يوم الاستشارات النيابية الملزمة حسم نتيجته مسبقاً إعلان رؤساء الحكومات السابقين وقد أيّدتهم غالبية الكتل النيابية في ترشيح السفير مصطفى أديب لتكليفه تشكيل الحكومة، وذلك قبيل ساعات من وصول الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى بيروت القادم لإحياء ذكرى ولادة لبنان الكبير على يد بلاده منذ مئة عام. وإذا كانت فرنسا لعبت عام 1920 دور القابلة القانونية التي استولدت كيان لبنان، فإنها اليوم في 2020 تعيد لعب دورٍ مشابه علّ الاستيلاد الجديد ينتج أفضل. أما الثابت أن التكليف لن يكون كافياً إذا لم يتبعه تأليف حكومة فاعلة منتجة تقود الإصلاح، وتتصدى للأزمات المتراكمة، وتخرج من جلابياب المصالح السياسية والمحاصصات، وتقدم برنامج عمل مقنع. وإلا عبثاً كل ما يجري.
اللافت أنه وقبل ليلة من مئوية لبنان، توالت الدعوات إلى عقد سياسي جديد، حيث دعا رئيس الجمهورية ميشال عون الى “إعلان لبنان دولة مدنية”، متعهدا “الدعوة الى حوار يضم السلطات الروحية والقيادات السياسية توصلا الى صيغة مقبولة من الجميع تترجم بالتعديلات الدستورية المناسبة”، وسبقه إعلان الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله تأييد دعوة ماكرون الى عقد سياسي جديد، لكنه اشترط ان يكون برضى “كل أطراف الشعب”.
وقبل الرجلين كان البطريرك الماروني بشارة الراعي يؤكد أن “البطريركية المارونية ناضلت وبلغت إلى ولادة دولة لبنان الكبير في أول أيلول 1920، وناضلت حتى تحقيق استقلاله الناجز العام 1943، مع ميثاقه الوطني المتجدد في اتفاق الطائف، واليوم تسعى جاهدة إلى تأمين استقراره بإقرار نظام الحياد الناشط”.
وهذه التصريحات انما تؤشّر الى حراك موجود وجدّي، محلي وخارجي، يبحث عن فتح نقاش في صياغة دستورية جديدة، وهو الامر الذي يبعث على الحذر من أن يؤدي ذلك الى اطلاق شهية بعض الجهات الى تكريس وقائع وتحقيق مكتسبات بفعل التوازنات المختلة التي كانت قائمة. وعليه فإن الحل الأمثل يبقى في التفكير بكيفية اجراء تغيير مؤسساتي سيكون مفتاحه الأول والأخير قانون إنتخاب عصري يعتمد التمثيل الوطني.
حكومياً، قالت مصادر مواكبة للإتصالات التي حفل بها يوم أمس لـ “الأنباء” إن المعيار سيكون في تسهيل مهمة الرئيس المكلف “كحرية إختيار الوزراء دون تدخلات لا من هذا الفريق ولا من ذاك”، وشددت على أن “هذا الأمر سيكون بمثابة إختبار نوايا، فإذا تمكن أديب من تشكيل الحكومة بالإعتماد على وزراء محايدين وأكفاء ومشهود لهم بالاستقامة ونظافة الكف واستنباط الحلول للأزمات نكون قد خطونا باتجاه الإصلاح المنشود. أما إذا تعثر التأليف ودخل الرئيس المكلف في الزواريب السياسية، فمعنى ذلك ان لا شيء سيتغير ولا قيمة لكل المواقف التي أطلقت أمس”.
القيادي في “تيار المستقبل” النائب السابق مصطفى علوش وصف السفير أديب “بالكفوء الذي يحظى باحترام كل عارفيه”، مشيرا لـ “الأنباء” الى انه “مقرّب من الرئيسين الحريري وميقاتي لكنه غير طامح ليكون زعيما”. ورأى علوش أن “قدرة أديب على معالجة كل الأزمات والملفات تتوقف على الحكومة التي ستتشكل ونوعية الوزراء الذين سيتم اختيارهم، لكن من المؤكد أن اديب لن يكون مطية عند جبران باسيل كما كان حسان دياب”، على حد قول علوش الذي شدد على “أهمية إعطاء اديب فرصة لأن البلد في حال هريان كامل”، وتوقع ان “يكون للحراك المدني حصة وازنة في هذه الحكومة”.
وفي غضون ذلك عادت الى الواجهة مسألة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وذلك بالتوازي مع تحذير مصرف لبنان من نفاد قدرته على دعم المواد الأساسية. وفي هذا السياق رأى الخبير المالي أنطوان فرح أن هذا الموضوع ”متعلق بطبيعة الخطة الانقاذية، ففي الفترة الأخيرة كان ثمة انطباع لدى مفاوضي الصندوق ان الخطة الانقاذية تحتاج الى تغيير، واعتبروا ان هكذا خطة غير موّحدة الأرقام لن تمر”، لافتا الى انه “بعد الاستقالات التي حصلت من الوفد اللبناني سيتم تغيير كل الأعضاء، كما يمكن ان يحصل تغييرا في وفد الصندوق”، لافتا الى ان تغيير الموقف يحتاج الى تغيير في الأشخاص.
وشدد فرح على “وجوب التفاوض برأي واحد وليس بمجموعة، ويجب ان يكون لدينا خطة نتفق عليها ونسمع صندوق النقد بلغة واحدة وواضحة”. وعن التوقعات حول سعر صرف الدولار بعد التكليف والتأليف، رأى الخبير فرح انه “متوقف على حجم الكتلة النقدية بالليرة اللبنانية، فإذا حصلنا على الدعم الخارجي من الآن حتى شهرين سنرى كيف سيكون حجم الكتلة النقدية التي ستستخدم، وفي مطلق الأحوال الأمور مرتبطة بالعامل النفسي، فإذا شعر المواطن ان هناك حكومة جديدة وأن البلد مقبل على انفراجات واسعة في مجالات متعددة سيكون لهذا الامر مردود إيجابي قد يساعد على عدم ارتفاع الدولار”.
وأضاف فرح: “علينا ان لا ننسى ان هناك ودائع تفوق 160 مليار دولار، فهل ستبقى مجمدة أم لا؟ وهل ستخضع لـ ”هيركات” جديدة أو “كابيتال كونترول” ؟ فسعر الدولار مرتبط بهذا العامل”.
وعن رفع الدعم، رأى فرح انه “يشكل خطوة كبيرة جدا حتى ولو كان هناك قرار من مصرف لبنان بأنه لا يستطيع ان يتجاوز مبلغ 17 مليار”، مبديا اعتقاده انه “سيكون ثمة ضغط سياسي على المركزي ليستمر بالدعم”.