باتت توقعات ما ستؤول اليه الملفات السياسية أشبه بتوقعات العرّافين ليلة عيد رأس السنة، لا تستند إلى أي معطيات حسيّة ولا معلومات تفصيلية، بل نظريات عامة وتحليلات غالبا ما تتناقض مع الواقع المأزوم الذي ينبئ بطول الشغور الرئاسي، وبالتالي استدامة التعقيدات في المشهد السياسي. غير أن ما يقلق أكثر هو التداعيات الإقتصادية للأزمة السياسية واستفحالها أكثر فأكثر مع مرور الوقت.
ومع إنتهاء عطلة الأعياد بانقضاء عام مرّ ثقيلا على اللبنانيين، فإن الحركة السياسية ستستأنف اعتبارا من اليوم، لتعود الأوساط المراقبة إلى تلمّس الخيوط التي تحاك منها الحلول، علّ بداية العام الجديد تؤشر الى قرب الخروج من هذه الدوامة. ويرتقب أن يستأنف رئيس مجلس النواب نبيه بري دعواته الى عقد جلسة نيابية لانتخاب رئيس للجمهورية.
في هذا السياق توقعت مصادر سياسية أن يحدد بري جلسة لانتخاب الرئيس في الأسبوع الثاني من هذا الشهر، أي يوم الخميس في الثاني عشر من الجاري، بعد أن يكون قد أجرى مروحة مشاورات مع الكتل النيابية ليقرر في ضوئها ما إذا كان بالإمكان تحديد موعد الجلسة أم لا.
المصادر السياسية لفتت عبر “الانباء” الالكترونية الى انسداد الأفق السياسي بالكامل بسبب غياب المؤشرات بحصول حلحلة ما في هذا الملف، لأن كل ما يجري الحديث عنه مجرد تكهنات لا تخرج عن الطابع التحليلي الصرف، ولا أحد يملك معلومات تؤشر الى تبدل ما في هذا الملف.
عضو كتلة الاعتدال الوطني النائب أحمد الخير أشار في حديث مع جريدة “الأنباء” الإلكترونية إلى أن “لا بوادر حلحلة في الملف الرئاسي بالرغم من استمرار المشاورات بين الكتل النيابية للوصول الى مخرج يساعد على التوافق على مرشح توافقي يكون مقبولاً من الجميع”، واعتبر أن الكل يقوم بمسعى على طريقته لكن لغاية الآن لم يتبلور أي شيء جدي ليقال إن هناك مبادرة.
وبالتوازي على خط الأزمة الاقتصادية والإجراء الأخير لحاكم مصرف لبنان، اعتبر الخبير المالي والاقتصادي الدكتور نسيب غبريل أن “الاجراء الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة يهدف إلى لجم تراجع سعر صرف الليرة في السوق الموازي خصوصا من منتصف الشهر الفائت، حيث بدأ بتقليص الهامش بين سعر صيرفة وسعر السوق الموازي وتحويل الطلب على الدولار من السوق الموازي الى منصة صيرفة دون أن يؤدي ذلك الى فتح سقوف عالية لشراء الدولارات، كان من نتيجته ضخ الدولارات من السوق الموازي وسحب الليرات” معتبرا أن هذا الأمر حفّز المصارف لتبدأ العمل بهذا الإجراء ابتداء من غد الثلاثاء. وقد أدى ذلك الى تراجع الدولار إلى ٤١ ألف ليرة، متوقعا إقبالا كثيفا على المصارف لشراء الدولارات.
غبريل وفي حديث لجريدة “الانباء” الالكترونية ذكّر أيضاً بتعميم مصرف لبنان رقم ١٦١ الذي سمح للمودعين بسحب ٤٠٠ دولار شهريًا، الذي أدى الى لجم ارتفاع الدولار من كانون أول ٢٠٢١ الى ما بعد الانتخابات النيابية في أيار ٢٠٢٢، لكنه لفت الى أنه “وعلى الرغم من ان الاجراء مفتوح، فالمصارف ستكون حذرة بانتظار ان يغير مصرف لبنان رأيه عندما يصل إلى أهدافه”، مذكراً كذلك بإعلان سلامه في تشرين الثاني الماضي عن تخصيص مليار دولار للجم تصاعد الدولار وعدم حصول تقلبات حادة للسيطرة على الأسعار، وقد أشار الحاكم يومها الى الطلب على الدولار من قبل سورية وتدخل مضاربين سوريين، وهذه المسألة ليست بجديدة لأن سوريا بحاجة للدولار، فزاد الطلب عليه من لبنان.
غبريل لفت أيضًا إلى أن فاتورة الاستيراد في الأشهر الماضية بلغت ١٧ مليار و٨٠٠ مليون دولار كما كان الوضع في لبنان قبل الأزمة ما أدى الى زيادة الطلب على الدولار لتمويل هذا الاستيراد، لأن أسعار النفط ارتفعت بعد حرب أوكرانيا، كما ارتفعت أسعار المواد الغذائية، وقد قام التجار باستيراد المواد الغذائية استباقيا بسبب ارتفاع الدولار الجمركي. أما السلع غير النفطية فقد زادت تكلفة شحنها، وتابع: “للأسف نحن نستورد لبلدين واقتصادين”، بالإشارة إلى سوريا، “فالدولار الذي يخرج من لبنان لا يعود إليه وهذا يؤدي الى عجز في الميزان التجاري وقد بلغ في الأشهر ١١ من السنة الماضية ١٤ مليار و٦٠٠ مليون دولار وقد كان حجم اقتصادنا قبل الأزمة ٥٤ مليار دولار، أما اليوم فنحن بعجز مستمر”.
وفي هذا الاطار ستبقى إذا الأزمة الاقتصادية رغم كل الإجراءات على حالها من الصعوبة والتراجع طالما أن لا حلول جذرية محلياً، فيما الأزمات في المنطقة والعالم تفاقمها حالاً عما هي عليه.