كتبت صحيفة “الديار” تقول:
الحلول الترقيعية للمعضلة الحكومية وضعت على «الطاولة» دفعة واحدة، نتيجة العجز والاخفاق في ايجاد خطط الانقاذ المستدامة للاوضاع السياسية والاقتصادية المنهارة في البلاد على ابواب الفراغ الرئاسي الذي بات يتعامل معه الجميع على انه امر واقع لا محالة، في ظل التعادل السلبي للقوى داخل البرلمان «التعطيلي». وقد انطلقت ورشة «الروتوش» على الحكومة دون اوهام كبيرة بامكانية تغيير واقع الحال مع تحولها الى حكومة كاملة المواصفات، من اضاع الوقت والفرص في الاشهر القليلة الماضية يريد في «الربع الساعة» الاخيرة «التسجيل» في «مرمى» العهد، الذي يجد نفسه ملزما بالتراجع عن شرط تطعيم الحكومة بوزراء سياسيين بعدما وصلت الامور الى «حائط مسدود»، فيما المنتصرون يرقصون حول نعش الدولة المنهارة وفوق قبر جثث اللبنانيين اللاهثين وراء لقمة العيش التي تصادرها مافيات الكهرباء، والافران، والمدارس، والمستشفيات، وكل من في يده القدرة على النهب والسرقة.
في هذا الوقت، لا يزال الاسم العتيد لرئيس الجمهورية المقبل «يتقلّب» على «نار هادئة» في «كواليس» الداخل اللبناني الحذر من مرحلة «حرق الاسماء»، والخارج الذي دخل مرحلة التقييم الاولي لاسماء المرشحين قبل بدء ساعة المقايضة الاقليمية والداخلية، وقد افتتح الفرنسيون «البازار» مع السعوديين في عملية «جس نبض» اولي لمقايضة الرئيس المرضى عنه من قبل حزب الله برئاسة حكومة العهد الاولى. اما ملف «الترسيم»، فيبدو انه بات على «نار حامية» بعد ان نجحت المقاومة في «حشر» الجميع في الزاوية في ظل تسليم «اسرائيلي» بانعدام خيار المناورة الذي سيؤدي حتما الى «مشكل» غير محدود في المكان والزمان.
الحراك الرئاسي
في هذا الوقت، يجري في الكواليس «تشريح» الاسماء الجدية المرشحة للدخول الى بعبدا عقب انتهاء ولاية الرئيس عون، وفيما افتتح السفير السعودي الوليد البخاري جولاته الانتخابية من دارة رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حيث افادت المعلومات انه ابلغه بان المملكة تريد رئيساً لا ينتمي الى 8 آذار، مؤكدا ان «السعودية لن تدخل في لعبة الأسماء»، اكدت مصادر ديبلوماسية أن الاتصالات الفرنسية – السعودية لم تتوقف اثر عقد الاجتماع الاخير في باريس، وجرى التواصل مجددا بين الخلية المشتركة التي تهدف الى متابعة الملف اللبناني في محاولة للاستفادة من الاستحقاق الرئاسي لجعله معبرا نحو دينامية سياسية – واقتصادية جديدة تخرج البلاد من ازمته الراهنة.
اتصالات سعودية- فرنسية
ووفقا لتلك الاوساط، فأن الاجتماع الذي حضره عن الجانب الفرنسي المستشار باتريك دوريل، ورئيس المخابرات الخارجية برنار إيمييه، وسفيرة فرنسا في لبنان آن غريو، وعن الجانب السعودي الوزير نزار العالولا، وممثل عن المخابرات السعودية، والسفير السعودي في لبنان وليد البخاري، لم يخلص الى نتائج واضحة بسبب عدم وضوح الرؤية لدى السعوديين المصرين على ايجاد اجابات واضحة حول مستقبل العلاقة بين حزب الله والدولة اللبنانية التي يرون انها «مخطوفة». لكن اتصالات جديدة حصلت نهاية الاسبوع الماضي حصر فيها النقاش بملف الانتخابات الرئاسية، وقد شدد الجانب الفرنسي على ضرورة حصول الاستحقاق في موعده او في موعد قريب لا يتعدى بضعة اسابيع، على ان لا يكون رئيس تحدي بل رئيسا توافقيا قادرا على وضع لبنان على سكة النهوض بعد اجراء الإصلاحات المطلوبة.
