مرّ شهر على الانفجار الكارثي في مرفأ بيروت، وصورة ما خلّفه من شهداء وجرحى ومفقودين ودمار، في اكثر من ربع العاصمة، هي الواضحة فقط، فيما الغموض ما زال يكتنف الانفجار وأسبابه الحقيقية، التي كان يُفترض ان يكشف عنها التحقيق الجاري، ويصارح الناس بها، لكنه لم يفعل بعد. وهذا ما يرسم اكثر من علامة استفهام حول سرّ هذا الغموض المريب، وما اذا كان خلف الأكمة ما خلفها، او انّه لم يتوصل الى شيء حتى الآن، وهنا تكمن الفاجعة الافظع من الانفجار نفسه.
اذا كان التحقيق العدلي منصّباً على بعض الجوانب الادارية وتوقيفات لبعض الموظفين الحاليين والسابقين، والمرشح لأن يستمر لفترة زمنية طويلة، فإنّ السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا لا يوضع المواطنون في حقيقة التحقيقات الجارية وما بلغه هذا التحقيق؟ في موازاة سؤال آخر يتمحور حول المنكوبين من الانفجار، وكيفية التعويض على المتضررين، وخصوصاً انّ آلافاً من الوحدات السكنية اما مهدّمة بالكامل، واما لم تعد صالحة للسكن واصبحت آيلة للسقوط، واما متضرّرة بشكل هائل، فضلاً عن كيفية ايواء من اصبحوا بلا بيوت؟ وهذا بالتأكيد واجب السلطة، التي ثبت انّها الغائب الأكبر عن هذه الكارثة وما اصاب الناس، ما خلا اجتماعات من باب رفع العتب لمتابعة الاغاثة والمساعدات في المنطقة المنكوبة من بيروت.
الى ذلك، وفيما استمر الفريق التشيلي في عملياته في المبنى المهدّم في مار مخايل، بحثاً عن ناجين تحت انقاضه، بناء على النبض الذي تمّ استشعاره في الساعات الاخيرة، مضى امين سر دولة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين في جولاته على المتضررين من الانفجار، وكان له لقاء مع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، اكّد خلاله «أنّ الكرسي الرسولي يعطي اهمية كبيرة للبنان، مشدّداً على أنّ لبنان ليس وحيداً وهناك دعم دولي لاعادة اعمار بيروت بعد الانفجار». وقال: «كما قال البابا يوحنا بولس الثاني «لبنان رسالة» ولبنان يجب أن يحافظ على مكوناته».
من جهته، قال عون للكاردينال بارولين: «بعد مرور شهر على كارثة المرفأ نذكر الشهداء الذين سقطوا والجرحى الذين أصيبوا والناس الذين خسروا أرزاقهم. ونؤكّد انّ العدالة ستُطبّق على كل متسبب او مهمل، وهذا من حق اللبنانيين الذين وحّدتهم الكارثة وجمعهم الألم».
وحمّل الرئيس عون بارولين امتنانه للبابا فرنسيس على مبادرته بالدعوة الى اعتبار اليوم ( امس الجمعة) يوم صلاة وصوم عالمي من أجل لبنان.
يُشار هنا الى انّ الصلوات والقداديس رُفعت امس وقُرعت اجراس الكنائس، وكذلك رُفعت الصلوات والآذان في العديد من المساجد، استجابة لدعوة البابا فرنسيس، كذلك أُطلقت صفارات سيارات الاسعاف والاطفاء والدفاع المدني، وتمّ الوقوف دقيقة صمت على ارواح الشهداء، وادّى الجيش اللبناني التحية لارواحهم. كذلك سُجّلت وقفات شعبية تضامنية في ذكرى مرور شهر على الانفجار.
التأليف والتزام الأطراف
سياسياً، انقضى يوم جديد من مهلة الاسبوعين التي التزم بها الاطراف السياسيون بتشكيل الحكومة خلالها، مع وعد قطعوه للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بتسهيل تأليفها، وعدم وضع أي شروط تعطيلية مسبقة، او اي عراقيل من اي نوع تؤخّر هذا التأليف.
