كتبت صحيفة “الديار”: بعد ساعات من العتمة عادت الكهرباء مجددا الى منازل اللبنانيين ومصانعهم ومرافقهم الحيوية، طبعا ليس «بسحر ساحر» وانما بمخرج كان موجودا في الاصل على طاولة الحكومة ورئيسها، حقوق السحب الخاص، لكن سياسة «شد الحبال» و»النكايات» تفعل فعلها دائما بين المسؤولين ويدفع ثمنها المواطنون. فمحاولة رئيس حكومة تصريف الاعمال حشر حاكم مصرف لبنان بالانابة وسيم منصوري في «الزاوية» وتحميله وزر انقطاع «التيار» لم تجد نفعا بعدما تصلب الاخير في موقفه رافضا تغطية دفع اي مبلغ من الاحتياطي،ولم يتراجع تحت ضغط العتمة، عندها استسلم ميقاتي وتعهد للشركة المشغلة بالدفع، فعادت التغذية ببساطة شديدة.
هذا الاستخفاف في التعامل مع مصالح اللبنانيين لا يقتصر على الكهرباء، فالنكد السياسي اطاح بالامس بالجلسة التشريعية بعدما رفض التيار الوطني الحر تامين نصابها فضاعت فرصة تشريعية وانضم المجلس النيابي الى السلطات المعطلة، لا لشيء جوهري او وطني، وانما لمصالح سياسية وحزبية ضيقة. في هذا الوقت يقترب ايلول بسرعة وتدل المعطيات ان القوى السياسية «المعارضة» غير معنية بإنجاح جولة المبعوث الفرنسي جان ايف لودريان، ولان «المكتوب يقرأ من عنوانه»، يشير الرد الاولي على سؤالي باريس الى وجود رغبة واضحة باحراج الفرنسيين لاخراجهم من المشهد عبر اظهار ضعف قدراتهم على ادارة الازمة اللبنانية، فكيف بحلها؟! لكن اوساط دبلوماسية فرنسية اكدت امام شخصيات لبنانية عدم وجود اي نية لدى الادارة الفرنسية للتراجع مهما بلغت حدود «التعطيل» غير البريء والذي يتجاوز المصالح الضيقة اللبنانية الى ما يرتبط بمصالح اقليمية ودولية لا ترغب فعليا بالمساعدة وتفعل عكس ما تقول. لكن باريس لن تستسلم بحسب تلك الاوساط.
اما التعويل على التقارب الايراني- السعودي الذي شهد بالامس نقلة نوعية من خلال زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان الى الرياض، فان هذا الرهان يبقى معلقا في» الهواء» في ظل المعلومات الموثوقة عن عدم طرح الملف اللبناني على طاولة البحث بالامس، حيث حضرت فلسطين واليمن، والامن الاقليمي، اما الملف اللبناني فتم وضعه ضمن ملفات ستناقش من خلال لجنة فنية، لم تؤلف بعد، ولديها اجندة حافلة بالملفات وقد لا يكون لبنان في راس قائمة الاولويات. هذه الوقائع لا تعني ان الانعكاسات الايجابية لن تصل الى لبنان، وانما لن تصل قريبا، ما يعني ان الحلول مؤجلة الى اجل غير مسمى في بلد تعمه الفوضى الاقتصادية والسياسية ويهتز كل فترة امنيا، فيما تتعاظم المخاوف من احتمال تصدير اسرائيل لازمتها الداخلية، والاختبار الاول سيكون التمديد «لليونيفيل».
اكثر من حوار واقل من مبادرة؟
اذا، الحراك الفرنسي الذي سيتبلور في ايلول وفق صيغة «اكثر من حوار واقل من مبادرة»، تحت مظلة مجموعة الخمس، لا تبدو طريقه معبدة حتى الآن، وهو لم يتمكن من خلال الاسئلة المرسلة الى الكتل النيابية من كسر «الحلقة المفرغة» بل على العكس زاد الامور تعقيدا بعد الردود الاولية عليها من قبل «المعارضة» الرافضة لمبدأ الحوار مع حزب الله. ووفقا لمصادر دبلوماسية، فوجىء الفرنسيون بما سمعوه من بعض القوى السياسة خصوصا انهم سبقوا وابلغوها ان هذا المسعى الذي يقوده لودريان قد يكون الاخير قبل سحب القوى الفاعلية اقليميا ودوليا «يدها» من الملف اللبناني. فهل هذا ما يريدونه حقا؟ وتبدو باريس مستاءة من التصعيد غير مبرر، والاستخفاف بخارطة الطريق التي يحملها لودريان، علما ان كل من شارك في الاجتماع الأخير للدول الخمس الذي عقد في الدوحة، سبق وهدد بالتخلي عن مساعيه لمساعدة القيادات اللبنانية في حل أزماتهم «ما لم يساعدوا أنفسهم أولا، واعطوا مؤشرات عن قرب انتهاء المهلة الممنوحة لهم للتوافق على تسوية تخرج البلاد من الأزمة، فيما باريس تتمسك بضرورة الذهاب بعيدا في محاول ايجاد تسوية».