«تحفظ» على المقايضة؟
ووفقا لتلك المصادر، فتحت باريس «البازار» الرئاسي من خلال عرض قدم الى السعوديين للمقايضة بين الرئاسة والحكومة ، وجرى طرح اسم سليمان فرنجية كمرشح مقبول يرضي حزب الله، مقابل أن تعمل باريس على «جس نبض» الحزب لضمان الإتيان برئيس حكومة محسوب على الرياض، إلا أن الجانب السعودي «تحفظ» على المقترح، هو اقرب الى الرفض الديبلوماسي، وذكروا بتجربة الرئيس عون. في المقابل تساءل السعوديون عما إذا كان قائد الجيش العماد جوزاف عون مرشحا مقبولاً بالنسبة لهم، فلم يستعجلوا الرد كي لا «يحرق» الاسم، لكنهم تركوا «الباب مواربا»، لكن الجانب السعودي أبلغ نظيره الفرنسي أن الولايات المتحدة وقطر ومصر تفضل ترشيح قائد الجيش على سواه. وتم الاتفاق على عقد لقاء في شهر تشرين الاول المقبل. وعلم في هذا السياق، ان باريس شجعت الرياض على استغلال دعوة «الثنائي الشيعي» للتوافق على اسم رئيس، وهذا يعني برأيها اقرارا بعدم قدرة هذا الفريق على ايصال مرشحيه ما يفتح الباب أمام التوصل الى تسوية مقبولة من الجميع.
هل عادت السعودية؟
وفي السياق، لم تحصل باريس على اجوبة سعودية عما اذا كانت ستعود لممارسة دورها في إدارة الملف السني في لبنان، ولم يتبن السعوديون اللقاء الذي سيعقده مفتي الجمهورية اللبنانية عبد اللطيف دريان للنواب السنّة، لكنهم يرون فيه مقدمة لإعادة هيكلة «الفراغ» الذي سببه غياب «تيار المستقبل»، علما ان 23 نائبا من اصل 27 سيحضرون اللقاء السبت المقبل، وبناء على النتائج قد يدعو السفير السعودي الوليد البخاري الى اجتماع مماثل قريبا.
«تعويم الحكومة»
في هذا الوقت، يتقدم تعويم الحكومة على ما عداه من استحقاقات خصوصا الاستحقاق الرئاسي، ومع ترجيح «الولادة» فور عودة الرئيس المكلف نجيب ميقاتي من نيويورك، مع سعي جدي كي تسبق ولادتها الجلسة النيابية المقررة الاثنين المقبل لإقرار الموازنة، وتشير المعلومات الى ان ميقاتي التقى رئيس المجلس النيابي نبيه بري، فور عودته من بعبدا بعد اجتماعه بالرئيس عون مبدياً أمامه تفاؤله بتذليل العقبات التي تعترض تعويم الحكومة الحالية، وتوقع تعويمها في الأيام المقبلة، وربما يوم السبت المقبل في حال عودته في وقت مبكر من نيويورك، ما لم يطرأ أمر طارئ يؤدي إلى إعادة خلط الأوراق، خصوصا انه وبري متفقان على عدم ضم 6 وزراء دولة سياسيين كما كان يطالب الرئيس عون. وهما بذلك يعتبران انهما حققا ما يريدانه من خلال عدم منح الرئيس اي جوائز ترضية عشية خروجه من بعبدا.
لماذا عون متفائل؟
وفي ملف «الترسيم» توقفت مصادر مطلعة عند كلام رئيس الجمهورية ميشال عون، امام المنسّقة الخاصة للأمم المتحدة في لبنان جوانا فرونتسكا، حيث ابلغها أنّ مفاوضات ترسيم الحدود البحرية الجنوبية باتت في مراحلها الأخيرة بما يضمن حقوق لبنان في التنقيب عن الغاز والنفط في الحقول المحدّدة في المنطقة الاقتصادية الخالصة له، مشيراً إلى أنّ التواصل مع الوسيط الأميركي آموس هوكشتين مستمر حول بعض التفاصيل التقنية المرتبطة بعملية الترسيم. ولفتت تلك الاوساط الى ان كلام الرئيس مبني على تواصل حصل في الساعات القليلة الماضية بين نائب رئيس المجلس النيابي الياس بوصعب «والوسيط» الاميركي الذي نقل اليه مناخات «اسرائيلية» ايجابية ازاء مجمل تطورات الملف، فيما كان الرد الاولي اللبناني على احداثيات الخط «الازرق البحري» مشجعا كونه حمل ملاحظات تقنية يمكن تجاوزها مع العدو الاسرائيلي.
