الرئيسية / صحف ومقالات / الديار:دولار السوق السوداء وصل الى 20 ألف ليرة… والسلطة في “اللاسلطة المريبة”..بين الفساد وتضارب المصالح وانعدام الضمير…الحكم في لبنان أصبح مُستحيلا.. الاقتصاد في لبنان فوضى مقصودة وسرقات مستباحة ضمن أجندات سياسية 
الديار لوغو0

الديار:دولار السوق السوداء وصل الى 20 ألف ليرة… والسلطة في “اللاسلطة المريبة”..بين الفساد وتضارب المصالح وانعدام الضمير…الحكم في لبنان أصبح مُستحيلا.. الاقتصاد في لبنان فوضى مقصودة وسرقات مستباحة ضمن أجندات سياسية 

الدولار الأميركي في السوق السوداء لامس الـ 20 ألف ليرة، ارتفاع وانهيار إضافي بات اللبناني معتاداً سماعه مع طلوع كل شمس… هذا هو النتاج الطبيعي لإدارة سياسية ومالية إقطاعية للدولة اللبنانية على مدى عقود إضافة الى الارتهان السياسي للخارج في ظل إعادة رسم جيوسياسية وجيو- اقتصادية لمنطقة الشرق الأوسط.

لماذا ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة اللبنانية في السوق السوداء الآن؟ وما الحدث الاقتصادي أو المالي الذي يُبرّر ارتفاع سعر الصرف ألفي ليرة لبنانية في ظل أقلّ من يومين؟ لماذا لا يتمّ لجم السوق السوداء والمتاجرين فيها؟ لماذا لا تتمّ ملاحقة التجّار الذين اشتروا الدولار على سعر منصة صيرفة وباعوه على سعر صرف السوق السوداء؟ كل هذه الأسئلة وغيرها تسلّط الضوء على الفوضى المخطط لها من قبل متنفذين والتي يعيشها لبنان بدءًا بغياب (أو التعطيل المتعمد) تطبيق القوانين وصولا إلى فتح باب الاحتكار والتهريب والتلاعب بالأسعار، وكل ذلك بمباركة وتواطؤ أصحاب النفوذ.

الأزمة التي تعصف بلبنان أدّت الى ضرب مقومات الكيان اللبناني الاقتصادية، والمالية والنقدية والاجتماعية. هذه المقومات كانت في الأساس ضعيفة مع تفاقم أزمة الدين العام ومالية الدولة والفساد المستشري. وكان من واجب الحكومات المتعاقبة القيام بعدد من الخطوات بهدف تخفيف الأزمة، إلا أن التركيبة السياسية اللبنانية برزت كعقبة رئيسية أمام هذه الخطوات، إذ نجد أن المسؤولين السياسيين في لبنان يصرفون أوقاتهم بالجدالات السياسية العقيمة (أو ما يسمى بحوار الطرشان) التي تؤدي دوراً أساسياً في تردّي الأوضاع المعيشية والفلتان الأمني الذي أصبح شبه يومي مع حوادث فردية غالبًا ما يكون السلاح مستخدمًا فيها.

ولا يُخفى على أحد أن الوقود الطائفي أجج الحرب الأهلية لتأخذ بعدها الخلافات طابعا حزبيا داخل الطوائف نفسها. واستغلت القوى السياسية المصالحة التي وضعت نهاية لهذه الحرب لتُرسّخ وجودها داخل الدولة ومؤسساتها حيث أصبحت هذه الدولة على صورة الأحزاب السياسية التي أصبحت هي الدولة العميقة.

نهاية عام 1965، كان الفرنسيون ينتخبون رئيسًا لهم لأول مرّة مباشرة من الشعب. وخلال مناظرات المرشحّين على التلفزيون، كان للمرشح شارل ديغول خطاب أقل ما يُقال فيه إنه ينطبق على الحالة اللبنانية بامتياز. ففي مقابلة من ثلاثين دقيقة قال ديغول إن “المؤسسات والدستور هي نتاج ورقة تصويت. والأهم على هذا الصعيد هو ماذا بداخل هذه الورقة؟”. وأضاف “لقد أنهينا نظام الحزب، وكان الهدف منع الأحزاب من وضع اليدّ على الجمهورية وعلى الدولة، وألا تكون رهينة تقديراتهم. وبهذه الروح تم وضع الدستور، وأنا متأكد من أن الناس وافقوا عليه بهذه الروح. لذلك، إذا استولت الأحزاب على المؤسسات والجمهورية والدولة، فمن الواضح أن لا قيمة لشيء بعد ذلك وسنعود إلى الوضع الذي كنا عليه قبل الدستور، أي سنعود إلى حكومة الأحزاب. وأنا متأكد من أنها ستكون، كارثة وطنية”.

