بين تكتم شديد وصمت مطبق يحبس الأنفاس، يواصل القيّمون على الطبخة الحكومية عملية تطعيم مكوناتها والمزج في مقاديرها بين النكهتين الاختصاصية والسياسية لترضي مذاق “طهاة” التأليف، بما يتيح تسريع إنضاجها على نار حامية تمهيداً لتقديمها إلى قصر بعبدا ووضعها على طبق “المراسيم”. لكن حتى الآن، لم يتسرّب من مطبخ التأليف أكثر من مجرد روائح تفوح بالإيجابيات وتفرط بالتفاؤل بولادة وشيكة للحكومة العتيدة، من دون اتضاح الأسس التي سترتكز عليها عملية مطابقة حساب الحقل الاختصاصي مع حسابات البيدر السياسي، ليبقى السؤال المحوري: هل سيتمكن الرئيس المكلف سعد الحريري من سدّ الشهيات المفتوحة على تقاسم القالب التخصصي، ليخرج بتوليفة غير حزبية وغير سياسية قادرة على فتح الأبواب الموصدة دولياً وعربياً في وجه مساعدة لبنان؟
فإذا كان الثنائي الشيعي قد حُلّت عقدته “المالية” وفق الصيغة التي اعتمدت أيام تكليف مصطفى أديب ولا تزال مفاعيلها سارية حتى اليوم، فإنّ الأوساط المواكبة للملف الحكومي تؤكد لـ”نداء الوطن” أنّ “إبصار الحكومة النور في وقت قريب مرهون بعبورها بنجاح “معمودية” الحصة المسيحية التي باتت عملياً العقبة الجدية الأخيرة أمام استيلاد التشكيلة المرتقبة”، موضحةً أنّ “الرهان راهناً هو على أن تستمر أجواء التوافق مخيمة على المشاورات الجارية بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف، خصوصاً وأنّ الأسبوع الحالي سيشكّل منعطفاً مفصلياً في مسار الأمور مع تبلور طرح الحريري لخارطة التوزيع الطائفي للحقائب الوزارية، بما سيؤدي تلقائياً إلى اتضاح التصوّر العوني للحصة المسيحية في الحكومة، وتبيان هل سيشكل هذا التصوّر عنصراً مسهّلاً أو مفرملاً لاندفاعة الحريري، باعتبار أنّ حسم حصة رئيس الجمهورية كمًّا ونوعاً في التشكيلة الحكومية سيكون بمثابة مفتاح حل وربط في حصص القوى المسيحية الأخرى المشاركة فيها”.
وفي هذا السياق، تداولت مصادر سياسية خلال الساعات الأخيرة معطيات تتحدث عن إمكانية أن يصطدم الحريري بطلب عون حصة وزارية من 7 اختصاصيين بالأصالة عن رئاسة الجمهورية وبالنيابة عن “التيار الوطني الحر”، الأمر الذي قد ينتج عنه استحواذ عون ومن ورائه رئيس التيار جبران باسيل على “الثلث + واحد” ضمن حكومة عشرينية، ما قد يضع الرئيس المكلف أمام خيار من اثنين إما رفض طلب رئيس الجمهورية أو إعادة توسعة الحكومة لتكون مؤلفة من 22 وزيراً على سبيل المثال”.
أما ما يتصل بمسألة التسميات الوزارية، فتشير الأوساط المواكبة إلى أنّ الحريري لا يزال يصرّ على عدم العودة إلى صيغة “تسليم” القوى السياسية أسماء وزرائها لإسقاطها على مراسيم التأليف، معربةً عن اعتقادها بأنّ تسمية الوزراء ستخلص إلى إنتاج ما يشبه “الشراكة الحلبية” بين الرئيس المكلف ومختلف القوى المشاركة في الحكومة لاختيار شخصيات محسوبة “إسمياً لا تنظيمياً” على الأحزاب والكتل”، مع إشارتها إلى أنّ “الاتجاه حتى الساعة هو نحو تغليب عقلية تدوير الزوايا في مسألتي المداورة والتسميات على ما عداها من نزعات تعطيلية وكيدية”.
وفي المقابل، بدأت تتكون معالم جبهة مسيحية معارضة للحكومة العتيدة، تصدّرها بالأمس رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من خلال تشبيهها “بحكومة حسان دياب”، مؤكداً أنه لا يرى “أملاً في هذه الحكومة لأنها بدأت التشكيل على أساس وعود للثنائي الشيعي والحزب التقدمي الاشتراكي بإعطائهما حقائب معيّنة، وهو ما سينسحب على “التيار الوطني الحر” والآخرين”. واستدرك: “لا أريد أن أحكم على الأمور قبل أن تصبح واقعاً، لكن ما هو ظاهر لغاية الآن هو business as usual يعني كما كانت تجري العادة، ولو كان هناك نتيجة من المجموعة الحاكمة لما أوصلت البلاد إلى هنا”.
تزامناً، شنّ رئيس حزب “الكتائب اللبنانية” النائب المستقيل سامي الجميل هجوماً موازياً على “حكومة المحاصصة والتعطيل بناء على توجيهات حزب الله الذي بات يقرر شكل الحكومة ومن يشارك فيها” داعياً “القوى التغييرية الى توحيد الجهود للمواجهة”. وأضاف إثر لقائه المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان يان كوبيتش: “مرة جديدة حدد السيد حسن نصرالله قوانين اللعبة والجميع يلتزم بها، قال إنّ على الأطراف السياسية ان تسمي الوزراء وهذا ما يحصل اليوم. عدنا الى منطق المحاصصة والى ارتكاب الأخطاء نفسها بتشكيل حكومة شبيهة بسابقاتها وستحمل معها التناقضات ولن تشكل فريق عمل واحداً بل ستدخل في المتاهات التي شهدناها في الحكومات السابقة”.