«رسالة» فرنسية
ووفقا لتلك الاوساط، لن يتأخر هوكشتاين في العودة الى بيروت قريبا، فيما تبلغت بيروت من باريس اجواء مشجعة ايضا قبيل زيارة وفد «اسرائيلي» رفيع المستوى للعاصمة الفرنسية حيث سيحضر الملف اللبناني على هامش الاتصالات حول الملف النووي الايراني. وقد ذكرت أوساط أمنية في «تل أبيب» أن رئيس أركان «الجيش الإسرائيلي» أفيف كوخافي، سيستغل لقاءاته مع القيادات العسكرية والأمنية في فرنسا، لنقل رسالة يؤكد فيها أن «إسرائيل» غير معنية بتدهور عسكري، وتحبذ إنجاز المفاوضات بينها وبين لبنان باتفاق حول ترسيم الحدود في المياه الاقتصادية، لكنها سترد بقسوة على أي هجوم لحزب الله. ودعت تلك الاوساط الى عدم التوقف كثيرا عند اعلان الحكومة «الإسرائيلية» بان ضخ الغاز من حقل كاريش سيحصل متى أصبح ذلك ممكناً تقنياً دون أي علاقة بالمفاوضات مع لبنان، لانه تصريح للاستهلاك الداخلي.
الحل لصالح لبنان؟
وفي السياق نفسه، ازداد منسوب التفاؤل لدى المستوى السياسي في «إسرائيل» ولدى جهازها الأمني حول احتمالية التوصل إلى التسوية النهائية للخلاف في الفترة القريبة القادمة. بحسب صحيفة «هارتس الاسرائيلية» التي لفتت الى انه في خلفية المشهد يقف التقدم في الاستعدادات «الاسرائيلية» قبل التنقيب عن الغاز في حقل «كاريش» وتهديدات حزب الله بمنع الحفر والاستخراج إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق. ووفقا للصحيفة، يتركز اقتراح «الحل الوسط» المقدم من قبل «الوسيط» الاميركي عاموس هوكشتاين على الخط 23، وهو الخط الوسط بين طلب لبنان الأكثر جنوباً بشأن تموضع الحدود، وبين «الخط الإسرائيلي» الأكثر شمالاً، والخط المقترح أقرب إلى طلب لبنان. في الاتصالات غير المباشرة، طلبت «إسرائيل» إجراء التغيير لصالح لبنان في عمق المنطقة وليس قرب الشاطئ، بهدف توفير مجال دفاع أكبر من تهديدات محتملة من البحر قرب الشاطئ.
تنازلات ودخول قطري؟
وبحسب الكاتب المقرب من الاجهزة الامنية «الاسرائيلية» تسافي بارئيل، فان القيادة العليا في «إسرائيل» مستعدة لتقديم تنازلات على اعتبار أن الإنجاز الأهم سيكون في استقرار العلاقات بين الطرفين في البحر ومنع احتمالية تصعيد أمني على هذه الخلفية مستقبلاً. وقد صممت «إسرائيل» على بقاء بئر كاريش داخل حدودها، وهذا ما سيحدث حسب الاقتراح الأميركي. واظهرت» سخاء أكبر» تجاه لبنان في تحديد مسار الحدود في منطقة حقل «قانا» شمال شرقي كاريش، على فرض أن البدء في الحفريات سيساعد على تحقيق استقرار بعيد المدى. وفي هذا السياق تبذل الولايات المتحدة جهودا لإشراك قطر في التنقيب عن الغاز في الطرف اللبناني للحدود البحرية، بعد إخراج الشركة الروسية من الصفقة بسبب العقوبات التي فرضها المجتمع الدولي على موسكو لغزوها أوكرانيا. الأمل الآن هو أن يزيد انضمام قطر تدفق الأموال من أجل الاسراع في عملية التنقيب.
استفزاز لا حرب؟
هذا، وتستمر «إسرائيل» في بذل جهودها لإقناع المجتمع الدولي في التوصل إلى اتفاق في موضوع الحدود البحرية وتهدئة حزب الله حتى لا تتطور أحداث استثنائية في الشمال. لكن ووفقا للمعلومات لا تستبعد «إسرائيل» احتمالية أن يثير حزب الله «استفزازاً» آخر، لكنها قدرت بأن احتمالية ذلك آخذة في الانخفاض على خلفية اقتراح الحل الوسط الجديد الأكثر سخاء للبنان، الذي نقله الأميركيون، وإزاء الاعتماد المتزايد للحكومة في بيروت على اكتشافات الغاز على أمل تحقيق تحسن في الاقتصاد.
