الرئيسية / صحف ومقالات / الديار : فوضى أم صدفةٌ؟ ما السبيل للسيطرة على الوضع اللبناني ؟ الليرة ضحية ‏الواقع السياسي ‏”كورونا” يُهدّد لبنان ويلجم الانفجار الاجتماعي… والإجراءات الوقائية ‏لا ترتقي الى المطلوب
الديار لوغو0

الديار : فوضى أم صدفةٌ؟ ما السبيل للسيطرة على الوضع اللبناني ؟ الليرة ضحية ‏الواقع السياسي ‏”كورونا” يُهدّد لبنان ويلجم الانفجار الاجتماعي… والإجراءات الوقائية ‏لا ترتقي الى المطلوب

فوضى أو صدفة؟ سؤال يُطرح عن الواقع اللبناني الذي يتخبّط في سلسلة من الأحداث أقلّ ما يُقال فيها ‏أنها خرجت عن سيطرة المعنيين. الصدفة تعني عدم القدرة على التنبؤ بحيث تأتي من خارج السياق ‏العام ومن دون سابق تصميم أو تصور في حين أن الفوضى تعني غياب الإنتظام بمعناه العام… قد ‏يظنّ البعض أن الفوضى هي نتاج عدد من الظواهر التي لا يُمكن تنبؤها إلا أن علماء الفيزياء أثبتوا ‏أن الفوضى هي نتاج ظواهر يُمكن التنبؤ بها نظريا (حتمية) بدقّة في أغلب الأحيان وما يجعلها مُعقدّة ‏هي الديناميكية الخاصة التي تتطوّر بشكل سريع يجعل التعقيد قسِيَ مع مرور الوقت‎.‎

الفوضى بمفهومنا العصري ظهرت في ستينات القرن الماضي مع ظهور الحواسيب مع مُحاكاة تطوّر ‏الأنظمة القطعية الحساسة للظروف الأولية وهو ما أظهر إلى العلن تعقيدات تطوّر الفوضى حيث أن ‏التطور يتمّ بشكل مُختلف تمامًا إذا غيّرنا الحالة السابقة ولو بطريقة مُتناهية الصغر. بمعنى أوضح، أي ‏تعديل بسيط في الحالة الأوّلية للنظام يُغيّر تطوّره تماما مع مرور الوقت ومرد ذلك إلى عملية التسارع ‏الحاصلة في التسلسل المنطقي للحوادث.‏

وأمّا حالة الواقع اللبناني فقد يرجع إلى أن الهزات والفوضى ترجمة لما آلت إليه الأمور مع غياب تخطيط ‏وإستشراف مُستقبلي لما قدّ تؤول إليه الأمور لا سيما، وكما أوردنا سابقا، أن أي تعديل بسيط في الحالة ‏الأوّلية للنظام يُغيّر تطوّره تماما مع مرور الوقت. وهنا نطرح السؤال إذا ما كانت القوى السياسية واعية ‏لمدى خطورة غياب الإستشراف والتخطيط في حياة الدول؟ فالتطورات الإقليمية والدوّلية تُظهر إلى العلن ‏تحويلاً واضحاً للصراعات الإقليمية التي تُحيط بلبنان حيث تحوّلت مثلا هذه الصراعات من صراعات ‏عربية – إسرائيلية إلى صراعات عربية – تركية – فارسية في ظل وجود دول ضعيفة تُحيط بالدولة العبرية ‏مع عامل مُشترك فيما بينها وهو الضعف العام أمام اقتصادات الأمم الكبرى وهو ما يترجم جلياً في تقلبات ‏العملة الوطنية وهشاشتها.‏

