس على “كف عفريت” فتنوي، لا سيما وأنّ التوتر السني – الشيعي في المنطقة تمدد بتداعياته وهواجسه إلى أكثر من منطقة في بيروت وعكار وصولاً إلى المناطق الساحلية في السعديات والناعمة والدامور، ما اضطر المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم إلى تفعيل قنوات التواصل غير المباشر بين “حزب الله” و”تيار المستقبل” لتطويق الوضع، بالتوازي مع فرض طوق أمني وعسكري ميداني عند محاور القتال.
وعلى الأثر، تسارعت الاتصالات السياسية والأمنية في أكثر من اتجاه لتبريد الأجواء، غير أنّ مصادر مواكبة عن كثب لإشكال خلدة أكدت لـ”نداء الوطن” أنّ الإشكال الذي اندلع “على خلفية استفزازات ولافتات عاشورائية في المنطقة، بلغ مستويات بالغة الحساسية والخطورة بين عشائر العرب و”حزب الله” ولا بد بالتالي من بذل جهود جبارة لاحتواء التوتر السائد بينهما”، محذرةً من أنّ “الجمر أصبح فوق الرماد، وفي حال عدم مسارعة المعنيين إلى تطويق ذيول ما حصل (ليل الأمس) فإنّ هناك خوفاً حقيقياً من تجدد الاقتتال في أي لحظة وتمدد نيرانه على أكثر من محور”.