لا استسلام فرنسي
وما يطرح اكثر من علامة استفهام حول الخلفيات الحقيقية لكل من يضع العراقيل امام التحرك الفرنسي. ان ما بعث به الموفد الفرنسي مكتوبا كان قد طرحه على الذين التقاهم في تموز الماضي شفهيا! وقد بات الفرنسيون على قناعة بان ثمة من يحاول ان ينصب لهم «فخا» دبلوماسيا بالتنسيق مع دول خارجية تريد احراج باريس التي باتت تتعامل بحساسية مفرطة مع كل اشارة سلبية في ظل ما تتعرض اليه من «تقهقر» وتراجع في مستعمراتها السابقة في الساحل الافريقي، ولا ترغب بان تتعرض «لصفعة» مماثلة على الساحة اللبنانية. لهذا لا تراجع في هذا الملف ولودريان سياتي الى بيروت وسيعقد لقاءات ثنائية مع كل الاطراف، قبل محاولة عقد لقاء جامع، وستكون له زيارات ماراتونية إلى لبنان لإعطاء الفرصة الكاملة للحل وهو لا ينوي الاستسلام اقله قبل وضع خطة عمل واضحة ومفصلة انطلاقا من جمع ملاحظات جميع الاطراف ليتم بعدها اسقاط الاسماء او اسم مرشح على ان يحصل من رئيس مجلس النواب نبيه بري تعهدا بعقد اجتماعات مفتوحة لانتخاب رئيس للجمهورية.
خطوة ايجابية ولكن!
وفي خطوة قد تساعد على المدى المتوسط والطويل في فتح ثغرة في جدار الازمة، قام وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان بزيارة «ناجحة ومثمرة» الى السعودية اثر ملاحظات مع نظيره السعودي فيصل بن فرحان تحضيرا لزيارة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي في «الوقت المناسب» تلبية لدعوة الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز.وكان لافتا قول بن فرحان ان استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إيران نقطة مفصلية للأمن في منطقة الشرق الأوسط، مشددًا على «تطلع المملكة لتعزيز العلاقات الثنائية واشار الى إنّ سفيري البلدين سيتوليان منصبيهما في السفارتين، بعد إعادة فتحهما، في أعقاب إنهاء الخلاف الدبلوماسي بين البلدين في آذار، واستئناف العلاقات، مؤكداً حرص المملكة على تفعيل الاتفاقيات السابقة بين البلدين، خاصة في المجالات الأمنية». وكان لافتا اعلان عبد اللهيان حصول تقدم ملحوظ في العلاقة مع الرياض، مشيرا الى انه تم الاتفاق على تشكيل لجنة فنية وتخصصية متنوعة مع السعودية لحل الموضوعات العالقة بالمنطقة بشكل فوري.
الانتظار الطويل
ووفقا لمصادر مطلعة، لبنان مدرج ضمن هذه الملفات، لكن البحث الجدي لن يحصل الا بعد تشكيل اللجنة، وهذا سيكون من نتائج الزيارة المرتقبة لرئيسي حيث سيتم خلاله تنظيم جدول الاعمال بين الطرفين، ومن غير المعروف حتى الان اين يقبع لبنان، مع العلم ان كل المؤشرات تفيد بان ليس اولوية سعودية، وهذا يعني ان على اللبنانيين الانتظار طويلا اذا كانوا يراهنون فقط على اكتمال التطبيع بين طهران والرياض خصوصا ان بين البلدين قضايا قد تكون اكثر الحاحا فالسعودية تريد وقف تصدير الاسلحة الايرانية للحوثيين، وفي المقابل يسعى الايرانييون الى «فرملة» اي نية سعودية للتطبيع مع اسرائيل وهي خطوة تعمل عليها واشنطن لتخريب اتفاق بكين.
