كتبت صحيفة “الجمهورية”: وفي اليوم الثاني من اليوم التالي لوقف إطلاق النار اصبح واضحاً انّ مهلة الستين يوماً هي مهلة إعادة تموضع وإرساء معادلات و»الشاطر بشطارته». فلم يجف حبر اتفاق وقف إطلاق النار حتى خرقته إسرائيل على الحدود وخلف جنوب الليطاني، لكن «حزب الله» بقي ملتزماً وفي التزامه رسالة واضحة مفادها أنّه لا يريد العودة إلى الحرب ولا يريد إعطاء إسرائيل ذريعة أخرى للإستمرار في عدوانها، منسجماً مع موقف الدولة بتطبيق القرار 1701 من دون أي يعني ذلك أنّه استسلم للعدو، وسيقدّم سلاحه قرباناً… على أنّ رسالة ثانية في غاية الأهمية مرّرها «حزب الله» من خلال موافقته على التمديد لقائد الجيش العماد جوزف عون في مجلس النواب، والإشادة التي قدّمها عضو كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب حسن فضل الله بعد جلسة التمديد.
التزم لبنان وقف إطلاق النار وباشر اتخاذ الخطوات الديبلوماسية والعسكرية واللوجستية، في إطار القيام بالموجبات المطلوبة منه لتنفيذ القرار الدولي 1701، وكذلك التحضير لتكوين سلطته الجديدة، بدءاً بانتخاب رئيس الجمهورية في جلسة حدّد رئيس مجلس النواب نبيه بري موعدها في 9 كانون الثاني المقبل. لكن إسرائيل استمرت في خرق وقف النار والقرار لليوم الثاني على التوالي، فيما اكتفى لبنان حتى الآن بتسجيل هذه الخروقات من دون أي ردّ عليها. في وقت قال رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو: «لم أقل إن ما يجري في لبنان هو وقف للحرب بل وقف لإطلاق النار وقد يكون قصيراً». وأكّد أنّه أوعز للجيش الإسرائيلي «بالاستعداد لشن حرب قوية في حال تمّ خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في شكل واسع».
واكّد مصدر سياسي بارز لـ«الجمهورية»، انّ «من المبكر تقييم اتفاق وقف إطلاق النار، وسقوط الهدنة لا يُقاس بهذه السرعة. فالعدو حاول تعويض ما يتعرّض له في الداخل من انتقادات واتهامات بفرض أمر واقع عبر محاولات عبثية ولبنان يعي هذا الأمر ولن ينجرّ إلى النيات الإسرائيلية. وكشف المصدر أنّه تمّ التواصل مع الأميركيين لوضعهم أمام مسؤوليتهم ضمن اللجنة الخماسية التي كُلّفت مراقبة تنفيذ الاتفاق، في اعتبار أنّ الخطوة التالية ستكون الانتقال من اتفاق هدنة إلى وقف إطلاق نار حقيقي والإسراع في تأمين حماية للقرار الدولي.
جلسة لانتخاب الرئيس
نقل زوار الرئيس نبيه بري أمس عنه قوله: «لازم نطلع برئيس في جلسة 9 كانون الثاني، لو شو ما صار». وأشار الى «انّ هناك مؤشرات جدّية من الكتل النيابية الأساسية حول استعدادها للتعاون وتسهيل انتخاب رئيس توافقي، لا يشعر معه أي طرف بأنّه خسر وإن لم يصل مرشحه». واعتبر «أنّ الرئيس سيأتي من بين أسماء معلنة تتوافر فيها المواصفات المطلوبة أو أسماء أخرى غير ظاهرة بعد، والأمر يتوقف على حصيلة المشاورات التي ستتمّ». وكان بري قد أعلن أمس عن تحديد جلسة انتخابية جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية، في 9 كانون الثاني المقبل، وأكّد أنّ هذه الجلسة ستكون «مثمرة»، مشيراً إلى أنّه تمّ منح مهلة شهر للتوافق بين الكتل السياسية. وأكّد أنّه سيدعو سفراء الدول المعتمدين في لبنان إلى حضور الجلسة، «بما يعكس البعد الدولي في هذه الاستحقاقات المهمّة».
ماكرون
إلى ذلك، علمت «الجمهورية»، انّ الرئيس الفرنسي مانويل ماكرون أكّد لبري خلال الاتصال الذي اجراه به لمدة 25 دقيقة «استعداده لمساعدة لبنان في كل ما يحتاجه لاستعادة الاستقرار وإنجاز الاستحقاق الرئاسي»، مبدياً «تقديره لجهود رئيس المجلس وللعقلانية التي يدير بها الأمور» وكان بري تلقّى امس إتصالاً من ماكرون «جرى خلاله عرض للأوضاع العامة والخطوات الأخيرة التي إنتهجها لبنان في مساري وقف إطلاق النار والتحرشات الإسرائيلية، كذلك التحضيرات للإنتخابات الرئاسية». حسب مصادر رسمية.
واتصل ماكرون مساء امس ايضاً برئيس الحكومة نجيب ميقاتي. وافادت معلومات رسمية انّهما «بحثا في الوضع الراهن في لبنان بعد سريان قرار وقف اطلاق النار، ومتابعة تنفيذ المقررات التي صدرت عن مؤتمر دعم لبنان الذي عُقد أخيراً في باريس».
