كتبت صحيفة الأنباء تقول: انقضى العام 2020 من دون حكومة جديدة، ليورث العام المقبل الأزمات السياسية والاقتصادية كما القنبلة الاجتماعية الموقوتة التي يمكن ان تخلق انفجاراً غير مسبوق في حال استمرار استنزاف الدعم للمواد الاساسية والاستمرار به وفق الطريقة الحالية التي تقضم الاحتياطي من العملات الصعبة، وعدم الاتجاه الى خطة لترشيد الدعم، ما قد يهدد بالوصول الى إفلاس الدولة والشعب في نهاية المطاف.
لا شيء يبشّر بولادة حكومية قريبة، في ظل الكباش القائم بين رئيس الجمهورية ميشال عون والرئيس المكلّف سعد الحريري، في حين تتجه الانظار الى البيت الأبيض وما يمكن أن يتغيّر مع وصول الرئيس الجديد جو بايدن، ورهان البعض في الداخل على المفاوضات الإيرانية الأميركية حول الملف النووي وملفات المنطقة، ومن بينها لبنان.
وفي موازاة الوضع السياسي، ينتظر لبنان مصيرا معقّدا على الصعيدين الإقتصادي والمالي. وفي هذا الإطار، حذّر خبير الأسواق المالية دان قزي في حديث مع جريدة “الأنباء” الالكترونية من أن يتم خفض نسبة الإحتياطي الإلزامي في العام 2021، حتى ولو تم رفع الدعم، وذلك لتأمين استمرارية عمل الدولة، من خلال دعم إستيراد المواد الأساسية التي تحتاجها المؤسسات الحكومية للإستمرار في العمل، كإستيراد المحروقات من أجل تشغيل معامل الكهرباء، وأمور أخرى. كما قد يكون التوجه نحو الذهب بعد نفاذ الإحتياطي مستقبلا” اذا ما بقيت الأمور على ما هي عليه.
ورأى قزي أن “لبنان سيكون أمام طريقين، إما الإستمرار كما هو الوضع الحالي، او التوجه نحو صندوق النقد. وفي حال أصرت السلطة على متابعة الطريق نفسه، فإنهيار العملة سيستمر، وسيُطبَّق الهيركات دون إقراره كقانون، والمصارف تعطي المودعين أموالهم بالليرة وفق سعر المنصة 3900 ليرة بدل الدولار، في حين أن سعر الصرف في السوق اليوم يفوق الـ8000 ليرة، حتى إنتهاء الودائع. كما أن التعامل بالـCheque Bancaire سيتوقف، وسيتوجه الجميع إلى التعامل النقدي، لعدم قدرة سحب الأموال من المصارف. إضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يشهد القطاع العقاري تراجعا، بسبب وقف التعامل بالشيكات المصرفية”.
أما في حال قرر لبنان سلك مسار مفاوضة جدية مع صندوق النقد الدولي، فبحسب قزي، “سيضع الأخير برنامجاً للإصلاحات، كما سيقوم بتوزيع الخسائر بطريقة عادلة، وسيطالب بإقرار سلّة من القوانين، منها الهيركات، إضافة إلى الدفع نحو إعادة رسملة المصارف، كما سيشدد على وجوب إنشاء شبكة أمان إجتماعي لحماية الطبقات الفقيرة، وسيراقب مسار العمل، ولن يعطي الحكومة أكثر من مليار أو ملياري دولار في السنة كحد أقصى، ولن يكون الهدف الإزدهار، بل دعما للعائلات الفقيرة”.
وبالنسبة لإعادة توزيع الخسائر، رأى قزّي أن “لبنان بلد غني، لكن المطلوب توزيع عادل للخسائر وفق خطة حكومية معيّنة، كما بإستطاعة الدولة الإستثمار في أبنائها وقدراتهم، مثلا تمويل عملية درس الطلاب في الخارج، على أن يعيد الطلاب رد ديونهم للدولة بالدولار، لزيادة نسبة العملات الأجنبية”.
أما لجهة دفع رواتب القطاع العام، فقد رجّح قزّي “توجّه الحكومة نحو زيادة طبع العملة الوطنية، إلّا أن التضخم سيزيد في هذه الحالة”.
وحول المساعدات المرتقبة من البنك الدولي، أشار قزي إلى أن “الحكومة المستقيلة تتفاوض مع البنك الذي قد يساعد بملبغ مقدّر بين الـ100 مليون دولار والـ200، لدعم الطبقات الفقيرة”.