«هبة» او لا «هبة»؟
في هذا الوقت، سادت البلبلة امس، بشأن تصريحات صادرة عن الخارجية الايرانية بشأن هبة الفيول المفترضة للبنان، ففيما كان الوفد الرسمي اللبناني يجول في طهران، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني، إن طهران تحاول مساعدة لبنان على حل مشاكله الاقتصادية، لا سيما بشأن الطاقة، لكنه اكد انه لا يوجد» حديث عن تقديم أي منح مجانية». على الاثر تواصل السفير الايراني في بيروت مع وزير الطاقة وليد فياض نافيا مضمون تصريح المتحدث باسم وزارة الخارجية الايرانية، مجددا استعداد بلاده لمنح لبنان «هبة» فيول لمساعدته في تشغيل معامل الكهرباء، فيما اكدت اوساط رئيس الحكومة انه ينتظر عودة الوفد اللبناني من طهران لازالة الالتباسات حول هذا الموقف. ووفقا لمصادر مطلعة يفترض ان يتلقى الوفد اليوم اجوبة نهائية من قبل الايرانيين حول ماهية القدرة الايرانية على تزويد لبنان بحو 700 الف طن من «الفيول». وقد زار الوفد عدد من مصافي التكرير والتقى عدد من التجار، وتبين ان الفيول مطابق للمواصفات اللبنانية، لكن تبقى امكانية تأمين الكميات غير واضحة بعد بسبب ارتباطات التجار بعقود مسبقة.
تحذيرات من «الصندوق»
وفيما أعلن رئيس مجلس النواب نبيه بري خلال لقائه رئيس بعثة صندوق النقد الدولي إرنستو ريغو راميريز، إصرار المجلس النيابي على تكثيف عمله لإنجاز ما هو مطلوب منه على صعيد التشريعات الإصلاحية، والتعاون مع السلطة التنفيذية في هذا الإطار وحفظ حقوق المودعين، اكدت اوساط مطلعة على الجولة الاولى لمحادثات الوفد في بيروت، ان رئيسه وجه تحذيرا شديد اللهجة للمسؤولين الذين التقاهم بسبب تضييع الوقت، وصلت الى حدود «التوبيخ» ، احتجاجا على عدم انجاز اي من الاصلاحات المطلوبة من الصندوق. ووفقا للمعلومات، لم يحصل الوفد على اجوبة مقنعة حول اسباب عدم انجاز قانون السرية المصرفية، و»الكابيتال كونترول»، وقانون هيكلة المصارف، والموازنة. وشدد الوفد امام وزير المالية على ضرورة توحيد سعر الصرف، وصدور نتائج واضحة حول التدقيق في حسابات مصرف لبنان. وعلم ان تقريرا مفصلا سيصدر عن الوفد يوم غد الاربعاء، ونتائجه حتى الآن سلبية.
مواجهات «قصر العدل»
بانتظار تداعيات اقفال المصارف يوم الخميس، ومع ملامسة سعر صرف الدولار الاربعين الف ليرة، كادت الامور تخرج عن السيطرة بعد ان تجمع عدد من المحتجين امس، أمام مدخل قصر العدل في بيروت للمطالبة بالإفراج عن الموقوفين عبد الرحمن زكريا ومحمد رستم اللذين شاركا مع المودعة سالي حافظ «المتوارية» في اقتحام «بنك لبنان والمهجر». وحاول المحتجون، ومعظمهم جاء من بلدة تكريت العكارية، اقتحام مبنى قصر العدل وتمكنوا من خلع البوابة الحديدية من دون الدخول إلى مبنى العدلية، حيث حصل تدافع بين المحتجين وعناصر القوى الأمنية، حيث حطم المحتجون سيارات عسكرية للجيش اللبناني. وعلم أن النيابة العامة التمييزية طلبت من تحري بيروت إحالة محضر التحقيق مع الموقوفَين في قضية الاقتحام على النيابة العامة الاستئنافية في بيروت للادعاء بإنتظار ترك الموقوفَين أو احالتهما موقوفين أمام قاضي التحقيق الاول.
في غضون ذلك، أقفل عدد من شباب طريق الجديدة طريق كورنيش المزرعة بالإطارات المشتعلة احتجاجاً على توقيف عبد الرحمن سوبرة الذي اقتحم مصرف «لبنان والمهجر»- فرع طريق الجديدة يوم الجمعة الماضي لاسترداد وديعته، ومع أنّ بدر وعده بإطلاق سراحه بعد الإدلاء بإفادته، لا يزال سوبرة موقوفاً، وخلافاً لما أشيع، لم تُستكمل المفاوضات امس، وسوبرة المودع الوحيد الذي اقتحم المصرف في يوم الهجوم على المصارف من دون أن يحصل على وديعته او على جزء منها..