هل فتح الرئيس سعد الحريري الطريق أمام إنجاز التسوية وتشكيل الحكومة؟ أم الذهاب إلى الاعتذار بشرط أن يكون مقدمة لتسوية جديدة؟ يقول الحريري إنّ الأولوية لديه هي لتشكيل الحكومة، أما خيار الاعتذار فمطروح. فحوى الكلام أنّ الحريري لا يزال خلف الرئيس نبيه بري ومبادرته المستمرة على الرغم من تعرضها لضربات كثيرة.
وتعزيزاً لمنطق التسوية وضرورة اخراج البلد من حال المراوحة والانتظار، كتب رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عبر “تويتر”: “لا يمكن الاستمرار في هذه الحالة الانتظارية من قبل بعض المسؤولين وحالة البلاد تتراجع في كل يوم في غياب الحكومة. آن الأوان لجعل التسوية فوق كل اعتبار بعيدا عن الحسابات الشخصية الضيقة. إن مبدأ التسوية ليس بدعة بل أساس في الحياة وفي السياسة، وتذكروا ان الحقد يقتل صاحبه أولا”.
توازياً، مصادر سياسية مطلعة تقول لجريدة “الأنباء” الإلكترونية: “الاستعصاء قائم ومستمر. لا حلول تلوح في الأفق على الرغم من موقف الحريري الذي قد يفتح ثغرة في الجدار، ولكن وفق ما يقول عالمون ببواطن الأمور فإن المسألة تحتاج إلى وقت طويل ريثما تتضح وتتبلور”.
وتشير معلومات “الأنباء” إلى أن هناك جهات دولية تعمل على بلورة اتفاق في لبنان حول مرحلة إنتقالية للخروج من الاستعصاء القائم. لا تصور واضح حتى الآن حول كيف ستكون هذه المرحلة الانتقالية، ولكن سيتم بحث الأمر في الأيام المقبلة مع الرئيس نبيه بري.
وتقول مصادر متابعة إنّ الفرنسيين سيتواصلون مع بري للاتفاق معه على كيفية إنجاح مبادرته، أو إدخال تعديلات عليها لتوفير فرص نجاحها، بينما هناك من يطرح فكرة الاتفاق بين بري والحريري على بديل لترؤس الحكومة ويحظى بموافقة مختلف القوى.
وتضيف المصادر: “حتى الآن لم تصل المساعي إلى هذه المرحلة، فبرّي لن يتخلى عن مبادرته بدعم الحريري إلّا بالاتفاق على بديل يوافق عليه الحريري. هذا الكلام سيبدأ في المرحلة المقبلة بهدف تشكيل حكومة جديدة مهمتها إدارة الانتخابات النيابية المقبلة وتعمل على وضع إطارٍ عام للتفاوض لاحقاً مع صندوق النقد الدولي”.
في المقابل يصل اليوم إلى لبنان مفوّض الشؤون الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، للقاء المسؤولين حاملاً رسالة واضحة وهي ضرورة تشكيل الحكومة بعيداً عن الحسابات السياسية والمصلحية الخاصة لإنقاذ البلاد من التدهور. وبحسب معلومات “الأنباء” الإلكترونية فإن بوريل لن يكون حاملاً أي طرح جديد سوى تفعيل المساعي لإنجاز تشكيلة حكومية. كذلك فإن بوريل سيلوّح بسلاح العقوبات التي قد تتخذ من قبل دول الاتحاد بحق المسؤولين اللبنانيين المتّهمين بالتعطيل والفساد، وأساساً بدأت فرنسا باتّخاذ إجراءاتها العقابية بحق مسؤولين لبنانيين تتهمهم بالتعطيل والفساد عبر إجراءات منع السفر.
وبالحديث عن الموقف الدولي لا بد من التوقف عند المؤتمر الدولي لدعم الجيش، والثقة الدولية شبه الوحيدة بالمؤسّسة العسكرية. وعن هذا المؤتمر أشار الباحث العميد المتقاعد أنور يحيى في حديثٍ لجريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أنّ القوى المسلحة تشمل الجيش، وقوى الأمن الداخلي، والأمن العام، وأمن الدولة، والضابطة الجمركية. وهذه المؤسّسات تعاني من أمرين: الشق المادي، ويتعلق برواتب الضباط والأفراد، والشق المعنوي الذي يتأثّر بتنازع السلطات بدلاً من تكاملها. فالذي قامت به فرنسا وعدد من الدول الأوروبية والولايات المتحدة التي تدعم الجيش، ليس فقط بمواجهة الوضع الاقتصادي الصعب بل ليكون قوة وحيدة لأنّها لاحقاً سوف تتولى الأمن في لبنان، كما رأينا في العام 2008 (عندما) كان الجيش بقيادة العماد ميشال سليمان فقد أبلى البلاء الحسن في مخيّم نهر البارد”.
وقال: “النقطة الأساسية التي يعاني منها الجيش هي الطبابة العسكرية لمن هم في الخدمة الفعلية، والتي كانت تُغطى بنسبة 100%، أما اليوم فقد تراجعت، وهذا يؤثر على معنويات الجنود. فالطبابة يجب أن تتأمن وكذلك قيمة الراتب كما أشار إلى ذلك العماد جوزيف عون، هذا الرجل الموثوق الذي لا يمكن لأحد أن يشكّك بانضباطه وانتمائه، وقد أشار منذ فترة إلى أن راتب الجندي يوازي 90 دولاراً بعدما كان يساوي 1,000 دولار، ما يخلق أزمة على المستوى المعيشي والإنساني، وذلك بالإضافة إلى عدم جهوزية الآليات. فاللوجستيات عند الجيش لا تعني الدبابات والمصفحات والطائرات الحربية، فهناك أشياء كثيرة تتأثر بالتكنولوجيا وتراجع الموازنة”.
ولفت يحيى إلى أنّ، “هذا المؤتمر ضروري جداً، فالدول التي اجتمعت ترى أن الجيش هو أمل حفظ الأمن ومنع الإرهاب”، مذكراً بوقوف الجيش على الحياد في 2005، بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، كما في السابق في ثورة 1958 يوم كان الجيش بقيادة اللواء فؤاد شهاب، آملاً أن تصان معنويات الجيش اللبناني، وهو المستقبل والنبع الأساسي الذي تتفرّع منه القوى الأمنية الأخرى، فهو بمثابة العمود الفقري لحفظ الأمن في لبنان”، مشدداً على توفير الدعم اللّازم لقوى الأمن الداخلي، لأن عدم جهوزيتها بالآليات المطلوبة يؤدي إلى عدم قيامها بمهماتها، وهذا يؤدي إلى زيادة الجريمة. فعدم الجهوزية ليس فقط تراجُع الرواتب، بل تتعلق الجهوزية بقطع السيارات المطلوبة.