وعن إحتمال إنخفاض سعر الصرف في حال تم تشكيل حكومة في وقت قريب، لفت قزي إلى أن “السعر قد يتراجع قليلا، بسبب الدور الذي يلعبه العامل النفسي في هذا السياق، كما والتطبيقات الإلكترونية التي تنشر سعر الصرف، لكن إستمرارية الإنخفاض متعلّقة بالحكومة، والأشخاص الذين سيتم توزيرهم، إضافة إلى البرنامج الإصلاحي الذي سيتم إعتماده، وموقف مجلس النواب منه”. وختم قزي حديثه لافتا إلى “تطور العلاقات الدبلوماسية بين والدول العربية وإسرائيل، والتحرك السريع للأخيرة في الإمارات مثلا على الصعيد التجاري، الذي سيؤثر سلبا على لبنان”.
وعلى الصعيد الأمني، وبعد تواتر معلومات مفادها إحتمالات إنفجار الوضع في لبنان، وهي أخبار تزامنت مع تسريبات عن مناقشة مجلس الدفاع الأعلى هذا الموضوع في أحد أجتماعاته، يتخوف المواطنون من هم إضافي يضاف إلى لائحة الهموم التي ستلاحقهم من العام الحالي إلى القادم.
في هذا الخصوص، أشار الخبير العسكري والإستراتيجي ناجي ملاعب في حديث لـ”الأنباء” إلى أن “إستمرار تدهور الأوضاع الإقتصادية، والخلل الحاصل بين المناطق اللبنانية لجهة وصول البضائع المستوردة، وإستقدام بضائع مهرّبة، كما وتخصيص بعضها ببضائع مدعومة أكثر من غيرها، قد يؤدي إلى لجوء كل منطقة إلى سياسة الحماية المحلية، أو الأمن الذاتي، لمراقبة عملية بيع البضائع والتأكد من عدم بيعها لغرباء عن المنطقة”.
كما لفت ملاعب إلى أن “الخطر المذكور سيتفاقم مع تراجع قيمة الليرة، وبالتالي تراجع قيمة رواتب العسكريين، وربما لجوئهم إما إلى التغاضي عن المحافظة على الأمن، أو التعامل مع المافيات والجماعات القوية في المناطق، والتي ستنشط نسبةً للتفلّت، كما حصل في دول الإتحاد السوفياتي بعد إنهياره في العام 1990، حيث إرتهن رجال الأمن إلى المافيات المحلّية”.
وتابع ملاعب: “نسب الجريمة من المُرجّح أن ترتفع، إذ ومع تراجع القدرة الشرائية للمواطنين، وحرمانهم من سحب ودائعهم، سيلجأ بعضهم إلى السرقة وربما القتل، كما من المتوقع أن يتصاعد العنف ضد المصارف”.
وحول إحتمال تأزم الوضع أكثر وحصول إشتباكات محلية مسلّحة قد تؤدي إلى حرب أهلية، إستبعد ملاعب هذا الإحتمال، معتبرا أن “لا أفق لأي حرب أهلية في الوقت الراهن”.
أما وبالنسبة لأخبار حول دخول جماعات متطرفة من العراق وسوريا، فأشار ملاعب إلى أن “التجارب السابقة أثبتت أن المجتمع اللبناني لا يشكّل بيئة حاضنة للمتشددين الإسلاميين، فحتى المناطق التي ثابر البعض على تصويرها على أنها تربة خصبة لتغلغل هذه الجماعات، كطرابلس، فقد أثبت إحصاءٌ أجرته شركة Ipsos أن الغالبية الساحقة بنسبة 96% من أهالي طرابلس فضّلوا العيش المشترك على التشدد الإسلامي، كما أن سياسة الأمن الإستباقي إحترفتها الأجهزة الأمنية والإستخباراتية اللبنانية”.
وفي السياق الإقليمي، وبعد تلقي إيران وحلفائها ضربات عسكرية ضخمة في الفترة الأخيرة، تمثّلت بإغتيال قيادات من الصف الأول، فضلا عن الإنفجارات التي حصلت في منشآت نفطية إيرانية، توقّع ملاعب “إحتمال تكرار سيناريو إنفجار عين قانا المشبوه، لكن لن نشهد حربا بين الحزب وإسرائيل، إذ وحسب المعلومات، فقد وجّه قائد فيلق القدس إسماعيل قآني توصياته في أيلول الماضي لعدم إستفزاز الوجود الأميركي والإسرائيلي في المنطقة”. وختم ملاعب حديثه منبها من “القنبلة الموقوتة المتمثّلة بالسجون اللبنانية، إذ وبسبب الإكتظاظ الحاصل، وعدم الإتفاق على قانون عفوٍ عام، فإن حادثة فرار سجناء من نظارة بعبدا ستتكرر وعلى نسقٍ أكبر، وعندها، سترتفع نسبة الجريمة أكثر في ظل وجود مجرمين في المجتمع”.
وعلى وقع هذه التوقعات السياسية والاقتصادية والأمنية، ينطلق العام 2021 بكثير من القلق والرهانات، على أمل أن لا يحمل للبنانيين الا كل الخير، وأن تكون أزماته منطلقاً لمستقبل أفضل يحمل لهم الأمن والسلام والاستقرار.