حوار «الحزب»- «التيار»؟
وفي الانتظار موقفان لافتان من قبل حزب الله والتيار الوطني الحر رئاسيا، فقد أعلن عضو المجلس المركزي في الحزب الشيخ نبيل قاووق «ان الاهداف التي عجز عنها العدو طيلة 30 يوما لن تمر عبر مشاريع التحريض والفتنة في الداخل»، مشيرا الى «أن حملات التحريض والتضليل وحجم الاستهداف الداخلي والخارجي للمقاومة يوجب علينا التمسك برئيس للجمهورية يؤتمن على السلم الاهلي ولا يكون منصة لمشاريع الفتنة الداخلية. في المقابل، نفى المكتب الإعلامي لرئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل أن يكون قد التقى النائب السابق سليمان فرنجية، نافيا موافقته على تأييده للرئاسة، واشار الى انه لا يزال مؤيدًا وملتزماً بالكامل للتفاهم القائم مع القوى المعارضة وللتقاطع على ترشيح وتأييد جهاد ازعور، امّا الحوار مع حزب الله فهو يتضمّن مطالب واضحة عبّر عنها رئيس التيار بالاعلام وهي تتعلّق باللامركزية الموسعة والصندوق الائتماني ومشروع بناء الدولة ولم يصل الحوار بعد الى مرحلة التداول بالاسماء. ووفقا لمصادر مطلعة، فان هذين الموقفين يشيران الى وصول التفاوض الى نقطة حساسة للغاية، في ظل رغبة حزب الله بالوصول الى تفاهمات اولية قبل عودة لودريان الى بيروت، والحزب لا يرغب في ان تطول جولات التفاوض الى «ماشاء الله» بل الوصول الى قواسم مشتركة يمكن البناء عليها مع الحلفاء. وما صدر عن «التيار» لا يجافي الحقيقة لانه حتى الان لم يصل الحوار بعد الى خواتيمه السعيدة، وكل طرف يحاول تعزيز وضعه التفاوضي على «الطاولة»،وحتى الان يدرس الحزب مقترحات باسيل ولم يتم بعد اشراك الرئيس بري كطرف رئيسي في النقاشات حول مطالب باسيل التي تحتاج الى مروحة واسعة من التوافق لتمريرها في ساحة النجمة.
النكد «يطير» التشريع!
في هذا الوقت،تسبب «النكد» السياسي ايضا،في تطيير جلسة التشريع النيابية، فالنصاب لم يكتمل بعد مقاطعة التيار الوطني الحر التي يقاطعها عادة نواب القوات والكتائب وتجدد ومستقلون وتغييريون على الرغم من وجود جدول اعمال يتضمن قوانين اصلاحية منها اقرار الصندوق السيادي. ووفقا لمصادر نيابية، اراد «التيار» ان يوجه «رسالة» الى كل الاطراف بانه بات يشكل «بيضة القبان» تشريعيا، وهو يريد استثمار موقعه في تحسين شروطه في ملفات تفاوضية مع حزب الله كما مع المعارضة. وقد عبر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي بعد لقاء عقده في ساحة النجمة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري عن استغرابه بشدة قول البعض إنه يحضر الى مجلس النواب من أجل تشريع الضرورة فقط، فهل يوجد أكثر الحاحا وضرورة من المشاريع المطروحة على جدول اعمال الجلسة. أضاف في مجلس النواب العديد من اقتراحات القوانين تتعلق بخطة التعافي واعادة هيكلة المصارف، والفجوة المالية، وكلها تحتاج الى حل فوري، واذا لم ينعقد مجلس النواب لاقرارها ضمن سلة واحدة، فلا استقرار اقتصاديا في البلد. وخلص الى القول «غاضبا»:اذا لم نصل الى حل فليتحمل كل واحد مسؤوليته.
اليونيفيل: لا طمأنة اميركية!
