الحكومة العتيدة بعيدة. فالإشارة التي انتظرها البعض من الأمين العام لحزب الله، حسن نصرالله، لخرق جدار الأزمة الحكومية من خلال إطلاق موقف يدفع عملياً باتّجاه الإفراج عن عملية التشكيل من أسر حليفه في قصر بعبدا للأسف لم تأتِ، بل خرج نصرالله بموقف ضبابي تناغم فيه بموضوع رفض الثلث المعطّل مع رئيس مجلس النواب، نبيه بري، والرئيس المكلّف، سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط. وفي المقابل دعا الحريري إلى إعادة التفكير في خيار حكومة من 20 وزيراً، ما يعني عملياً أن لا جديد هذا الأسبوع أيضاً على المستوى الحكومي.
في هذه الأثناء، يبقى الملف الاجتماعي والاقتصادي متقدماً، حيث ناقشت لجنتا الصحة والشؤون الاجتماعية، والمال والموازنة، اتّفاق القرض الذي منحه البنك الدولي للبنان لمساعدة الأسَر الأكثر فقراً، حيث سجّل اللقاء الديمقراطي موقفاً أساسياً دعا فيه إلى ضرورة أن يترافق هذا المشروع مع ترشيد الدعم، ووقف التهريب للسلع وللعملة الصعبة.
المدير التنفيذي لشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، زياد عبد الصمد، لفت إلى أن “البنك الدولي كان مصراً على عدم تسليم أي أموال للسلطة اللبنانية بسبب غياب الثقة والإصلاحات. لكن الواقع الصعب الذي يعانيه اللبنانيون دفع البنك إلى تمرير هذا القرض عبر السلطة ليستفيد المواطنون ويصمدون بوجه الأزمات الخانقة، وبالتالي على مجلس النواب إقرار مشروع من أجل قبول القرض وبدء الاستفادة منه”.
عبد الصمد أشار في حديثه لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن، “إشكاليات متعددة تشوب الخطوات الإجرائية التي سيُصرف وفقها القرض، إذ قرّر مصرف لبنان صرف المبلغ بالليرة وفق سعر صرف 6,240 ليرة، فيما يحتفظ بالدولارات. لكن سعر الصرف يتصاعد تدريجياً في السوق وقد يتعدى حافة الـ9,000 ليرة، وبالتالي يخسر القرض 30% من قيمته أو أكثر. وفي هذا السياق، يجب على البنك الدولي مفاوضة السلطات من أجل صرف المبالغ بالدولار، علماً أنّه يطالب بهذا الأمر”. ويتابع عبد الصمد: “صرفُ القرض بالليرة وفق سعر الصرف المحدّد سلفاً سيدفع الناس إلى التهافت على شراء الدولار، مما سينعكس ارتفاعاً إضافياً في سعر الصرف، إلى جانب أن طبع الليرة لتوزيع المبالغ سيؤدي إلى تضخّم، والأفضل في هذا الإطار دفعُ القرض بالدولار، أولاً كي يصل إلى اللبنانيين كاملاً، وثانياً لكي لا يفقد قدرته الشرائية إذا صُرف بالليرة وارتفع سعر الصرف”.
أمّا لجهة الانعكاس الاجتماعي للقرض، فقد ذكر عبد الصمد أن، “القرض من المتوقع أن يستهدف 200 ألف عائلة، ما يعني مليون شخص، أي خُمس الشعب اللبناني، لكن، ما هي الآلية التي ستحدّد الأسر المستفيدة؟ من المهم أن تكون العملية شفافة وبعيدة عن الزبائنية المعهودة، وتوزيع المبالغ حسب الولاءات السياسية. البنك الدولي سيراقب العملية، لكن لأي مدى يستطيع مراقبة التوزيع؟”
إلّا أن عبد الصمد فضّل البحث عن صيغة أخرى للاستفادة من القرض بدل دفعه نقداً، وقال: “الأفضل إرساء صيغة دعم شامل للمجتمع، خصوصاً وأن نسبة الفقراء في لبنان تفوق الـ55%، في حين أن 20% أو 25% فقط من الشعب اللبناني سيستفيدون من الأمر. هذه الصيغة تكون على شكل نظام يحمي من البطالة، ويحفظ فرص العمل، أو يكون على شكل تقديمات صحية، أو سدٍ للنفقات الاجتماعية، ما يعني أن نظام الحماية سيطال جميع المحتاجين عندها، والتكلفة في هذا الإطار ستكون أقل”. وذكّر عبد الصمد بأن “هذه الأموال هي بمثابة قرض وليس هبة، وبالتالي على الدولة اللبنانية أن تدفع القرض بعد فترة، كما أن عملية توزيع المبالغ يجب أن تترافق مع ترشيد للدعم من جهة، ومكافحة التهريب من جهة أخرى لمقاربة الموضوع بطريقة سليمة، إلّا أنه طالما لا توجد حكومة والسلطات منهارة سيستمر العجز”.
من جهته، رئيس جمعية حماية المستهلك، زهير برو، شدّد على “ضرورة تحديد الأسر الأكثر فقراً وفق عناصر معيّنة كدخل العائلة، والسكن والمنطقة، بحكم أن تكلفة السكن في المناطق المكتظة أكثر تكلفة من السكن في المناطق المعزولة، كما يجب التنبّه لوجود الأمراض المزمنة في العائلة، وغيرها من العوامل”.