الحضور الفرنسي في لبنان لم ينتهِ مع مغادرة الرئيس ماكرون بيروت، بل انّ باريس، وربطاً بهذا الالتزام، يبدو انّها تلحق بالسياسيين الى باب الدار. فلقد غادر ماكرون بيروت بعد يومه اللبناني الطويل، بما فيه من جهود ومحاولات لإلباس اللبنانيين ثوب المسؤولية والانتماء الى بلدهم للشراكة في انقاذه، الّا انّ الهاتف الفرنسي بقي شغّالاً مع بعض المقرات الرسمية. وفيه تأكيد فرنسي متكرّر على الوفاء بما ألزمت به الاطراف نفسها في التعجيل في ولادة الحكومة.
وفي الكلام الفرنسي المتكرّر، وكما تؤكّد مصادر موثوقة لـ«الجمهورية»، «حذر واضح من المماطلة، ومن ان يخنث السياسيون في ما وعدوا الالتزام به، وحثّ على التعجيل، ذلك انّ فترة الاسبوعين التي حُدّدت كسقف زمني لولادة الحكومة، وإن كانت فترة معقولة، الّا انّها تبدو طويلة، طالما انّ كل الاطراف عبّرت عن استعدادها لتقديم اقصى الايجابيات والتسهيلات. وفحوى الكلام الفرنسي المتجدّد، أن ليس هناك ما يدعو الى اي تأخير، او الى اي تباطؤ، وباريس تأمل أن تبصر حكومة مصطفى اديب النور خلال ايام قليلة جدا».
ايام حاسمة
وربطاً بالاستعجال الفرنسي لتأليف الحكومة، اكّدت مصادر مسؤولة من قلب «الحاضنة السياسية الجديدة» التي كلفت الدكتور مصطفى اديب تشكيل الحكومة، «اننا امام ايام حاسمة، وانّ المشاورات انطلقت على مختلف الخطوط السياسية، لإنضاج تأليف الحكومة، ضمن سقف زمني يفترض الّا يتجاوز نهاية الاسبوع المقبل».
وقالت المصادر لـ«الجمهورية»: «ان النتائج الاولية لهذه المشاورات يمكن اعتبارها ايجابية، الّا انّها ليست نهائية حتى الآن، فما زلنا في بداية الطريق الذي يدرك الجميع انّه طريق قصير جداً، ومحكومون بالوصول خلاله الى حكومة في غضون ايام».
وكشفت المصادر، انّ خريطة المشاورات متوزعة على خطوط عدة:
الخط الأول، بين ثنائي حركة «امل» و«حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، حيث تجري هذه المشاورات بوتيرة عالية وبلقاءات متتالية بين المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل، والمعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين خليل ورئيس التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل. والمطلعون على اجواء هذه المشاورات يقاربونها بإيجابية ملحوظة، مع تأكيد الالتزام بتقديم كل التسهيلات والإسهام الفاعل في ولادة ميسّرة للحكومة.
الخط الثاني، بين عين التينة وبيت الوسط. وبحسب مصادر واسعة الاطلاع، فإنّ رئيس المجلس النيابي نبيه بري، اكثر من متحمّس لمشاركة تيار المستقبل تحديداً في حكومة مصطفى اديب، لا أن يكون شريكاً فقط في تسميته في استشارات التكليف، بل شريك بفاعلية في التأليف وفي الحكومة، وبالتالي التشارك مع سائر الاطراف في تنفيذ برنامج الاصلاحات الانقاذية للبنان.
وتشير المصادر، الى انّه على الرغم من اعلان الرئيس سعد الحريري بأنّه لن يشارك في الحكومة لا عبر تيار «المستقبل» ولا عبر شخصيات يسمّيها، فإنّ رئيس المجلس يرى انّ المرحلة تتطلب تعاون الجميع من دون استثناء، وبالتالي هو لا يعتبر انّ باب مشاركة الحريري مقفل، وهذا ما يفترض ان تحسمه المشاورات بينه شخصياً وبين الحريري، او عبر معاونه السياسي النائب علي حسن خليل.
الخط الثالث، مع المرجعيات السنّية السياسية والدينية، ومن بينها رؤساء الحكومات السابقون، وذلك سعياً لترجمة غطائها للرئيس المكلّف وحكومته التي يسعى الى تشكيلها، وثمة توجّه بشكل خاص نحو الرئيس نجيب ميقاتي بالنظر الى «علاقة القربى السياسية وغير السياسية» التي تجمعه بالرئيس المكلّف، سعياً لمشاركته في الحكومة، سواء عبر كتلته النيابية مباشرة، او عبر اسماء يسمّيهم من خارجها.
