كتبت صحيفة “الجمهورية”: لم يُعرف بعد ما إذا كان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين سيعود إلى لبنان أم لا، ولكن التطورات العسكرية الميدانية المتلاحقة تشي بأنّ وقف إطلاق النار الذي يُعمل على التوصل اليه ليس قريباً، على رغم من بعض المواقف الأميركية التي تتحدث عن “حل ديبلوماسي” تعمل واشنطن للتوصل اليه، إلى جانب سعي مماثل لوقف اطلاق نار في غزة، ربما يفتح الباب امام وقف نار مماثل في لبنان، الذي حصل أمس على مساعدات بقيمة مليار دولار أقرّها “المؤتمر الدولي لدعم لبنان وسيادته” المنعقد في باريس أمس بمبادرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون.
أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، “إنني أتوقع اجتماع المفاوضين لبحث وقف إطلاق النار في غزة خلال الأيام المقبلة”. ولفت خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبدالرحمن في الدوحة، إلى أنّ “علينا الاستمرار في تطوير خطة لما بعد انتهاء الحرب حتى تنسحب إسرائيل من غزة”، مضيفاً “هذه لحظة مهمّة لأنّ إسرائيل حققت الأهداف الاستراتيجية التي وضعتها لنفسها. هذه لحظة العمل لإنهاء الحرب وإعادة الأسرى إلى بيوتهم وبناء مستقبل أفضل لشعب غزة”.
وأشار بلينكن إلى “أننا نريد أن نتأكّد من أننا لن نرى مزيداً من التصعيد الكبير في المنطقة. ندعم حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها في مواجهة إيران ولا نريد رؤية حلقة تصعيد مفرغة”.
وحول لبنان، قال بلينكن إنّ “علينا التأكّد من عدم قيام إسرائيل بحملة مستدامة في لبنان”، واضاف: “نكثف الجهود للتوصل إلى حل ديبلوماسي في لبنان يسمح بتطبيق القرار 1701”. ولفت إلى أنّ “قطر قدّمت مساعدات مهمّة للجيش اللبناني مثل المعاشات والوقود”، وأضاف: “نريد ملء الفراغ الرئاسي في لبنان”.
ومن جهته، أعلن بن جاسم انّ “فريق مفاوضات أميركي سيزور الدوحة لبحث في سبل عمل اختراق في المفاوضات بشأن غزة”، مشيراً إلى اننا “عقدنا اجتماعات في اليومين الأخيرين مع المكتب السياسي لحماس في الدوحة”.
ونقلت القناة 13 عن مسؤول إسرائيلي كبير، قوله إنّ “وفداً إسرائيلياً سيتوجّه إلى الدوحة قريباً لاستكمال المفاوضات في شأن صفقة تبادل الأسرى”.
فيما ذكرت منصّة إعلامية إسرائيلية، أنّ وفدًا روسيًا يحمل رسالة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تطلب منه إنهاء الحرب في غزة ولبنان.
والى ذلك أبلغ مرجع رسمي لبناني إلى “الجمهورية” انّ كلام وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن من الدوحة “إيجابي ويمكن ان يُبنى عليه، ولكن الدم يسيل والوقت داهم والمطلوب الاستعجال في الحل على قاعدة القرار 1701”.
مليار دولار مساعدات
وفي غضون ذلك، نقل زوار الرئيس نبيه بري عنه شكره للدول التي شاركت في مؤتمر باريس الدولي لدعم لبنان، معتبراً “انّ من شأن هذا المؤتمر أن يساهم في تضميد جروحنا وأن يساعدنا في الوقوف قليلاً على أقدامنا”.
وكشفت مصادر ديبلوماسية لـ”الجمهورية”، أنّ العقدة الأساسية التي حالت دون وصول مؤتمر باريس إلى النتائج المتوخاة في دعم لبنان سياسياً، هي تمسّك واشنطن بشرطها المتمثل بضرورة استجابة الحكومة اللبنانية بالتسوية السياسية التي تطرحها لوقف الحرب، والتي تستند إلى إعلانها الموافقة على تطبيق القرارات الدولية، وتحديداً الـ 1701 والـ1559 والـ1680. وفي هذا الشأن، يتباين الأميركيون في الموقف مع باريس التي تشاركهم التمّسك بالقرارات الدولية، لكنها تبدي تفهماً أكبر للتصور اللبناني للتسوية، وتستعجل وقف الحرب خوفاً من تداعياتها الخطرة على لبنان واستقراره المجتمعي في مراحل مقبلة.
وتقول المصادر، إنّ موقف واشنطن يوحي عملياً بأنّها مستمرة في سياسة الحصار والعقوبات على “حزب الله”، وانّها تراهن على أنّ الحرب الدائرة حالياً ستدفعه إلى أن يبدّل مواقفه ويلتزم الشروط المطلوبة. وحينذاك، تصبح ممكنة إعادة النظر في هذه السياسة.
وكان “المؤتمر الدولي لدعم لبنان وسيادته” الذي انعقد امس في قصر المؤتمرات التابع لوزارة الخارجية في الدائرة 15 بمبادرة من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، جمع أكثر من 800 مليون دولار من المساعدة الإنسانية و200 مليون دولار لمساعدة الجيش.