وشكر ميقاتي الرئيس الفرنسي على «اهتمامه الدائم بلبنان ومساعدته في وقف العدوان الاسرائيلي والتوصل إلى تفاهم في هذا الصدد». وشدّد على «أنّ الجيش باشر تنفيذ مهمّاته في الجنوب والبقاع والضاحية الجنوبية، والتحضير لتعزيز انتشاره في قطاع جنوب الليطاني». وكرّر الدعوة إلى «الضغط على إسرائيل لوقف خروقاتها لقرار وقف النار والتي تسببت اليوم (امس) بسقوط جرحى واضرار مادية جسيمة».
حراك لودريان
في غضون ذلك، باشر الموفد الرئاسي الفرنسي جان ايف لودريان لقاءاته في لبنان في اطار المساعدة الفرنسية على ايجاد حل لأزمته السياسية، وحضر جانباً من الجلسة النيابية التي انعقدت امس، وتمّ خلالها تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون، ولتمديد سنة لرتبة عميد وما فوق. وكذلك التمديد لأعضاء مجلس القضاء الأعلى المنتهية ولايتهم.
وجال لودريان على بري وميقاتي برافقه السفير الفرنسي هيرفيه ماغرو، وعرض مع رئيس المجلس في حضور مستشاره الإعلامي علي حمدان «المستجدات السياسية وملف إنتخابات رئاسة الجمهورية فضلاً عن تطورات الأوضاع العامة على ضوء وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان» حسب معلومات رسمية.
وبحث لودريان مع ميقاتي الوضع في لبنان بعد التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار. وتركز البحث على موضوع أولوية انتخاب رئيس للجمهورية. وقال انّه «بعد كلام الرئيس الفرنسي من «أنّ استعادة سيادة لبنان تتطلّب انتخاب رئيس للجمهورية من دون تأخير»، أردت القيام بهده الجولة لاستطلاع الاوضاع والبحث مع مختلف الاطراف في امكان التفاهم على انتخاب رئيس، خصوصاً انّ رئيس مجلس النواب نبيه بري دعا الى جلسة انتخاب في التاسع من كانون الثاني المقبل».
الخرق الإسرائيلي
من جهة ثانية، وفي ظل استمرار الخروقات الاسرائيلية للاتفاق على وقف اطلاق النار، وفي مقابل مناخات التطمين والتفاؤل بصمود اتفاق وقف النار وسلوكه المسار التنفيذي المرسوم، أبدت مصادر سياسية عبر «الجمهورية» مخاوف حقيقية إزاء طريقة التعامل الإسرائيلية معه. فأركان حكومة نتنياهو ما زالوا يصرّون على اعتبار الاتفاق مجرد هدنة اختبارية ليس مضموناً أنّها ستُنهي الحرب في لبنان. وفوق ذلك، أوحى سلوك الجيش الإسرائيلي في الجنوب بكثير من الشكوك إزاء نياته في مهلة الشهرين الممنوحة لتنفيذ الاتفاق. فعلى مدى اليومين الفائتين، واصل الإسرائيليون ضرباتهم لعدد من القرى الجنوبية، وفرضوا منع التجوال ليلاً في عمق المنطقة التي توغلوا فيها أو سيطروا عليها بالنار، وقتلوا 6 مواطنين حاولوا الدخول إلى قراهم. وفوق ذلك، أغاروا على أهداف ادّعوا أنّها مستودعات لـ«حزب الله» في منطقة الزهراني، أي شمال خط الليطاني.
ووفق موقع «أكسيوس» الأميركي، عمدت إسرائيل إلى إبلاغ الأميركيين مسبقاً بأنّها في صدد الإغارة على موقع لـ«الحزب». وهذا الأمر قد يكون مؤشراً إلى نموذج تصرّفها في الأيام والأسابيع المقبلة. ما يعني انّ إسرائيل ستترك لنفسها حرّية التصرف جنوب الليطاني وشماله، ما يجعل الاتفاق حبراً على ورق قبل بلوغ نهاية مهلة الشهرين. وسألت المصادر: «هل ستُترك إسرائيل طليقة اليدين في التعاطي مع الاتفاق؟.
نتنياهو يهدّد
وكانت القناة 13 الإسرائيلية بثت أنّ نتنياهو يعقد مشاورات أمنية لبحث إمكانية مواصلة الحرب على جبهات عدة. وقال: «لم أقل إنّ ما يجري في لبنان هو وقف للحرب بل وقف لإطلاق النار، وقد يكون قصيرًا». وأشار إلى أنّ «إسرائيل تمكنت من إزالة تهديد الاجتياح البري الذي كان يشكّله «حزب الله» عند الحدود الشمالية». وأكّد أنّه «أوعز للجيش الإسرائيلي بالاستعداد لشن حرب قوية في حال تمّ خرق اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في شكل واسع». كذلك قال نتنياهو للقناة 14 العبرية القريبة منه «إنّ خطر تسلّل «حزب الله» برياً لشمال إسرائيل زال لأننا هدمنا البنية العسكرية فوق الأرض وتحتها».
قيادة الجيش
وأصدرت قيادة الجيش اللبناني بياناً امس جاء فيه: «في 27 و28/11/2024، وبعد الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، أقدم العدو الإسرائيلي على خرق الاتفاق عدة مرّات من خلال خروقات جوية، حيث قامت الطائرات الإسرائيلية بانتهاك الأجواء اللبنانية، كما استهدفت الأراضي اللبنانية باستخدام أسلحة متنوعة، مما يشكّل انتهاكاً للهدنة والاتفاق الموقّع. وتتابع قيادة الجيش هذه الخروقات بالتنسيق مع المراجع المختصة لضمان أمن لبنان وحماية سيادته. وتؤكّد القيادة على جاهزية الجيش لمواجهة أي تهديدات والعمل على حفظ الاستقرار في البلاد».