الخط الرابع، مع رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، حيث تؤكّد مصادر على صلة بخريطة المشاورات، انّ للرئيس نبيه بري دوراً قد يلعبه مع جنبلاط، في محاولة لإقناعه بالمشاركة في الحكومة، برغم ما سبق واعلنه «اللقاء الديموقراطي» خلال استشارات التكليف لجهة عدم المشاركة في حكومة اديب.
شكل الحكومة
بحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ المشاورات تنصّب حالياً على حسم شكل الحكومة، بين ان تكون حكومة تكنوسياسية من غالبية وزراء اختصاصيين، مع عدد محدود وغير مستفز من السياسيّين، يشكّلون الدعامة السياسية للحكومة، وحصانتها ومنصّة الدفاع عنها وحمايتها في المحطات الصعبة. وبين ان تكون حكومة اختصاصيين تسمّي وزراءها الاطراف السياسية، على ان تشكّل الحاضنة السياسية التي سمّت الدكتور مصطفى اديب لرئاسة الحكومة، الحاضنة السياسية الواسعة لها وحصانتها من خارجها.
وتشير المعلومات، الى انّ كلا الخيارين غير مستبعدين حتى الآن. ويقول مرجع سياسي معني بحركة المشاورات لـ»الجمهورية»، انّ كلا الخيارين يحققان الهدف، ولن يكون هذا الامر محل خلاف.
ورداً على سؤال عمّا اذا كان اعتماد صيغة حكومة اختصاصيين يشكّل استنساخاً لحكومة حسان دياب، قال المرجع: «مع كل الاحترام للحكومة السابقة ووزرائها، فقد كانت تجربة جعلتنا نستفيد منها الى اقصى الحدود، وخصوصاً لناحية اختيار الوزراء واختصاصاتهم وكفاءاتهم».
اضاف: «ثم انّ الحكومة الجاري العمل على تأليفها، فحتى لو شُكّلت من اختصاصيين وبلا سياسيين، لن تكون مستنسخة عن حكومة حسان دياب، ذلك انّ حكومة دياب احدى نقاط ضعفها الاساسية، انّها كانت حكومة لون واحد، وكانت مؤيّدة من حاضنة سياسية ثلاثية؛ التيار الوطني الحر، وحركة امل، و«حزب الله» مع بعض الحلفاء، فيما السنّة بمستوياتهم السياسية والدينية بشكل عام كانوا ضدّها، وكذلك قوى سياسية في لبنان كانوا ضدّها، فضلاً عن انّها كانت شبه معزولة دولياً. اما مع الحكومة الجاري تشكيلها، فإنّ الوضع مختلف جذرياً، ذلك انّ الحاضنة السياسية لهذه الحكومة واسعة، يُضاف الى ذلك تمتعها بالغطاء السنّي الكامل، السياسي والديني، وهنا تكمن اهم اسباب قوّتها، اضافة الى الحاضنة الدولية لها، التي تشكّل فرنسا بالتفاهم مع الولايات المتحدة الاميركية، نقطة الارتكاز فيها».
حجم الحكومة
وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ المشاورات تتمحور حول هدف اساس، هو تقديم صيغة حكومية تحظى بالمقبولية الداخلية، وتنسجم بشكل كلي مع متطلبات المبادرة الفرنسية. ومن هنا، فإنّ ثلاث صيغ حكومية طُرحت على بساط البحث: حكومة واسعة ثلاثينية، حكومة متوسطة 20 وزيراً، وحكومة مصغّرة من 18 وزيراً. الّا انّ التوجّه الغالب كما توحي اجواء المشاورات، هو نحو حكومة متوسطة على شاكلة الحكومة السابقة، مع إصرار على اشراك سياسيين فيها. الّا انّ هذا الأمر لم يُحسم نهائياً بعد، في انتظار مشاورات مباشرة بين اطراف الحاضنة الجديدة والرئيس المكلّف، الذي يُتوقع ان يكون له لقاء قريب مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري. علماً انّ خط التواصل مفتوح بينه وبين النائب علي حسن خليل.
تركيبة الحكومة
اما في ما خصّ تركيبة الحكومة، فبحسب مصادر المعلومات، فإنّ الاولوية هي لحكومة بوجوه جديدة، بحيث لا تضمّ في صفوفها اياً من الوجوه الوزارية السابقة. كما انّ المشاركة في هذه الحكومة مفتوحة بالدرجة الاولى على مختلف القوى الحاضنة للتكليف.