ووجّه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في ختام المؤتمر،”نداء لجميع أصدقاء لبنان لبذل جهود ديبلوماسية متزايدة وحازمة للوصول إلى وقف فوري لإطلاق النار وموجة الدمار، والعمل معاً من أجل تحقيق الاستقرار الدائم على أساس مبادئ القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن وخصوصاً القرار 1701″.
وكان ماكرون اكّد في افتتاح المؤتمر أنّ “لا بدّ أن تنتهي حرب الآخرين على أرض لبنان”، ولفت الى “انّه يتعرّض لجملة من التحدّيات تتمثل بهجمات إسرائيل والنزوح”. واعلن تقديم “100 مليون يورو كمساعدات للبنان”، داعياً “إسرائيل الى وقف الحرب فيه”، وشدّد على “وقف الهجمات على إسرائيل أيضاً”. ولفت إلى انّ “إيران تدفع بحزب الله لمواجهة إسرائيل”، ودعا الى “احترام القرار 1701 وتطبيقه من كافة الأطراف”، معتبراً أنّ “لدى الجيش اللبناني الآن مهمّات أكثر من قبل، وعلى “حزب الله” أن يوقف عملياته واستهداف ما بعد الخط الأزرق”.
بدوره، الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش قال انّ “منظمة الامم المتحدة قلقة على سلامة المدنيين على طرفي الخط الأزرق والهجمات ضدّ “اليونيفيل” أمر مرفوض تمامًا ويشكّل جريمة حرب”. وأشار الى انّ “إسرائيل تواصل قصفها العنيف لمناطق مأهولة في لبنان”. مؤكّداً انّ “وقف إطلاق النار مهمّ جداً”.
اما ميقاتي فقال: “كان من الممكن تجنّب خسارة أرواح المدنيين اللبنانيين والدمار، لو وافقت إسرائيل على تأييد البيان المشترك الصادر في 25 أيلول، والذي قادته الولايات المتحدة وفرنسا. وفي هذا السياق، دعمت الحكومة اللبنانية ولا تزال تدعم هذه المبادرة، ونحن ندعو اليوم إلى وقف فوري لإطلاق النار. إنّ الحكومة اللبنانية على ثقة بأنّ وقف إطلاق النار سيكون له تأثير فوري في تهدئة التوترات على الجبهة الجنوبية اللبنانية، ويمكن أن يمهّد الطريق لاستقرار مستدام طويل الأمد، وسيفتح الباب أمام مسار ديبلوماسي ستدعمه الحكومة بالكامل. ويهدف هذا المسار إلى معالجة المخاوف الأمنية على طول الحدود الجنوبية، وكذلك النزاعات على طول الخط الأزرق من خلال التنفيذ الكامل لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 1701. يبقى قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة رقم 1701، بصيغته الحالية، حجر الزاوية للاستقرار والأمن في جنوب لبنان، وإنّ التنفيذ الكامل والفوري لهذا القرار من جانب لبنان وإسرائيل من شأنه أن يحافظ على سيادة لبنان وسلامة أراضيه ويوفّر الأمن على حدودنا الجنوبية التي يمكن أن تسمح للمجتمعات النازحة بالعودة إلى مناطقها”.
وكان ميقاتي التقى مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل الذي قال: “الاتحاد سيقدّم للجيش اللبناني 20 مليون يورو في 2024 و40 مليونًا في 2025 ودعمًا إنسانيًا بقيمة 80 مليونًا”. من جهتها، أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، ، أنَّ “ألمانيا ستقدّم 96 مليون يورو (حوالى 103 ملايين دولار) كمساعدات إنسانية وتنموية لشعب لبنان”..
في الميدان
ميدانياً، شهدت جبهة الجنوب مواجهات عنيفة بين رجال المقاومة وقوات الاحتلال الاسرائيلي تركّزت خصوصاً على محور عيتا الشعب، حيث أحبط المقاومون محاولات اجتياح للمنطقة، فيما أفادت القناة 14 الإسرائيلية عن “نقل عشرات الجنود إلى المستشفيات بعد إصابتهم في معارك جنوب لبنان خلال الساعات الأخيرة”.
ونقلت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية عن ضابط إسرائيلي كبير، قوله إنّ “القتال في جنوب لبنان معقّد للغاية وهدفنا شلّ “حزب الله” وتغيير ميزان القوى”.
في السياق، نقلت الصحيفة ايضاً عن ديبلوماسيين، إشارتهم إلى أنّ “حزب الله لا يزال قادراً على استيراد الأسلحة واستبدال القادة الذين يتمّ قتلهم”.
“حزب الله”
ووجّهت قيادة “حزب الله” أمس “رسالة مجاهدي المقاومة الإسلامية في الميدان إلى أشرف وأكرم وأطهر الناس”، قالت فيها: “يا أحبّة السيد الشهيد، قسماً بدم كلّ شهيد وبعذابات كل جريح، قسماً بصبركم وعذاباتكم، هذه الرّاية بيدنا لن تسقط، وبيننا وبين العدوّ الأيام والميدان، وبيننا وبينكم النصر الموعود إن شاء الله”.
وأعلنت قيادة الجيش عبر منصة “إكس”، أنّ “العدو الإسرائيلي استهدف عناصر للجيش اللبناني في خراج بلدة ياطر- بنت جبيل في الجنوب أثناء تنفيذ عملية إخلاء جرحى ما أدّى إلى سقوط 3 شهداء بينهم ضابط”، وهم الرائد محمد فرحات، والجنديان محمد نزّال وموسى مهنا.