أكّد رئيس مجلس النوّاب نبيه بري لـ «السفير» أن من يرفض النقاش حول السلة المتكاملة أو حول تنفيذ بعض البنود الإصلاحية في الطائف، بحجة أن الأولوية يجب ان تكون لانتخاب رئيس الجمهورية إنما هو الذي يؤخر عمليا انتخاب الرئيس، مشيرا الى انه لو كان إنجاز الاستحقاق الرئاسي ممكنا بمعزل عن معالجة الإشكاليات الاخرى المتعلقة بالانتظام العام للسلطة، فلماذا لم ننتخب رئيسا حتى الآن؟
ويتابع: لقد مضى أكثر من سنتين ونصف سنة على الشغور ونحن الآن على تخوم جلسة «إم اربعة وأربعين» التي لا تفصلنا عنها سوى جلسة واحدة.. فماذا ينتظرون حتى يتحلّوا بالواقعية المطلوبة وبشجاعة اتخاذ القرارات الجريئة؟
ويعتبر بري أن على المكابرين أن يدركوا «انو ما في حدا بيعطي ببلاش»، لافتا الانتباه الى أنه بات واضحا تعذر الاتفاق على رئيس من دون التفاهم على مرحلة ما بعد الرئيس أيضا، مستعيدا مرة أخرى دروس تجربة مؤتمر الدوحة وكيف أن اسم العماد ميشال سليمان كان متوافقا عليه في بيروت «وفتوى ترشيحه كانت جاهزة في جيبي»، لكن لم يتم انتخابه إلا بعد إنجاز التفاهم الأوسع في الدوحة على كل التفاصيل، من الوزير الملك الى دائرة الرميل في الأشرفية والدائرة الثانية في بيروت…
ويضيف: نحن أمام شبكة متداخلة من المصالح والمطالب، هذا يريد رئاسة الجمهورية، وذاك يتطلع الى رئاسة الحكومة، وآخر يهمه أن يضمن حصته في مجلس الوزراء.. وهذه الطموحات لا يمكن أن تتحقق بالمفرق، بل ضمن تسوية شاملة تؤمن التطمينات للجميع.
ويستغرب بري رفض البعض التفاهم على أمور قد تسهل انتخاب الرئيس، برغم الضمانات التي قدمتها لإزالة أي هواجس محتملة، مضيفا: أكدت خلال خلوة الحوار، وأنا أكرر الآن، أن أي أمر نتفق عليه، سنؤجل تطبيقه وإقراره في آليات تشريعية، الى حين أن يصبح لدينا رئيس، فماذا يريدون أكثر من ذلك، ولماذا المزايدات العبثية والمفتعلة.. الآن فهمت كيف أضاع البعض دوره وموقعه في التركيبة الداخلية، وكاد يُضيّع لبنان معه.. إنه العناد!
ويوضح بري أنه حاول تقديم كل المغريات للمتحاورين من أجل أن يُحفّزهم على تلقف بصيص الأمل الذي لاح في الأفق، مشيرا الى أنه طرح التزامن بين إنشاء مجلس الشيوخ وفق القانون الارثوذكسي وانتخاب مجلس النواب الوطني، وقدم تفسيرا ميثاقيا لمعنى «الوطني» بحيث تبقى المناصفة الإسلامية ـ المسيحية في المجلس النيابي، وأبدى الاستعداد للبحث في اعتماد المحافظات الخمس الكبرى دوائر انتخابية وفق النسبية إذا تعذر خيار لبنان دائرة واحدة، واقترح أن يكون مجلس الشيوخ مستقلا بالكامل، في صلاحياته واختصاصاته، عن البرلمان على أن يتولى المجلس الدستوري البت في أي تعارض، إذا حصل.
ويتابع بري: لو أردت أن أتصرف من منطلق شيعي محض، لكان يفترض بي أن أكون أول المعرقلين لإنشاء مجلس الشيوخ، كونه سيأخذ بعض صلاحيات المجلس النيابي الذي يترأسه شيعي، وأنا اليوم فعليا رئيس لكل من مجلس النواب ومجلس الشيوخ (ممثلو الطوائف كلهم في المجلس النيابي)، ولكنني لم أقارب الأمر من هذه الزواية، إذ ان مجلس النواب ليس «ملك بيي»، وهناك بُعد إصلاحي وتطويري للنظام ينبغي أن يتقدم على أي اعتبار فئوي ضيق.
ويضيف: بكل صراحة، أنا أتطلع من خلال ممر مجلس الشيوخ للوصول الى انتخاب مجلس نواب وطني، خارج القيد الطائفي، وفق النسبية، لان من شأن هذه النقلة النوعية أن تفتح آفاقا جديدة أمام النظام السياسي اللبناني، علما أننا في كل ذلك لا نفعل شيئا سوى تطبيق الدستور، «والقصة ما بدها تربيح جميلة..».
ويقول بري: للعلم.. أنا في الحقيقة لست رئيسا لمجلس النواب، بل رئيس لمجلس الشيوخ الذي يمكنك أن تستدل عليه من النظام الانتخابي وتوزيع الدوائر الى حيثيات المكونات البرلمانية وسلوكياتها، وليس تعطيل التشريع سوى أحد مظاهر هذا الواقع، ونحن بالتأكيد لسنا بحاجة الى مجلس طائفي آخر، فإما أن يكون مجلس النواب المستقبلي وطنيا بحق، ومنتخبا على قاعدة النسبية وإما لا مبرر لكل هذا المخاض.
ويلفت بري الانتباه الى أنه فوجئ في اليوم الأخير من الخلوة الحوارية بتبدل في مزاج بعض الحاضرين الذين كانوا إيجابيين قبل 24 ساعة حيال الطرح الإصلاحي، ثم تغير سلوكهم فجأة في اليوم التالي، حيث تراجعت حماستهم وتقدمت سلبيتهم، وهناك من استفاق في اللحظة الأخيرة على مسألة السلاح، ومع ذلك، كان لا بد من أن نواصل المحاولة عبر جلسة الخامس من ايلول.
وبرغم ملاحظاته، يشدد بري على أهمية تجربة الحوار الوطني الذي يبقى مظلة الأمان السياسية الوحيدة في ظل شلل المؤسسات الدستورية، فيما يشكل الجيش مع القوى الأمنية مظلة الحماية الأمنية.
ولكن بري ينبه في الوقت ذاته الى مخاطر بقاء الحوار من دون جدوى وإنتاجية، لان الاستمرار في المراوحة يستنزف جسم الدولة التي تحتضر، محذرا من احتمال الانزلاق نحو الانهيار المالي، ما لم نسارع الى الخروج من نفق الأزمة في أسرع وقت ممكن.