وتؤكّد المصادر، أنّ «حزب الله» ليس مستثنى من هذه المشاركة، على الرغم من كل الدعوات التي تدعو الى استبعاده، وآخرها من الاميركيين الذين عبّروا بشكل واضح، وفق ما نقلت «العربية» عن المتحدثة بإسم الخارجية الاميركية، عن انّ واشنطن لا تريد ان يكون «حزب الله» ضمن الحكومة الجديدة.
وقالت مصادر سياسية معنية بحركة المشاورات، انّه بمعزل عن الكلام المنسوب الى المتحدثة بإسم وزارة الخارجية الاميركية، فإننا لم نتبلغ من الاميركيين لا مباشرة او مواربة، اي كلام من هذا النوع، بل على العكس، فإنّ الاميركيين يدعون الى الاسراع في تشكيل حكومة تنفّذ اصلاحات وتحقق متطلبات الشعب اللبناني. وهذا ما سمعناه مباشرة من وكيل وزارة الخارجية الاميركية دايفيد هيل، الذي قال صراحة، انّ بلاده تعايشت في السابق مع حكومات كان «حزب الله» شريكاً فيها بوجوه حزبية، وكذلك لمسناه من الموقف الاخير لوزير الخارجية الاميركية مايك بومبيو، حينما قال انّ الوضع في لبنان غير مقبول، وينبغي ان تكون هناك حكومة تقوم بالاصلاحات الحقيقية لإحداث التغيير، من دون ان يشير الى اي شرط – كإبعاد الحزب عن الحكومة – من شأنه ان يتعارض مع المبادرة الفرنسية، والتي قال بومبيو، انّ بلاده على تواصل دائم مع الفرنسيّين حيال لبنان.
وبحسب المصادر، انّ الفرنسيين اكّدوا انّ مبادرتهم تجاه لبنان منسقة مع الاميركيين، وبالتالي اي اشتراطات من اي نوع، مثل محاولة ابعاد اي طرف عن الحكومة سواء «حزب الله»، هي اشتراطات في وجه المبادرة الفرنسية التي تدعو، من موقع التفهّم الكامل للتركيبة اللبنانية وتوازناتها، الى شراكة كل القوى اللبنانية بما فيها «حزب الله» في عملية الانقاذ.
وتلفت المصادر، الى انّ اي اشتراطات من هذا النوع، ولاسيما لجهة وضع «فيتو» على مشاركة الحزب في الحكومة، لا تساهم في التعجيل بتشكيل الحكومة، بل تعقّد الامور. إذ كلما جرت الاشارة لمثل هذه الشروط بصورة صريحة او مواربة من قِبل الاميركيين المعروف موقفهم من الحزب، او من قِبل غيرهم، تجعل «حزب الله» متصلباً اكثر ومصرًّا على شراكته في الحكومة اكثر فأكثر. وهذا ما تؤكّد عليه اجواء «حزب الله». ولا ينفصل موقف الحزب هنا عن موقف حلفائه في حركة امل والتيار الوطني الحر.
الأحجام والحقائب
وفيما تؤكّد اجواء المشاورات على انّ الهدف هو تأمين فريق عمل حكومي متجانس، وهو ما يؤكّد عليه الجميع، وفي مقدّمهم الرئيس المكلّف مصطفى اديب، الّا أنّ مسألتين اساسيتين تواجهان عملية تأليف الحكومة:
الاولى تتعلق بأحجام القوى التي ستتمثل في الحكومة، وخصوصاً انّ التيار الوطني الحر تحديداً، يؤكّد على شراكة توازي حجمه النيابي والتمثيلي، الى جانب حصّة رئيس الجمهورية.
الثانية، تتعلق بتوزيع الحقائب الوزارية، وهنا يبرز رفض التيار الوطني الحر ان يُحاط وحده بشروط، كمثل استبعاده عن حقائب وزارية معينة وتحديداً وزارة الطاقة، او بشروط القصد منها فقط استهداف التيار، فهذا المنحى مرفوض. بل هو يقبل بشروط تسري على الجميع. ومن هنا جاءت دعوة رئيسه جبران باسيل الى المداورة في الوزارات.
