كتبت صحيفة “النهار” تقول: أيا تكن نتيجة الجلسة التي سيعقدها مجلس النواب بعد ظهر اليوم في قصر الاونيسكو لتلاوة رسالة رئيس الجمهورية ميشال عون الى المجلس حول ملف التدقيق المالي الجنائي في مصرف لبنان، ومناقشتها واتخاذ الاجراء او الموقف المناسب منها، وعلى أهمية هذا الملف، فهي لن تخرج عن اطار المناورات السياسة المتذبذبة ما دامت البلاد تحت وطأة المعارك السياسية الصغيرة والتعطيل المتواصل لتأليف الحكومة الجديدة. وربما كانت الطبقة السياسية برمتها والسلطة الحاكمة تحديدا في حاجة يومية الى التذكير بالواقع الدراماتيكي التي يطبع نظرة الخارج الى هذه الطبقة، اذ جاءت رسالة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الى الرئيس عون لمناسبة عيد الاستقلال لتتجاوز الإطار البروتوكولي وتتوغل الى تظهير المأساة اليومية للبنانيين بما يثبت تكرارا ما بات يجري تداوله بكثافة من ان اهتمامات فرنسا والعديد من دول ومجموعات المجتمع الدولي تعنى بالواقع الدراماتيكي للشعب اللبناني اكثر بكثير من المسؤولين والساسة اللبنانيين. وتحول تمادي ازمة تشكيل الحكومة ودس العراقيل ومسببات التعطيل في طريق ولادتها الى اثبات دامغ إضافي امام المجتمع الدولي على سقوط آخر أوراق التين عن صدقية وجدارة وجدية هذه الطبقة الحاكمة والسياسية بحيث لا يمر يوم الا ويصدر موقف خارجي او دولي يسلط الضوء على التداعيات الكارثية لقصور الطبقة السياسية الموصومة بالفساد وعدم الاهلية لادارة عملية انقاذ لبنان من السقوط في الانهيار الكبير الذي يخشى من حصوله. هذه الانطباعات الشديدة القتامة ترخي بذيولها على كل مجريات المشهد الداخلي، وتزيد من وطأتها نظرة الأوساط الديبلوماسية المعنية برصد هذه المجريات الى هشاشة التحركات والخطوات التي تجري على هامش ازمة تشكيل الحكومة والتي، وان كانت تكتسب شرعيتها وانتظامها الدستوري مثل الجلسة النيابية العامة التي ستعقد اليوم وتلك التي سبقتها قبل يومين للجان النيابية، تترك انطباعات واسعة بانها بمثابة هرب من التعامل الجدي مع أولوية ملحة وعاجلة لا يجوز ان يتقدمها أي أولوية أخرى وهي انجاز استحقاق تشكيل الحكومة وفك استرهانه من الأهداف التعطيلية المكشوفة او المضمرة. وقد ذهب بعض هذه الأوساط الى التحذير الصارم من ان لبنان سيواجه ما لم يواجهه بلد غرق في أزمات مماثلة من عزلة وصم الاذان الدولية لاحقا، في حال تبين للمجتمع الدولي ان مضمون مجموع الرسائل والتحذيرات والمبادرات التي تتخذ وتوجه نحو المسؤولين، لا صدى لها كما يحصل منذ اكثر من شهر بعد تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيل الحكومة وبدء تصاعد العراقيل في وجه العملية .
خريطة الطريق مجددا
في أي حال لم تخرج مضامين رسالة الرئيس ماكرون، الذي يعد الزعيم الأوروبي والدولي الأكثر انخراطا في التعامل مع الازمة اللبنانية، باسم بلاده وبتفويض واضح من مجموعة الدعم الدولية من اجل لبنان، التي وزعت بعبدا نصها امس عن هذه الخلاصات والأجواء المشدودة والحذرة والقلقة. اذ ان ماكرون بادر الى ابداء “قلقه للغاية” نتيجة الوضع في لبنان وشدد على ان الازمة المتعددة الجوانب التي يشهدها لبنان “تستدعي اتخاذ تدابير فورية والحلول معروفة “مذكرا بخريطة الطريق التي التزمها الأطراف اللبنانيون في الأول من أيلول. كما شدد ماكرون على انه “يقتضي تشكيل حكومة من شخصيات مؤهلة تكون موضع ثقة وقادرة على تطبيق كل هذه الإجراءات ” داعيا عون الى تحمل واجبه في الاستجابة لمطالب الشعب اللبناني في انتفاضته منذ اكثر من سنة .
