متحورات عديدة لفيروس كورونا أبصرت النور منذ ظهور الفايروس في أواخر العام 2019 وحتى يومنا هذا. والظاهر من موقع منظمة الصحة العالمية، أن العديد من هذه المتحوّرات أبصرت النور في خلال الأشهر الستة الأولى من العام 2021. ومن هذه المتحوّرات يُمكن ذكر: جاما (Gamma)، دلتا (Delta)، إبسيلون (Epsilon)، زيتا (Zeta)، إتا (Eta)، ثيتا (Theta)، أيوتا (Iota)، كابا (Kappa)، لامدا (Lambda).
الهدف من هذا المقال ليس الدخول في مجال من خارج إختصاصنا، بل الهدف إلقاء الضوء على تداعيات قرار وزير التربية بالإستمرار بالإمتحانات الرسمية وهو ما قد ينتج عنه كوارث سيتحمّل وزير التربية شخصيًا المسؤولية القانونية الناتجة عنها.
مما لا شكّ فيه أن اللِقاحات التي تمّ وضعها في فترة قصيرة (6 أشهر إلى سنة) ساعدت وتُساعد في خلق مناعة لدى المواطنين وبالتالي هناك إلزامية على جميع المواطنين أخذ اللِقاح حماية لأنفسهم وحماية للأخرين. إلا أن فايروس كورونا يخضع لعملية تحوّل (mutation)، تخلق متحوّرات قد لا تكون اللِقاحات الحالية قادرة على الحماية منها بطريقة فعالة. وعلى رأس هذه المتحوّرات يمكن ذكر المتحوّر دلتا الذي ينتشر بسرعة كبيرة نظرًا إلى إختلاط أعراضه مع أعراض الكريب. ويُحذّر العلماء البريطانيون من أن هذا المتحوّر ينتشر بسرعة بين الصغار نظرًا إلى نشاطهم الجسدي.
عدد الإصابات بمتحور دلتا تخطّى العشرات بحسب المصادر الرسمية، هذا الرقم يرتفع بوتيرة 18 ضعفًا في البيئات التي لم يتمّ تلقيحها بحسب الأرقام الواردة في الدراسات. وبالتالي يُمكن القول إن عدد الإصابات بهذا المتحوّر قد يرتفع بشكل كبير في الأسابيع القادمة خصوصًا أن الأطفال لم يتمّ تلقيحهم وبالتالي فإنهم عرضة للإصابة بهذا المتحور وسينقلونه إلى ذويهم وأقربائهم.
هذا الواقع لم يُغيّر شيئاً من رأي وزير التربية الذي يُصرّ على إجراء إمتحانات رسمية في ظل موجة جديدة لكورونا قد تُطيح بالأخضر واليابس. وهنا نطرح الأسئلة التالية:
لماذا يستميت وزير التربية لإجراء الإمتحانات الرسمية (خصوصًا شهادة البريفيه التي لا قيمة فعلية لها) في ظل ظهور مُتحوّرات الدلتا والإبسيلون؟ هذا الأخير تمّ تصنيفه من قبل باحثين أميركيين على أنه من الأخطر على الإطلاق نظرًا لقدرته على الهروب من الأجسام المضادة المُستخدمة في العيادات وتقليل فعالية الأجسام المضادة من بلازما الأشخاص الذين تلقّوا اللِقاح.
ما هي مسؤولية وزير التربية الجزائية في حال أصيب الطلاب الذين سيتقدّمون إلى الإمتحانات بمتحوّرات مثل دلتا وإبسيلون خصوصًا أن المطلوب ثوان معدودة فقط لإلتقاط المتحوّر دلتا مثلا؟
أين رئيس حكومة تصريف الأعمال من قرار وزير التربية؟ وما هي مسؤوليته القانونية هو أيضاً؟
ماذا سيفعل الوزير بالأولاد الراسبين؟ وأي ظروف تخفيفية يُمكن أن يُقدمها لهم؟
هل سيُقدّم الوزير المحروقات لأهالي الطلاب لإيصال أولادهم إلى أماكن التقديم؟
هل أصبح إجراء الإمتحانات بنظر الوزير ترجمة لإنجاز سيُحقّقه؟ أو أن القضية لها طابع شخصي مع وزير سابق؟
قديمًا كانت شهادة البريفيه تتمتع بقيمة أكاديمية عالية. وكان هدف هذه الشهادة ضمان مستوى التعليم على كل الأراضي اللبنانية. الوقائع تقول إن الطلاب لم يتعلموا المنهج بالكامل الذي تمّ إلغاء ما يُقارب نصفه في ظل ظروف تعليم عن بعد غير مُرضية. هذا ناهيك عن التفاوت الكبير بين المدارس الرسمية والخاصة فيما يخصّ التعليم عن بعد. فهل هناك من نيّة لضرب المدرسة الرسمية؟
على كل الأحوال، السلطة التي تركت شعبها يجوع، لن يكون صعبًا عليها التضحية بالأطفال لإكفاء رغبات وزير في حكومة تصريف الأعمال “غير فاعلة” بالمستوى الأدنى لمعنى الأعمال.
غياب الحكومة
تصريف الأعمال الذي طلب الرئيس حسان دياب تفسيره من قبل المجلس النيابي، يُشكّل الحجة الرسمية التي يستخدمها دياب لتبرير عدم دعوة الحكومة للإجتماع. هذا التفسير لن يراه الرئيس حسان دياب نظرًا للعلاقات المُعقدّة بين الرئاستين الثانية والثالثة، فهل يُبرّر هذا الأمر خطوة دياب بعدم جمع حكومته؟ الجواب كلا!
يُصنّف الدستور على أنه ميثاق بين المواطنين الذين يعيشون في مساحة جغرافية مُعيّنة تُسمّى الدولة. فالدستور هو في خدمة الشعب إلا أن الشعب اليوم، كل الشعب يُعاني من غياب الحكومة، وبالتالي تسقط كل الدساتير أمام مصلحة الشعب!
وبالتالي لا يوجد أي تبرير لعدم إلتئام الحكومة وأخذها القرارات التي تُخفّف من مُعاناة الشعب.
من سيُبرّر للمواطنين طوابير الذلّ التي يتعرّضون لها؟ من سيُبرّر للمواطنين غياب الأدوية من الصيدليات؟ من سيُبرّر للمواطن إرتفاع سعر ربطة الخبز؟ من سيوقف التهريب؟ هذه الأسئلة المشروعة تُشكّل إدانة واضحة لحكومة الرئيس دياب والتي يتوجّب عليها الاجتماع لوقف هذه الفوضى التي ستتحوّل إلى صراع مُسلّح على الأرض بين عصابات التشليح والجيش، وبين المواطنين الغاضبين والجيش.
التهريب المُستمر على قدم وساق، هو السبب الأساسي لفقدان البنزين والأدوية والأغذية من السوق اللبناني. والإحتكار الذي يُمارسه التجار هو السبب الأساسي لرفع الأسعار بشكل جنوني وغير مبرّر.
وهاتان النقطتان يجب حلهما من قبل حكومة الرئيس دياب، وإلا فيجب أن يقوم أحد ما من أهل السلطة بهذه المهمة، إذ لا يعقل وجود مسؤولين متفرجين على دمار وطن وذل شعب وسرقة الثروات. كيف يُعقل أن التاجر الذي يستطيع أن يشتري الدولار على سعر 12000 ليرة على منصة صيرفة، يُفضّل شراء الدولارات على سعر السوق السوداء – أي 17 ألف ليرة؟ لا جواب منطقي على ذلك إلا أن هذه الأموال هي للتهريب وبالتالي لا يُمكن ملاحقتها إذا تم شراؤها في السوق السوداء. ومن ناحية ثانية فقد صار جلياً للعيان التهرّب الضريبي الهائل الذي يحمل التاجر على شراء الدولارات في السوق السوداء لتفادي التصريح عن حجم الأعمال الحقيقية!
وماذا نقول عن البطاقة التمويلية التي وعلى الرغم من إقرار إطارها العام في المجلس النيابي، إلا أنها ما تزال تفتقد التمويل ومعايير التوزيع.
وإذا ترك المجلس النيابي للجنة الوزارية مُهمّة حل هاتين النقطتين، فلن يستقيم الأمر إذ إن هذه المسؤولية كبيرة تتطلّب حكومة بالكامل وليس فقط لجنة وزارية نظرًا إلى البعد الدولي لهذه المُهمّة.هذا الأمر سيأخذ أسابيع إذا لم نقل أشهرًا قبل حلّ المُشكلتين في وقت لا يملك اللبناني ترف الإنتظار حتى تُقرّ اللجنة التمويل والتوزيع، وفي وقت يتعرّض المواطن اللبناني لأبشع الممارسات من المُحتكرين والمُهربين إذ بدأ يفقد مقوّمات العيش الكريم من غذاء وطبابة وخدمات عامة إلى غير ذلك من ضرورات الحياة الكريمة.
إذًا ومما تقدّم نرى ضرورة أن يعمد الرئيس دياب إلى دعوة حكومته للإجتماع لأخذ قرارات كيانية وعلى رأسها وقف التهريب الذي صار يهدد الأمن القومي بعد أن ضرب الأمن الغذائي، وضرب الإحتكار وضرب السوق السوداء وإيجاد تمويل للبطاقة وإقرار معايير الإستفادة منها.
بوادر مجاعة بدأت تلوح في الأفق
بوادر مجاعة بدأت تلوح في الأفق مع تراجع إستهلاك اللحوم بنسبة تفوق الـ 85%! فالمعروف أن إستهلاك اللحوم هو مؤشر سلامة المجتمعات واستقرارها، إذ يمثل الغذاء الإجتماعي الركن الأســاسي في سياسات الحكومات وأهداف المؤسسات الدولية.
وبالتالي فإن هذا التراجع هو مؤشّر خطير على بدء ظهور معالم مجاعة محتملة ستكون دون أدّنى شك إذا حصلت المحفز الرئيسي في التسارع السلبي لديناميكية الفقر ودخول قسم أكبر من اللبنانيين في خانة سوء التغذية، وبالتالي ستظهر في المجتمع اللبناني معالم وعوارض غزت بعض الدول الأفريقية الفقيرة.
لأفق السياسية مُلبّدة بغيوم سوداء قد تكون نذير عاصفة أمنية كبيرة تبدأ من باب سوء التغذية التي سيتعرّض لها المواطن حكمًا. فالمُعطيات السياسية تُشير إلى أن الرئيس الحريري هو على باب قوسين من الإعتذار في ظل إنقسام سياسي حاد سيكون من الصعب جدًا الاتفاق على بديل لا يُسمّيه الحريري خصوصًا أن الثنائي الشيعي يتمسّك بالحريري أو برئيس يُسمّيه هو.
وبفرضية أن الرئيس الحريري سمّى بديلا له، هل ستكون هذه الحكومة قادرة على التفاوض مع صندوق النقد الدولي والباقي من عمرها لا يتخطّى العشرة أشهر؟ الجواب سيكون على الأرجح كلا نظرًا إلى أن بعض الإصلاحات قد تتطلب فترات أطول ولا ضمانة لصندوق النقد أن الحكومة القادمة ستلتزم بما قرّرته الحكومة السابقة
في ظل هذا التعقيد السياسي وغياب حلول خارجية مع تأخر عودة الولايات المُتحدة الأميركية إلى الاتفاق النووي الإيراني، سيكون المواطن عرضة لأصعب الظروف الاجتماعية وهو ما سيؤدّي إلى إضطرابات أمنية ستضع الجيش اللبناني في مواجهة شعبه الجائع وهو موقف لن يكون الجيش محسودًا عليه خصوصًا أن الجيش يتعرّض لنفس الصعوبات الاجتماعية التي يتعرّض لها الشعب وهو أمر مُختلف كليًا عن إحتجاجات 17 تشرين التي كانت فيها الظروف المعيشية أفضل بكثير.
من هذا المُنطلق، نرى ضرورة التواصل مع المُجتمع الدولي لتأمين مُساعدات غذائية وصحّية ومحروقات للشعب اللبناني لتفادي كارثة إجتماعية ومعيشية صنّفها البنك الدولي على أنها الأصعب منذ أكثر من 150 عامًا. وما يؤكّد صحّة قول البنك الدولي هو تقرير اليونيسف الذي قال إن 30% من أطفال لبنان ينامون بأمعاء خاوية! وهذا يعني أن على الأقل هناك 30% من الشعب اللبناني أصبحوا يعيشون في فقر مُدّقع وما بين 10 إلى 15% أصبحوا يفتقرون إلى الســعرات الحرارية الكافية للعيش!
وبإعتقادنا ينطوي تقرير اليونيسف في إطار الإثباتات التي قدّ تُستخدم في المُستقبل أمام المحاكم الدولية ضدّ المعنيين على أنه “عدم مُساندة شعب في خطر” (Non-assistance à peuple en danger) كما وصفه وزير الخارجية الفرنسي. فهل سيقوم الشعب بالادعاء على المعنيين في المحاكم الدولية وفي شرعة حقوق الإنسان بتهمة التواطؤ أو الإهمال الفاحش على التسبب المجاعة والموت والأمراض المميتة؟