لبنان لم يكن على مستوى التحدّيات الداخلية من ناحية تأمين حياة كريمة لمواطنيه، ولا الخارجية من ناحية ‏منع التدخلّ الخارجي في أموره الداخلية. وقد تجلى ذلك في فقدان السيطرة التي تُرجمت بالرفض الشعبي ‏الذي إندلع في تشرين الأول 2019 وإمتدّ على طول العام 2020. ويُمكن أيضاً رؤية هذه الترجمة على ‏الصعيد السياسي في عدم قدرة المعنيين تأليفَ حكومة في وقت يُعاني فيه المواطن بشكلٍ حاد إن على ‏الصعيد الإقتصادي أو المالي أو النقدي أو الصحي. وهذا ما يعرف بالشلل التام الاضطراري.‏
إن هذا الأمر، بنظري، هو نتيجة طبيعية لمقدمة غياب التخطيط الذي لا مفر من أن يؤدي إلى تعديل في ‏الحالة الأساسية للنظام اللبناني (السياسي والإقتصادي) وصولا إلى حالة الفوضى التي إستفحلت في العام ‏‏2020 مع بروز مخلفات كل هذه الإخفاقات في صورة أزمات وفي آن واحد. وبالتالي لا بد أن تخرج ‏الفوضى “المُتعمّدة” عن سيطرة الحكام.‏

بالتحديد، كورونا تستفحل بين المواطنين! من السهل رمي المسؤولية على الشعب والقول إنه مُستهتر، إلا ‏أن الواقع هو أن الحكومة هي من تتحمّل هذه المسؤولية مع غياب التشدّد في الإجراءات الوقائية. أوليس ‏من المفترض، كما يقول أفلاطون، أن تقوم النخبة بإدارة أمور عامة الشعب الذين يعجزون عادة عن إدارة ‏أمورهم؟ ويبقى الحلّ الأسهل هو قرار الإقفال التامّ الذي سيؤدّي إلى الضرب من جديد بآخر أعمدة ‏الإقتصاد ليزيد من فقر الشعب الذي أصبح أسير الهاوية.‏

قرار الإقفال المنوي أخذه في الأيام القادمة يعكس غياب التخطيط، فالمعنيون يعتقدون أنه يتوجّب علينا ‏إقفال البلد إلى حين وصول لِقاح كورونا وكأن هذا الأخير سيحّل مشاكل لبنان الصحية ومن خلفها ‏الإقتصادية والمالية والنقدية. ومن جديد تظهر إنعدام الرؤيا وقلة الخبرة وعدم التخطيط والانتظام… فعلى ‏الرغم من الحديث عن فعالية عالية للِقاح كورونا، إلا أن الشروط التي تفرضها الشركات المُنتجة للِقاحات ‏وعلى رأسها شرط “رفع المسؤولية عن الشركة في حال كان هناك تداعيات سلبية للِقاح” هو إعتراف ‏مباشر من هذه الشركات أن فعّالية اللِقاح ما زالت موضوع درس. هذا الشرط هو ما يؤخّر توقيع عقود ‏شراء اللِقاحات مع الشركات وبالتالي فإن المسؤولين يعتمدون على مقولة “يسوانا ما يسوى الدول ‏الكبيرة” أو مقولة “مناعة القطيع”.‏
بعض الدراسات التي يُمكن إيجادها على الإنترنت تتوقّع موجة كبيرة في العام 2021 وموجة أخرى في ‏العام 2022. هذا الأمر يعني أنه علينا أن نتعايش مع الوباء من خلال التشدّد في فرض الإجراءات ‏الإحترازية (الكمّامات والتباعد الإجتماعي وغيرها) وترك الماكينة الإقتصادية تعمل بالحدّ الأدنى على ‏الأقل رأفة بما بقي من معيشة اللبنانيين إلا أللهم إذا كان الإقفال هو طريقة للجم الإنفجار الشعبي القادم.‏

على الصعيد الإقتصادي، التلكؤ في أخذ الإجراءات من قبل حكومة تصريف الأعمال يجعلها مسؤولة ‏‏(أقلّه أخلاقيا) تجاه الشعب اللبناني. بعض الإجراءات التي تدخل ضمن نطاق تصريف الأعمال يُمكن ‏القيام بها وهي تُخفّف الأزمة على المواطن اللبناني. من هذه الخطوات يُمــكن ذكر خفض الإنفاق العام ‏حيث يُمكن خفـضه أســوة بما يحصل في جميع المؤسسات الخاصة التي سبقت الدولة في التخطيط ‏والتحوط للمخاطر المرتقبة منها والطارئة، يضاف إلى ذلك ترشيد الدعم المُقدّم من قبل مصرف لبنان، ‏والتشدّد في الرقابة على جشع التجار ومنع الفوترة بالدولار الأميركي، ومنع التهريب للسلع والبضـائع ‏المدعومة من قبل مصرف لبنان، وتنسيق عمل البلديات لوضع أملاك عامة بتصرّف مزارعين أو ‏صناعيين قادرين على الإستثمار وإنتاج قسم من الإستهلاك المُسـتورد.‏