 

النظام الاجتماعي

إن مشكلة النظام الاجتماعي هي مشكلة تاريخية ومشكلة فلسفية في آن واحد، ومزج هاتين المشكلتين أدّى إلى هامش ضيق في تفسير هذا النظام الاجتماعي. وتوزيع البشر إلى مجموعات هو واقع يشهد عليه التاريخ من ناحية الثبات والشمولية ، وهي مشكلة تاريخية. أما سبب وآلية هذا التوزيع فهي مشكلة فلسفية. ومشكلة التوزيع البشري – الموجودة أيضاً لدى جميع الكائنات الحية – ليست خاصة ببلد معين بل تشمل العالم كله، لكن في غياب قوانين تحكم وتُنظم الأوضاع، تأخذ هذه المشكلة منحًى أخر، وتُشرّع قانون الغاب.

التوزيع في لبنان هو توزيع طائفي، مذهبي، مناطقي، عقائدي…إلخ، تختلف أولوياته بحسب الأسباب التي تُظهر حدته ولكن مصلحة “الأنا” هي أولوية في كل الظروف بحسب نظرية الـ Rational Self Interest. ومن المؤسف القول، إن هذا التوزيع تغلغل في المجتمع على كل الأصعدة: التربوية، والسياسية، والجغرافية، والاقتصادية… وأصبحت أفعال الشخص ترجمة لمصالحه الشخصية كما ولمصالح المجموعة التي ينتمي إليها.

وإذا كان انتماء شخص إلى مجموعة هو انتماءً صادقًا نابعأ من عاطفة وإدراك بحسب فلسفة أفلاطون، إلا أن هذا الانتماء يُصبح أقل صدقاً عندما يكتشف هذا الشخص الكم الهائل من المصالح التي قد تأتيه جراء انتمائه الى هذه المجموعة. ومن الجوانب السيئة للتوزيع البشري، يُمكن ذكر الفساد، تضارب المصالح، وعدم كفاءة أصحاب القرار.

 

الفساد

يُعرّف الفساد على أنه إساءة استعمال السلطة، المعطاة بوكالة، لأغراض الإثراء الشخصي. ومن أكثر التعريفات التي أُعطيت للفساد، التعريف الذي أعطاه “روبرت كليت غارت” الذي قال إن (الفساد = إحتكار + سلطة – شفافية). وتكمن أسباب الفساد في غياب الإدارة الرشيدة – أي إطار تشريعي غير ملائم، ونظام قضائي غير فعال، وعدم الشفافية- وغياب سياسات محاربة الفساد، والضعف المؤسساتي لمؤسسات الدولة و/أو المؤسسات الخاصة، والأجور المنخفضة لبعض المراكز الحساسة، والثقافة المحلية.

يظهر الفساد مع تلاشي الحدود بين منطق المصلحة العامة ومنطق المصلحة الخاصة. ويعتبر العديد من الباحثين السياسيين أن عدم قدرة الأحزاب السياسية على تمويل نفقاتها من رسوم المنتسبين اليها أدى دورًا أساسيًا في تشريع الفساد (مثلا المناقصات العامة). هذه المشكلة تمّ حلّها في فرنسا من خلال قانون يفرض تمويل الأحزاب السياسية من الخزينة العامة بحسب نتائج الانتخابات النيابية ويمنع عليها أي تمويل آخر.

في لبنان، الفساد يتناول أصحاب النفوذ على كل المستويات، حتى الموظف البسيط في دائرة رسمية أصبح رهينة الفساد بداعي الحاجة في أغلب الأحيان. وعليه، أصبح لبنان يظهر في المراتب الأولى على لائحة الفساد (Transparency International). وكنتائج مباشرة لهذا الفساد، يُمكن ذكر حرمان خزينة الدولة من المداخيل، وإضعاف شركات لحساب شركات أخرى، وتأخير المعاملات الإقتصادية، والاحتكار، وغياب الإصلاحات، وغياب الخطط الاقتصادية، وغياب الإنماء، وتوزيع غير عادل للثروات… في المقابل، قبول المواطن الفساد نابع بالدرجة الأولى من غياب قدرته على الحصول على حقوقه من خارج منظومة الرشوة. أمّا بالنسبة للشركات فهي ولتسيير أعمالها، لا تتردد في “إطعام” أصحاب القرار.