في غضون ذلك، لم يحصل رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي على اجوبة مطمئنة من السفيرة الاميركية دوروثي شيا التي زارت ايضا وزارة الخارجية حول قرار التجديد لقوة الامم المتحدة المؤقتة العاملة في لبنان المرتقب اواخر الشهر الحالي في مجلس الامن، وحتى يوم امس لم تظهر مواقف السفيرة وجود ليونة اميركية في هذا الملف، دون اقفال «الابواب» امام المزيد من المشاورات، دون توضيح ماهية ابقاء «الباب» مواربا… وفي السياق نفسه استقبل الوزير بوحبيب السفير البريطاني هاميش كاول وتم البحث ايضا بقرار التجديد لليونيفيل اواخر هذا الشهر.
تصدير الازمة الاسرائيلية
وفي هذا السياق، تخوفت مصادر دبلوماسية من ان يدفع لبنان عبء تصدير الازمة الاسرائيلية العميقة عبر محاولة حكومة الاحتلال الهروب الى الامام، وادخال «اليونيفيل» بمواجهة مع حزب الله عبر الاصرار على تعديل مهامها، في ظل عجز الجيش الاسرائيلي عن المبادرة للتحرك ضد المقاومة في ظل قواعد الاشتباك الحالية، ووضعه الداخلي السيء.
وفي هذا الاطار، تحدثت أوساط أمنيّة رفيعة المُستوى في كيان الاحتلال أنّ الأزمة التي يُعاني منها الجيش الاسرائيلي هي أعمق بكثير ممّا يعرفه الجمهور الاسرائيلي، لافتًا إلى أنّ الصورة الصحيحة عن الأزمة غير المسبوقة لا يتّم نشرها بسبب الرقابة العسكريّة المفروضة على وسائل الإعلام. بدوره قال الوزير السابِق ماتان كهانا، للقناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ إنّ الأزمة خطيرة جدًا، وبحسب معرفته فإنّها أخطر بثلاث مرّاتٍ ممّا يعرفه الجمهور الإسرائيليّ. وفي السياق نفسه، ذكر المراسل العسكري، في القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ، نير دفوري أنّ الجيش الإسرائيليّ يتابع بقلقٍ متزايدٍ التراجع في الكفاءة للحرب. ونقل دفوري عن مصدرٍ أمنيٍّ إسرائيليٍّ كبيرٍ أنَّ الأسابيع المقبلة ستكون مصيريّةً، وأنّ جيش الاحتلال قد يفقد جهوزيّته خلال نحو شهر، وسيواجه مشاكل خاصّة في سلاح الجوّ، في حال استمرار الحكومة بالتشريعات القضائيّة.
عودة الكهرباء
في هذا الوقت عادة الكهرباء تدريجيا الى المناطق اللبنانية، بعد تعهد رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي بدفع 7 ملايين دولار من حقوق السحب «الخاص» لشركة «برايم ساوث» مقابل تشغيل فوري لمعملي الزهراني ودير عمار، بعد رفض الحاكم بالإنابة وسيم منصوري، الدفع من أموال الاحتياط. وبدأت الشركة اثر ذلك، إعادة تشغيل وحدات الإنتاج.وهذا الحل كان موجودا على الطاولة كما تشير اوساط مطلعة لكن ميقاتي اخفق في حشر منصوري، وتسبب بازمة كهربائية عطلت البلد، لانه كان يعرف مسبقا ان قرار عدم استخدام الاحتياط في «المركزي» لا رجعة عنه. وقد أصدر حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري بياناً أعلن فيه أن «مصرف لبنان لديه سيولة خارجية تعادل 8.573 مليار دولار أميركي، يضاف إليها القيمة السوقية لمحفظة سندات اليوروبوندز البالغة 387 مليون دولار كما في 31 تموز 2023، وذلك لا يتضمّن قيمة الموجودات من الذهب»، وأعلن «التزام عدم جواز المَس بالاحتياطي الإلزامي.
ترقيع في التربية!
تربويا، وفي خطوة ترقيعية تضمن انطلاق العام الدراسي، اعلن وزير التربية والتعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال عباس الحلبي عقب انتهاء جلسة مجلس الوزراء عن اقرار سلفة بقيمة 5 آلاف مليار ليرة كدفعة أولى من المبلغ المطالب به، وهو 150 مليون دولار لضمان بدء العام الدراسي. أما في موضوع تفرغ الاساتذة المتعاقدين في الجامعة اللبنانية فقد فوض مجلس الوزراء وزير التربية بالتعاون مع ادارة الجامعة لوضع المراسيم لهذا الامر.