في خضم هذه الصور القاتمة يراهن البعض على الملف النفطي الذي قدّ ينشل لبنان من أزمته المالية ‏والإقتصادية، إلا أن هذا الأمر وكما قلناه من أكثر من خمس سنوات، لا يُمكن أن يحصل لأن الشركات لن ‏تبدأ إستخراج الغاز فيما التهديد الإسرائيلي موجود في كل لحظة أضف إلى ذلك الضغوطات الدولية التي ‏تُمارس على الشركات. عمليا وحتى بفرضية البدء بالتنقيب اليوم، فهناك فترة تمتد لأكثر من خمس سنوات ‏في أحسن الأحوال للبدء بإسـتخراج الغاز. وعملية الإستشكاف التي طـالت البــلوك رقم 4 وصلت إلى ‏نتيجة أن لا كميات كبيرة من الغاز، إلا أن التقرير التقني لم يتمّ نشره وبالتالي هناك فرضية أن يكون هناك ‏ضغوطات على شركة توتال على هذا الصعيد.‏
على الصعيد المالي، تُشير أرقام وزارة المال المعروضة على بوابتها الإلكترونية أن العجز في الموازنة ‏بلغ حتى الشهر الثامن من العام المُنصرم 3821 مليار ليرة لبنانية أي 29% من إجمالي الإنفاق. وبالتالي ‏هناك إلزامية وقف هذا العجز خصوصا أن الدوّلة توقفت عن دفع سنداتها وهو ما يفرض خفض الإنفاق ‏‏3821 مليار ليرة أو زيادة الإيرادات (التشدّد في الرقابة على التجار مثلا). هذا الأمر يجب أن يتزامن مع ‏وضع مسودة موازنة للعام 2021 تأخذ بعين الإعتبار الواقع المالي الحالي والخطوات الواجب إتخاذها ‏لتأمين الإستقرار الإقتصادي.‏

على الصعيد النقدي، يبقى طبع العملة بهدف سدّ عجز موازنة الدولة وتلبية المودعين سببا رئيسيا في ‏التضخمّ. هذا الأمر، مع ممارسات التجار خصوصًا في ما يخص الأسعار والقبض نقدًا، يؤدّي إلى ضرب ‏قيمة الليرة اللبنانية من خلال تفقير الشعب لأن العملة تعكس ثروة البلد. فلبنان يعيش زيادة في إلتزاماته ‏المالية (أي المطلوبات) وإنخفاض في المداخيل (تهرب ضريبي نتيجة القبض نقدا وتراجع النشاط ‏الإقتصادي) وبالتالي أي زيادة بطبع العملة هو تخفيض لقيمتها ودخول من جديد في الحلقة المفرغة!‏

من هذا المُنطلق نرى أن الإجراءات المُتخذة لا ترتقي إلى المستوى المطلوب خصوصا في ما يخصّ ‏مافيات العمّلة التي تلعب أسوأ دور في سعر صرف الليرة مُقابل الدولار الأميركي ناهيك عن الضرب ‏المتواصل على القطاع المصرفي الذي نقل الإقتصاد من إقتصاد سوق إلى إقتصاد نقدي أضحى فيه ‏الجميع خاسرا.‏

يبقى القول أن غياب الإجراءات لتصحيح المسار يأخذ لبنان إلى ما يُسمّى بالفوضى المُتعمّدة حيث لا ‏سيطرة محلّية عليها بل السيطرة موجودة خارج الحدود وبالتحديد في بعض عواصم القرار. الخروج من ‏الأزمة يبدأ بأخذ الإجراءات التصحيحة المطلوبة فهي تُشكّل الباب الوحيد لإستعادة السيطرة على هذه ‏الفوضى.‏

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *