كتبت صحيفة “النهار”: قبل أسابيع ضجّ الإعلام والأوساط السياسية في لبنان بتهديدات تحمل طابع التهويل بصيف ساخن اطلقها مسؤولون إسرائيليون في سياق الحرب الكلامية المتبادلة بين إسرائيل و”حزب الله” بمواكبة الحرب المتدحرجة في الجنوب وعبر الحدود الجنوبية مع إسرائيل.
والحال أن تلك التهديدات لم ولن تكتسب أي صدقية لكونها تندرج في شكل فاقع في اطار تهويلي درجت عليه إسرائيل طوال الأشهر الثمانية الماضية من المواجهات الدائرة من دون أن يعني ذلك اسقاط احتمال اتساع الحرب في ظرف ما، ولهذا حديث اخر.
المهم الذي يعني اللبنانيين راهناً، هو أن لبنان يقف عند مشارف الصيف وهو في عراء مخيف من الضمانات التي تكفل له مروراً آمنا بالحدود الدنيا، ليس في ما يتصل بالاستقرار العام وتجنب غدرات الحرب فقط، بل ربما صار الأمن الداخلي والاجتماعي أشد خطورة من أي تطور قتالي محتمل بدليل المناخ الحاصل في الأيام الأخيرة عبر الاهتزازات الجوالة إن في ظاهرة تكاثر الحوادث المتعلقة بالنازحين السوريين وإن في “ثورة الدراجين” عقب انطلاق خطة أمنية لضبط المخالفات وإن في تسلل عمليات تهريب لشاحنات سورية وسواها تحمل أسلحة من تركيا.
سيطرح ملف الأمن الاجتماعي و”الاستقرار” على الغارب ليس فقط من زاوية الاهتراء الذي يتعاظم تدريجاً متحدياً سلطة الجيش والقوى والأجهزة الأمنية اللبنانية بل أيضاً من زاوية الخطورة العالية التي تطبع هذا الصيف المقبل وسط تقديرات متشائمة يأمل اللبنانيون في أن يحصل ما يحبطها ويخففها ويبددها. فالمؤشرات الاقتصادية والسياحية قاتمة ولا تشجع على توقعات متفائلة بإمكانات كبيرة لتبديلها. ولا داعي للخوض بمقارنات بين هذه المؤشرات السياحية والحجوزات للسياح واللبنانيين المنتشرين هذه السنة مع السنوات السابقة لأنها متفاوتة للغاية سلبا.
ولذا تتمركز الآمال ولو واهية عند نقطة مركزية حصرية هي الحاجة الكبرى الى اختراق سياسي ووطني ومعنوي كبير وهي نجاح المجموعة الدولية العربية الخماسية في دفع القوى اللبنانية إلى إنهاء الأزمة الرئاسية وانتخاب رئيس للجمهورية بعد طول فراغ تمدد منذ 18 شهراً وينذر في حال استمرار الأزمة بمزيد من اغراق لبنان بتداعيات مخيفة أمنياً واقتصادياً واجتماعيا.
ويبدو أن الفترة القصيرة المقبلة ستكون كفيلة ببلورة مصير “الفرصة الأخيرة” التي فتحها بيان السفراء الخمسة والذي شكل خريطة طريق تفصيلية “لتحرير” الاستحقاق من التعطيل والتوظيف والارتهان للدوافع الخارجية والمحلية التي تملي على المعطلين المضي في تعريض لبنان لإفلاس وانهيار تامين شموليين هذه المرة اذا مر الصيف بكل اثار وتداعيات الكوارث الماثلة التي تتربص بلبنان واللبنانيين.
شاحنات السلاح!
في ظاهرة ضبط شحنات السلاح “المتدفق” من تركيا التي برزت بشكل نافر أخيراً فرض الجيش اللبناني أمس طوقاً أمنياً واسعاً حول شاحنة وصلت عبر مرفأ طرابلس محملة بالحديد عثر اثناء تفتيشها في حرم المرفأ على كمية من الاسلحة مخبأة داخلها. وتكتمت المخابرات حول الكمية والنوعية والشاحنة الآتية من تركيا فيما تحدثت اوساط مطلعة عن العثور على 400 مسدس تركي مخبأة في الشاحنة التي احتجزت في حرم المرفأ وسط طوق امني. وأشارت المعلومات الى توقيف السائق، وأحالته الى القضاء المختص كما عملت العناصر الأمنية على تفتيش ست شاحنات مماثلة قادمة من تركيا.
