كتبت صحيفة “الأخبار” تقول: محطة الانتخابات النيابية هي بداية الصراع الحقيقي على النظام لا نهايته، هذا ما تؤكّده درجة التعبئة التي تلت يوم الاقتراع. التوازنات الجديدة تضع البلاد أمام نمط آخر من المواجهات ستظهر في الاستحقاقات المتمّمة لاستحقاق 15 أيار، من انتخاب رئيس مجلس النواب وتأليف الحكومة، ثم انتخاب رئيس للجمهورية، فضلاً عن إدارة الملفات الحياتية.
ويبدو واضحاً من خلال رصد المواقف استشعار غالبية الأطراف أن البلاد دخلت حقبة جديدة، أخطر ما فيها غموضها الذي لا يخفي أن ثمّة من يريد أن تكون المواجهة عنوانها الأساسي، وأول اختباراتها هو انتخاب نبيه بري رئيساً للمجلس النيابي الجديد. فباستثناء كتلته «التنمية والتحرير»، التي رشحته أول من أمس، وكتلة «الوفاء للمقاومة» وبعض حلفائهما، رفعت غالبية الكتل النيابية الورقة البيضاء في وجهه، وإن كانَ ذلِك لن يمنع تربعه على الكرسي لولاية سابعة. لكن المرجّح أن يفتقد فوزه هذه المرة طعم الانتصار. وفي كل الأحوال، لا تزال جلسة انتخاب رئيس المجلس، التي يتعيّن على بري (كونه رئيس السنّ) أن يدعو إليها كحدّ أقصى في الأسبوع الأول من حزيران المقبل، غير متاحة حتى الآن، وهي رهن اتصالات مكثفة للحدّ من أجواء التوتير التي رافقت إعلان كتل وأصوات نيابية رفضها التصويت له.
مواقف نهاية الأسبوع الماضي أشّرت إلى ما ستحمله الأيام المقبلة، بدءاً من إعادة تأكيد أكبر كتلتين مسيحيتين رفضهما منح أصواتهما لبري. إذ كرّر رئيس حزب «القوات» سمير جعجع أن القوات لن تنتخبه، والأمر نفسه، وإن مواربة، أشار إليه رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في «احتفال النصر»، السبت الماضي، عندما سأل: «ماذا يمنع أن يكون هناك مرشحون آخرون لرئاسة مجلس النواب»، واضعاً «لائحة شروط» لإعادة انتخاب بري يُفهم منها أن كتلة التيار لن تنتخبه، أما «من يفكر بأن يقايضنا بين رئاسة المجلس ونائب الرئيس فغلطان ومسترخصنا».
رغم ذلك، في الكواليس كلام كثير عن أن فتح معركة رئاسة المجلس «ليس موجهاً ضد بري شخصياً»، بل هو معركة على «موقع نائب رئيس المجلس» الذي يريده البعض ثمناً للتصويت لبري. وتقول مصادر بارزة إنه «في المرحلة الحالية الكل يحتاج إلى الكل، ولذا الجميع يعلّي سعره لكي يحقق مكسباً. وبما أن بري هذه المرة لا يضمن غالبية ساحقة ويحتاج إلى بوانتاج عالٍ، يرى البعض أن عليه أن يدفع مقابل عدد من الأصوات يحفظ له ماء الوجه»، فيما تعبّر مصادر أخرى عن الخشية من أن «هناك أطرافاً تريد أن تدفع البلاد في اتجاه المواجهة الكبرى، مع علمها بأن نصف المعركة الانتخابية التي خاضها حزب الله وحركة أمل هدف إلى عدم حدوث أيّ خرق في أيّ من المقاعد الشيعية لضمان عدم وجود منافس على رئاسة المجلس، فضلاً عن أهمية الموقع بالنسبة إليهما، ولا سيما في ظل الظروف الداخلية والخارجية المحيطة بالبلد».
وعلمت «الأخبار» أن الأسبوع الجاري سيشهد تكثيفاً للاتصالات والمداولات. وإلى جانب المساعي التي يقودها حزب الله، تحدثت معلومات عن لقاء سيجمع بري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لـ«البحث في آخر التطورات ونتائج الانتخابات والتكتلات الجديدة في مجلس النواب والاتفاق على كيفية التنسيق في المرحلة المقبلة». أما في ما يتعلق بالتيار الوطني الحر، فقالت مصادره إن «التكتل لم يناقش بشكل جماعي بعد موضوع رئاسة المجلس، ومن المفترض أن يعقد اجتماعاً هذا الأسبوع للبحث في مواضيع عدة؛ من بينها التصويت». وفيما تحدثت مصادر مطّلعة عن احتمال أن يلجأ العونيون وآخرون من المستقلين الى ترك الخيار للنواب بشأن التصويت لرئيس المجلس، وسط ملامح دعوات الى مقاطعة الجلسة من قبل بعض المعارضين لانتخاب بري، بدأت بالظهور ملامح معركة أخرى بين القوات من جهة والقوى «التغييرية» و«السيادية»، عنوانها موقع نائب رئيس المجلس. إذ تصرّ القوات على انتزاع المنصب لمصلحة غسان حاصباني وقد بدأت تستعين بقوى خارجية لإقناع النواب الجدد بدعمه في وجه مرشح التيار إلياس بو صعب، علماً بأن هؤلاء يميلون الى ترشيح النائب المنتخب ملحم خلف ويعوّلون على حصوله على دعم كبير حتى من القوى التقليدية، وأن «المستقلين» و«التغييريين» لم يتفقوا في ما بينهم، حتى الآن، على صيغة مشتركة، إذ تشير مصادرهم إلى أن «هناك اجتماعات تنسيقية ستعقد هذا الأسبوع لمناقشة عدد من الخيارات؛ من بينها القدرة على خلق إطار سياسي ككتلة نيابية يحافظون فيها على نوع من التمايز».
وعلى عكس الأجواء الملتهبة في الداخل، فإن المعطيات الخارجية توحي بوجود مبادرات من شأنها تخفيف التشنّج من بينها اتصالات بدأها الفرنسيون منذ ما قبل الانتخابات مع القوى السياسية، من ضمنها حزب الله، أكدوا خلالها أنهم ملتزمون مساعدة لبنان، وأن هناك مساعي لعقد مؤتمرات ولقاءات لإطلاق عجلة الإصلاحات لمنع الانهيار، فيما تشير مصادر مطلعة إلى أن «المفاوضات الإيرانية – السعودية بلغت مرحلة متقدمة وتتضمّن مساعي من الطرفين تهدف الى تبريد الساحات التي فيها اشتباكات، وقد ينعكس ذلك إيجاباً على لبنان في الفترة المقبلة سيبدأ من خلال الدعوة الى مراقبة التصريحات الإعلامية». أما في ما خص الأميركيين، فيلتزمون الصمت من دون تقديم إشارات سلبية أو إيجابية، باستثناء التأكيد على أهمية ملف ترسيم الحدود البحرية بالنسبة إليهم.