برّو أكّد في اتصالٍ مع “الأنباء” على ضرورة، “وقف كافة أشكال الدعم عند صرف المبالغ، وعدم الاستفادة من دولارات القرض من أجل الاستمرار في سياسة الدعم التي يستفيد منها التجار والمهربون، كما شدّد على ضرورة الإسراع بتخليص الإجراءات القانونية على صعيد مجلسَي الوزراء والنواب، وصرف المبلغ، على أن يتم الصرف بالعملة الوطنية في ظل وقوع البلاد بأزمةٍ نقدية هائلة، وصرفه بالدولار سيؤدي إلى مضاربات بالسوق، كما وأن التعامل بالدولار هو عمل غير شرعي”.
لكن برّو رأى أنّ، “أي معالجة جزئية للأزمة التي يمرّ بها اللبنانيون لن تكون مجدية، والمطلوب التوجّه نحو حلول مستدامة، كتوحيد سعر الصرف ومعالجة المشكلة النقدية، والخروج من اللعبة التي تديرها السلطة السياسية جنب المصارف وكبار التجار، والتوجّه نحو حكومة، خصوصاً وأن السلطة الحالية لا تريد اتّخاذ القرارات، وهي تبتكر أساليب جديدة من أجل الاستمرار بالعرقلة، من أجل الإمساك بالسلطة أكثر وأكثر”.
على خطٍ آخر، وفي سياق الإصلاح القضائي الواجب إطلاقه كخطوة ضمن الإصلاحات المطلوبة والجذرية، تقدمت كتلة اللقاء الديمقراطي باقتراح القانون الرامي إلى تعديل المواد 24 و25 و27 و28 من قانون القضاء العسكري، كاقتراحٍ عادي ليس معجلاً مكرراً لأنه بحاجة إلى نقاش مع كل الكتل النيابية.
وتعليقاً على هذه الخطوة، شرح المحامي سليمان مالك في حديثٍ مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية التعديلات المطلوبة، إذ أن، “الاقتراح يهدف إلى تعديل قانون القضاء العسكري وليس تغييره، علماً أن التعديل يندرج ضمن مطالب هيئات حقوق الإنسان العالمية والمنظمات الدولية التي وصلت إلى حد المطالبة بإلغاء هذه المحكمة، أمّا الاقتراح فيقضي بتقليص صلاحيات هذه المحكمة، لتصبح القضايا المدنية، كجرائم التجسّس أو الخيانة وغيرها، خارج نطاقها، وضمن نطاق المحكمة العدلية.
ولفت مالك إلى أن، “الهدف المرجو من هذا التعديل نقل القضايا المتعلقة بمدنيين إلى القضاء العدلي، لأن الأخير يؤمّن محاكمة عادلة وضمانة للمواطنين، كما يتيح للمدّعى عليه الإدعاء الشخصي، أو المطالبة بالتعويض، في حين أن المحكمة العسكرية لا تتيح هذه الميزات، إضافةً إلى أن قرارها (المحكمة العسكرية) غير معلّل ومبسّط. أما القضايا المتعلّقة بالعسكريين وعناصر قوى الأمن أثناء تأدية الواجب، فهي تبقى ضمن المحكمة العسكرية”.
وذكّر مالك أن، “لوزير الدفاع سلطةً على المحكمة العسكرية في تأليف هيئتها، والتي تتكوّن بالعادة من قاضٍ وضبّاط عسكريين، ما يعني أن بعض عناصر المحكمة يتلقى الأوامر، وعليه تلبية الطاعة، عكس القضاء العدلي الذي يتمتع باستقلالية. وفي هذا الإطار، تُذكر بعض القضايا التي تمّت ملاحقتها من قبل الأجهزة الأمنية عبر المحكمة العسكرية، وتبيّن في ما بعد براءة المدّعى عليه”.
وشدّد مالك على ضرورة “مناقشة الاقتراح في لجنة الإدارة والعدل، ليتحوّل في ما بعد إلى الهيئة العامة لإقراره، إذ هو ضرورة وينسجم مع مطالبات الرأي العام من جهة، والمنظمات الحقوقية من جهة أخرى”.
على صعيد آخر، مع اقتراب انتهاء المرحلة الأولى من الفتح التدريجي، يسأل اللبنانيون عن مصير العام الدراسي الحالي، واحتمال عودة الطلاب إلى التعليم الحضوري هذا العام، أو المدمج.
في هذا السياق، أصدرت مفوضية التربية في الحزب التقدمي الإشتراكي بياناً دعت فيه لوضع خطة محكمة للعودة التدريجية إلى مقاعد الدراسة بدءاً من صفوف الشهادات، وضمن آلية التعليم المدمج في شهر آذار القادم، بعد أن يكون قد تمّ التأكّد من انخفاض فعلي لعدّاد الإصابات، والإبقاء على التعليم عن بعد إلى ذلك الحين.
مفوّض التربية في “التقدمي”، سمير نجم، لفت في حديث مع “الأنباء” إلى أن ما من موعد رسمي لعودة التعليم المُدمج، والمفوضية أصدرت بيانها داعيةً وزارة التربية إلى تأجيل العودة إلى المدارس حتى أول آذار، علماً أن العودة ضرورية، لأن لا إمكانيات من أجل التعليم عن بُعد بالكامل دون التوجّه نحو المدرسة والتعليم الحضوري، خصوصاً في ظل عدم أهلية البرامج”.
وأشار نجم إلى أن، “العودة نحو المدارس ستكون على دفعات، وذلك عبر عودة طلاب الشهادة الثانوية أولاً، ومن ثمّ العودة تدريجياً لمختلف الطلاب، على أن يتمّ تمديد العام الدراسي، كما وإجراء الامتحانات حضورياً، إذ نحذّر من التوجّه نحو منح الإفادات عامين متتاليين. أمّا في ما خصّ تلقيح الطلاب والهيئات التعليمية، فوزير التربية تواصلَ مع وزير الصحة في هذا الأمر، لكن ما من شيء رسمي حتى الساعة”.