وكانت مخابرات الجيش قد أوقفت اول من امس شاحنة تركية في البترون وعثرت في داخلها على 300 مسدس تركي وفي انتظار جلاء التحقيقات تثار شكوك واسعة عما اذا كانت عمليات تهريب السلاح يقف خلفها تجار أسلحة او جهات منظمة.
تحرك السفراء
أما في الشهد السياسي، فعادت الى الواجهة تحركات سفراء المجموعة الخماسية في ظل البيان الذي صدر عنهم الأسبوع الماضي. وليس بعيداً من هذا السياق زارت امس السفيرة الأميركية ليزا جونسون ميتروبوليت بيروت وتوابعها للروم الأرثوذكس المطران الياس عودة وتناول اللقاء آخر التطورات في لبنان والمنطقة وتحرك السفراء الخمسة حيال الازمة الرئاسية.
كذلك زار وفد من “تكتل الاعتدال الوطني” السفارة المصرية حيث عرض مع السفير المصري في لبنان علاء موسى مصير مبادرة التكتل في ظل البيان الذي أصدره السفراء الخمسة. وقال السفير المصري إن “الاجتماع اليوم مع كتلة الإعتدال الوطني تناول آخر التطورات في ملف الرئاسة وعلينا أن نبتعد عن نقاش من يرأس الحوار والتركيز على هدف الحوار”. وأضاف: “كان اللقاء مهماً لأننا قيمنا المرحلة الماضية”، لافتاً إلى “أن الإطار الزمني شيء مهم جداً في عالمنا العربي ليضع ضغطاً، وهذا الضغط يمكن أن يستغل بشكل إيجابي لإنجاز أمور عدة”. واكد “أن على الخماسية أن تعمل بكل حماس لإحداث خرق ما في الملف الرئاسي”، مشيراً إلى “أننا توافقنا مع كتلة الاعتدال على أن يواصلوا تحركهم في الفترة المقبلة استفادةً من بيان الخماسية الأخير وما تلقيناه من ردود إيجابية من القوى السياسية”.
وفي التحركات البارزة المتصلة بالوضع اللبناني استقبل رئيس مجلس الوزراء القطري ووزير الخارجية الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يرافقه النائب تيمور جنبلاط في حضور سفيرة لبنان لدى دولة قطر فرح بري. وتناول البحث مجمل أوضاع المنطقة، خصوصاً الوضع على الساحة الفلسطينية لا سيما الحرب على غزة والجنوب اللبناني إضافة إلى الأوضاع اللبنانية، حيث “ثمّن جنبلاط الدور التي تقوم به دولة قطر، خصوصاً السعي المستمر والمبادرات لوقف إطلاق النار في غزة، إضافة إلى دورها ضمن اللجنة الخماسية لمساعدة لبنان على تجاوز الأزمة الرئاسية”.
وخلال لقائه الجالية اللبنانية في قطر، نوّه جنبلاط بالدور القطري قائلاً إن “قطر كانت وستبقى داعمة للبنان، وخاصة للقوى الأمنية والجيش اللبناني وهذا مهم جداً، من أجل وحدة لبنان والأمن اللبناني، والبعض منا في لبنان في خضم هذه المستجدات يُحطّم بالمؤسسات وهذا غير مُفيد، فهناك مؤسسات فاعلة في المخابرات اللبنانية وفي الأمن العام والمعلومات وعلينا تثبيتها وتدعيمها من اجل سلامة المواطن ثُمّ تتحسن الظروف”.
وعن الانتخابات الرئاسية، قال جنبلاط: “لا بُد من توافق القوى السياسية بمساعدة اللجنة الخماسية كي تنظم الامور وننتخب رئيساً أيّاً كان وفق الحوار والتسويّة”. وقال: “نصيحة نتعلق بالطائف، نتعلّق باتفاق الدوحة، وعندما تتحسن الظروف نرى إن كان هناك إمكانية لتحسين بعض من الطائف أو تطبيق ما تبقى منه، خاصة في ما يتعلق باللامركزية الإدارية، مؤكداً انه من أنصار اللامركزية، لكنَه ليسَ من أنصار الفيديرالية، ولا التقسيم.