وإذ اكد ماكرون في رسالته العمل مع الأمم المتحدة من اجل عقد مؤتمر دولي لدعم الشعب اللبناني أفادت “رويترز” مساء امس ان فرنسا ستستضيف مؤتمرا عبر الفيديو مع شركاء دوليين يوم الثاني من كانون الأول المقبل للبحث في سبل تقديم مساعدات إنسانية للبنان. ويهدف المؤتمر الذي يعقد بالتعاون مع الأمم المتحدة الى جذب ارفع تمثيل ممكن بهدف التشجيع على تقديم مساعدات للبنان. واكد مكتب الرئيس الفرنسي انعقاد المؤتمر في الثاني من كانون الأول.
في غضون ذلك شككت أوساط نيابية وسياسية واسعة الاطلاع في ان تؤدي الجلسة التي سيعقدها مجلس النواب اليوم الى تبديل حقيقي في مسار التدقيق المالي الجنائي باعتبار ان حق رئيس الجمهورية في توجيه رسائل الى المجلس لا يسقط الخلفية التي يعرفها الجميع من ان المجلس لا يمكنه ان يأخذ مكان السلطة التنفيذية التي كان عليها ان تدير هذا الملف بدقة ودراية اكبر، وانه حتى مع حكومة تصريف اعمال لا تزال قدرة السلطة التنفيذية قائمة لمعالجة هذا الملف من دون رميه في لجة النقاش الذي لا يقدم ولا يؤخر. واعتبرت ان اقصى حدود المرتجى من الجلسة قد يكون بإبداء الاستعداد الكامل لتسهيل إقرار احد مشروعي قانون أحالهما رئيس مجلس النواب نبيه بري امام اللجان لإزالة السرية المصرفية موقتا او بصورة دائمة عن حالات التدقيق الجنائي في سائر مؤسسات الدولة وهو امر مرجح لئلا يظهر المجلس في موقع غير متعاون مع رئيس الجمهورية.
الرد على صوان
وكان بري رأس امس اجتماعا لهيئة مكتب المجلس درس الإجراءات التي ستواكب الجلسة في قصر الاونيسكو والإجراءات التي يمكن اتخاذها خلالها . كما ان جانبا أساسيا آخر من الاجتماع تركز على الرد على الرسالة التي وجهها المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوان الى مجلس النواب اذ ابدى بري في الرد انزعاجه من تنصل القضاء من مسؤولياته في هذه القضية، واعتبر انه لم يجر مراعاة الأصول المنصوص عليها في الدستور والقوانين المرعية الاجراء وان المحقق العدلي لم يكتف بعدم مراعاة الأصول فحسب وانما خالفها.
الوزير والشركة
ووسط الاستعدادات لجلسة مناقشة رسالة الرئيس عون حول التدقيق المالي الجنائي حصل سجال علني للمرة الأولى بين وزير المال في حكومة تصريف الاعمال غازي وزني وشركة “الفاريز اند مارسال” في شأن انسحاب الشركة من العقد الموقع مع الوزارة . وأصدرت الشركة امس بيانا تؤكد فيه رسميا انهاء العقد وانسحابها منه موضحة انها لم تتلق المعلومات اللازمة لإتمام مهمتها. ورد وزني نافيا ما نسبته الشركة الى الوزارة من “ان المعلومات المطلوبة من الشركة لن يتم تقديمها في المستقبل القريب” وادرج وزني النص الحرفي لتصريحه في اجتماع القصر الجمهوري الذي جرى التوافق فيه مع الشركة على تمديد مهلة تقديم المستندات الى الشركة لثلاثة اشهر .