وفي هذا السياق، يبرز ايضاً اصرار الرئيس نبيه بري على انّ ابقاء وزارة المالية اساساً في الحصّة الشيعية في الحكومة، وهذا الاصرار ليس إصراراً سياسياً، بل هو إصرار مبدئي، لأنّه جرى التأكيد على هذا الأمر في الطائف، وتمّ القفز عليه في بعض المحطات، قبل ان يُعاد الأمر الى مساره الصحيح في الحكومات الاخيرة. الّا انّ بعض المصادر لم يستبعد ان يحصل تطوّر ما حيال هذا الامر، ربطاً بإعلان الرئيس بري عن انّه سيكون متجاوباً جداً، اكان في تأليف الحكومة، او في جعل المجلس النيابي ورشة عمل داعمة للحكومة وعلى جهوزية تامة لاقرار ما تطلبه من مشاريع تخدم ورشة الاصلاح الموعود.
جميعهم محشورون
الى ذلك، لفتت مصادر معنية بملف تأليف الحكومة لـ«الجمهورية»، انّ الرئيس المكلّف، وبناء على التجاوب الذي لمسه من مختلف الاطراف، حدّد لنفسه مساحة زمنية محدودة جدًا، يضع خلالها مسودة حكومته لعرضها على رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، في غضون ايام قليلة. على ان تأتي ضمن العنوان الذي حدّده «حكومة عمل منسجمة».
وبحسب المصادر، فإنّ الرئيس المكلّف منفتح على الجميع، ولن يخطو اي خطوة استفزازية لأي طرف، بل انّ التوافق هو الاساس، باعتباره يشكّل عامل التحصين لحكومته، بما يمكنها من تنفيذ مهمتها الاصلاحية والانقاذية الموكلة اليها بالسهولة والسرعة التي يريدها.
واذا كان الرئيس المكلّف لم يُقابل حتى الآن بمواقف متصلبة على مسار التأليف، فإنّ المصادر عينها تلفت الى انّ كل الاطراف محشورة بسقف مهلة الاسبوعين التي يُفترض ان تتشكّل الحكومة خلالها، ومحشورة ايضاً بسقف التزاماتها التي قطعتها امام الرئيس الفرنسي، وبالتالي كل الاطراف، ولتحقيق ولادة سريعة للحكومة، محكومة بتقديم تنازلات وعدم تكرار لغة الشروط المتبادلة، والتي لطالما تسببت بتأخير تشكيل الحكومات لاشهر عدة، فيما وضع لبنان لا يحتمل التأخير ولو لبضعة ايام بعد مهلة الاسبوعين.
تحدّيات تنتظر أديب
مع ظهور بوادر أزمة محروقات قد يشهدها البلد بدءاً من مطلع الاسبوع المقبل، برزت في المقابل واحدة من التحدّيات الكبرى التي ستواجه الحكومة الجديدة عندما سترى النور. ومن خلال حيثيات أزمة المحروقات المرتبطة بإجراءات ادارية لها علاقة بشح الدولار، وقرار مصرف لبنان ممارسة رقابة اضافية على الاستيراد المدعوم، تمهيداً لالغاء هذا الدعم قريباً، يتبيّن انّ «حكومة المهمات» ستصطدم فور تشكيلها بأزمة داهمة وخطيرة. والسؤال، ما هي الاجراءات التي ستتخذها حكومة الأديب للتعامل مع مسألة نضوب احتياطي المركزي ووقف الدعم؟ هل تسمح بذلك، وتجازف بتعميم الفقر، حتى حدود المجاعة، على شريحة واسعة من اللبنانيين؟ واذا قررت مواصلة الدعم، هل تجازف بإنفاق ما تبقّى من احتياطي الودائع في مصرف لبنان؟
في عودة الى أزمة المحروقات، بدا المشهد متناقضاً، اذ في حين أكّد مستوردون عدم فتح اعتمادات، بما يعني ان لا قدرةعلى تأمين حاجة السوق، قال مستوردون آخرون، ان لا أزمة فعلية، وانّ البعض يبالغ في اشاعة الهلع. هذا التناقض قد يكون عائداً الى صيف وشتاء فوق سطح واحد. وقد تبيّن في أزمة المحروقات السابقة، انّ بعض الشركات نضبت احتياطاتها بسبب عدم قدرتها على فتح اعتمادات، في حين واصلت شركات أخرى تزويد السوق بالمحروقات، ولم تكن تشعر بوجود أزمة! وليس مستبعداً ان يكون المشهد في الاسبوع المقبل شبيهاً بهذا التوصيف.