 

تضارب المصالح

إن تضارب المصالح يظهر عند شخص أو منظمة في حال وجود أكثر من مصلحة لهذا الشخص أو المنظمة، وهكذا فإن وجود عدة مصالح يؤثر في قرار الشخص تجاه إحدى المصالح على حساب المصالح الأخرى مع انتفاء منطق المصلحة العامة. ولا يُمكن الحديث عن تضارب المصالح إلا ضمن منصب فاعل وهو في حال القطاع العام أوالرسمي حيث تتضارب مصالح الشخص مع المصالح العامة في إطار المهام التي أوكلت إليه. وتضارب المصالح متفشٍ في لبنان، ويشمل كل القطاعات بما فيها القطاع الاقتصادي والقضائي والاجتماعي…

هذه المشكلة تمّ تخطّيها في فرنسا عبر وضع قانون يمنع على كل من يتعاطى الشأن العام تعاطي الشأن الخاص (سواء اقتصادي أو سياسي…) مما يُعطي للشخص حرية في تقييم الوضع بكل موضوعية. أمّا القطاع الخاص، فقد شهد نشوء مبدأ “سور الصين”، وهو مبدأ يُستخدم في الشركات المالية لفصل مصلحة الزبائن عن مصلحة الشركة. وفي البلدان المتطورة اقتصادياً، نرى قليلاً من الشركات الكبيرة والمتوسطة الحجم مرؤوسة من قبل أصحابها (Corporate Governance).

تشابك المصالح بين القطاعين العام والخاص هو أمر مُلفت في لبنان، فدورالهيئات الإقتصادية حيال الوضع الاقتصادي لم يكن دائمًا على المستوى المطلوب. والسبب يعود إلى تشابك المصالح حيث نجد أن معظم الساسة اللبنانيين يمتلكون مصالحهم الخاصة ولا يترددون في استعمال صلاحيات السلطة لدعم أعمالهم الخاصة والعكس بالعكس. وأدّى الأداء السياسي اللبناني خلال ثلاثة عقود إلى خلق دويلات طائفية داخل المجتمع اللبناني نتج منها انقسام حاد على جميع الأصعدة. ودخلت المحسوبيات السياسية في صميم القطاع الخاص حيث أصبحت الشركات محسوبة بالكامل على فرقاء سياسيين تخدم مصالحهم ويخدمون مصالحها وهو ما أدى إلى ربط أداء الشركة التجاري بشكل مباشر بالوضع السياسي.

من هذا المنظار، نجد أن الطبقة السياسية نجحت في تفضيل مصالحها الخاصة على حساب ما أوكل إليها من تنظيم مصالح الناس وتأمين حقوقهم العادلة، إذ العلاقة بين ما خططت إليه وبين ما أوكل إليها هي علاقة سلبية Negatively correlated، وبالتالي فهي تتحمل مسؤولية نتائج الأزمة التي يتخبّط فيها لبنان.

 

عدم كفاءة أصحاب القرار

عدم كفاءة أصحاب القرار هو مُشكلة إدارية – اجتماعية – وظيفية بحثها العالمان “لورانس بيتر” و”ريمون هول” في العام 1970 حيث قاما بوضع مبدأ سُمّي بـ “مبدأ بيتر”. وينص هذا المبدأ على أنه تتم ترقية الأفراد في الهرم الوظيفي ما داموا يعملون بكفاءة عالية، وبالتالي عاجلاً أم آجلاً ستتم ترقيتهم إلى مركز وظيفي لا يستطيعون فيه تحقيق الكفاءة نفسها التي أعطوها سابقًا. من هنا استنتج بيتر أنه “يأتي الوقت الذي سيكون فيه كل منصب وظيفي مشغولاً بموظف غير كفوء”. والنتيجة، بحسب بيتر، أن “الأشخاص غير الكفوئين هم الذين يسيطرون على المناصب المهمة على الرغم من أنهم يفتقرون إلى الخبرة فيها”. ومنذ أهم الأضرار على الاقتصاد والناتجة من عدم كفاءة الأشخاص في مركز القرار، تفويت الفرص وهي خسائر بحسب النظرية الاقتصادية. من هنا أهمية آلية انتقاء الأشخاص الكفوئين في عملهم وأن تكون هذه الآلية شفافة وفعالة.

ويُمكن القول إن النظام السياسي في لبنان يؤدي دوراً سلبياً في تدارك الوضع الاقتصادي من قبل المعنيين في الدولة الى حد منعهم من التعامل مع الوضع بمسؤولية وطنية تغلب فيها مصلحة الوطن على المصالح الشخصية. لذا من الضروري العمل تشريعياً على نصّ قوانين تتناول محاربة الفساد، تضارب المصالح وكفاءة الأشخاص المولجين بتولي مناصب عامة.

هذه العوامل الثلاثة، تُشكّل المكونات الأساسية لفشل الحوكمة في لبنان خصوصًا على الصعيد الاقتصادي، والمالي والنقدي والاجتماعي.

 

الدولار لامس عتبة الـ 20 ألفا

لا منطق اقتصادي وراء ارتفاع الدولار في السوق السوداء! الأسباب النظرية وراء هذا الارتفاع هي أن المصارف تقوم بجمع الدولارات في السوق السوداء لغرض تطبيق التعميم 158؛ والتجار الذين يقومون بشراء الدولارات بهدف التهريب والاحتكار؛ والأجندات السياسية التي تدفع بالدولار إلى الارتفاع من خلال التلاعب بالتطبيقات؛ وتهريب الدولارات إلى الخارج.

في كل الأحوال لماذا لا تتمّ ملاحقة المخالفين نظرًا إلى أن الأسباب الآنفة الذكر وراء ارتفاع سعر صرف الدولار في السوق السوداء كلها مُخالفة للقانون؟ لماذا تغيب الأجهزة الرقابية والأمنية عن ملاحقتهم؟ هل من تشابكٍ وتلاقٍ في المصالح بين أصحاب النفوذ والتجار؟!

في الواقع لا يوجد أي تبرير خلف ارتفاع سعر الدولار بهذه الوتيرة، إلا أن هناك تلاعبًا بالسعر. وبالنظر إلى الرسم البياني الموجود والذي يشرح علاقة سعر الصرف في السوق السوداء بكل من طبع العملة، والاحتياطي الإلزامي ومؤشر الأسعار، نجد أن طبع العملة يؤثر بشكل متواصل (Continuous) وليس بشكل مُتقطّع (Discrete)، كذلك الحال بالنسبة إلى احتياطات مصرف لبنان من العملات الأجنبية. إلا أن التضخّم الذي يمارسه التجار من خلال رفع الأسعار بشكل كلما ارتفع الدولار في السوق السوداء يرفعون الأسعار ولا يخفضونها مع انخفاض سعر صرف الدولار، هو ذو تأثير كبير في عملية ارتفاع سعر الدولار! وهذا يستلزم وجود علاقة ثنائية بالاتجاهين (تضخم الأسعار وسعر صرف الدولار في السوق السوداء). وهكذا فإن هذه العلاقة من الناحية الاقتصادية، تمنع الدولار من الانخفاض إلا في حال الفصل بينهما.

على كل الأحوال، لا يُمكن للوضع المعيشي الاستمرار على هذا النمط حتى الانتخابات النيابية المقبلة من الناحية المنطقية والاقتصادية العلمية. إلا أن المتوقع هو خلاف ذلك، إذ سيبقى أصحاب النفوذ يخلقون “ميني” أزمات (Mini Crises) ثم يحلونها لتنفيس غضب الشارع وترسيخ فكرة أنهم ما زالوا قادرين على القيام بدورٍ مهمٍ في تخفيف الأزمات. ومن المتوقّع أيضاً من الناحية الاقتصادية والمنطقية أن يكون الانفجار المعيشي قريبًا عندما تصبح ربطة الخبز والدولار الأميركي في السوق السوداء بمستويات عالية كما يحصل في فنزويلا الدولة النفطية الغارقة في الفوضى السياسية والاقتصادية، وهنا السباق بين الانفجار وقدرة السلطة مجتمعة على دوام إلهاء الناس بقصة المجاعة الحتمية مقابل قبول الارتفاع الجنوني للأسعار. فعلى المواطن أن يختار بين بقاء السلطة الحاكمة والارتفاع المطرد للأسعار، مقابل فقدان السلع كليًا والمجاعة.

القصة برأينا الاقتصادي قد شارفت على خواتيمها، والخيار بيد الشعب. فماذا في جعبة الشعب اللبناني؟

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *