كتبت صحيفة “الشرق الأوسط”: ما إن حدد رئيس مجلس النواب اللبناني، نبيه برّي، التاسع من يناير (كانون الثاني) المقبل، موعداً لانتخاب رئيس الجمهورية، حتى سرّعت الكتل النيابية والقوى السياسية المعارضة اتصالاتها ولقاءاتها؛ للتشاور بشأن الأسماء المطروحة والاتفاق على اسم المرشّح الذي تتقاطع حوله، وتكون قادرة على تسويقه مع الفريق الآخر، خصوصاً الثنائي الشيعي («حزب الله» و«حركة أمل») الذي كان له الدور الأساسي في تعطيل الانتخابات الرئاسية منذ نحو 25 شهراً حتى الآن.
ومع أن المهلة الفاصلة عن موعد الجلسة كافية لتتفق جميع الكتل النيابية أو أغلبها على مرشحٍ واحد، فإن هامش الاختيار لم يعد واسعاً كما كان في السابق، بفعل الاهتمام العربي والدولي بهذا الاستحقاق، الذي بحثه جان إيف لودريان، مبعوث الرئيس الفرنسي، مع القيادات اللبنانية في بيروت الأسبوع الماضي. وأعلن عضو كتلة حزب «القوات اللبنانية» النائب غياث يزبك أن «قوى المعارضة منكبّة على درس كلّ المعطيات الرئاسية؛ بما فيها الأسماء والمواءمة بين الأشخاص والمتطلبات الوطنية المنتظرة من الرئيس العتيد». واعترف يزبك في تصريح لـ«الشرق الأوسط» بأن «هناك مراجعة فيما خصّ ترشيح المعارضة الوزير السابق جهاد أزعور؛ بسبب المنحى العام المختلف حالياً، ولأن فريق الممانعة يعدّه مرشح تحدٍّ. من هنا بدأ البحث عن طروحات وأشخاص لا يشكلون تحدياً للآخرين، ويفترض بفريق الممانعة أيضاً أن يبحث عن اسم غير مستفزّ».
ورغم مضي أكثر من عامين على الفراغ الرئاسي، فإن الأطراف؛ بما فيها نواب المعارضة، عادوا للحديث عن مواصفات الرئيس العتيد، ورأى النائب يزبك أن «المرحلة المقبلة تحتاج إلى رئيس ملّم بالاقتصاد، وقادر على القيام بالإصلاحات المطلوبة، ويحظى بثقة المؤسسات الدولية؛ بما فيها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وإذا اقتضت اللعبة السياسية البحث عن أسماء أخرى لا تشكل تحدياً لأحد، فلا مانع». وقال: «نمى إلينا أن مرجعية الممانعة (الثنائي الشيعي) بدأت تدرس التخلي عن ترشيح سليمان فرنجية، لذلك بات المسرح مفتوحاً على مقاربة ملفّ الرئاسة بصفته حاجة وطنية ودستورية»، مشيراً إلى أن «(القوات اللبنانية) وقوى المعارضة لا تسعى لملء موقع رئاسة الجمهورية بأي شخص، بل تريد رئيساً سيادياً إصلاحياً قادراً على النهوض بلبنان، وعلى معالجة الملفات السياسية والأمنية، وإعادة بناء الجسور مع الأشقاء العرب، بعد الإساءات التي صدرت بحقهم عن قوى الممانعة».
وبشأن ما إذا كان «القوات اللبنانية» استبعد ترشيح قائد الجيش، أكد يزبك أنه «في المسار السياسي القائم، لا يزال اسم قائد الجيش مطروحاً بقوّة، وإذا حصل التقاطع على اسمه بالنظر إلى تجربته الناجحة على رأس المؤسسة العسكرية، فلا مانع لدينا مطلقاً».
وفي حين يحاذر نواب المعارضة الدخول في الأسماء تجنباً للإحراج، أو تحسباً من تبدّل يطرأ في الساعات الأخيرة، أعلن النائب المستقلّ ميشال ضاهر صراحةً أن مرشحه لرئاسة الجمهورية هو قائد الجيش العماد جوزف عون. ورأى أن «انتخاب الرئيس لا يعني الاتفاق على أي شخصية تملأ الفراغ في (قصر بعبدا) وتسيطر عليها الطبقة السياسية، لتعود من جديد إلى نغمة المحاصصة والصفقات». وأكد ضاهر في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «رجل الأمن يمكنه أن يضبط الاستقرار، وهذا الاستقرار يأتي بالاستثمارات للبنان. أما رجل الاقتصاد، فلا يستطيع أن يفرض الأمن».
الخروج من الأزمات السياسية والاقتصادية والأمنية لن يكون بانتخاب الرئيس فقط، بل بالبرنامج الذي يحمله والقادر على تطبيقه مع الحكومة التي ستشكَّل، ويؤكد النائب ميشال ضاهر أنه «سيطالب بعد انتخاب الرئيس بإعطاء حكومة العهد الأولى صلاحيات استثنائية تتعلّق بالوضعين المالي والاقتصادي؛ لأن المجلس النيابي الحالي هو مجلس شعبوي فاشل بغالبيته، وغير قادر على الرقابة والمحاسبة، ولا يشرّع إلّا يما تقتضيه مصلحة منظومة السلطة الفاسدة».
وتتعامل الكتل النيابية مع جلسة التاسع من يناير المقبل على أنها ستشهد انتخاب الرئيس وإنهاء مرحلة الشغور، بالاستناد إلى إعلان برّي أنه سيدعو السفراء والدبلوماسيين العرب والأجانب لحضورها، ولفت عضو كتلة «تحالف التغيير» النائب ميشال الدويهي إلى أن «التحرّك الجدي والفاعل للمعارضة سينطلق مطلع هذا الأسبوع»، عادّاً أن «الاتصالات واللقاءات يجب ألّا تقتصر على نواب المعارضة فقط، بل كلّ الكتل النيابية؛ لرصد الملاحظات والتحفظات على الأسماء المطروحة». وأكد الدويهي لـ«الشرق الأوسط» أن «موعد انتخاب الرئيس يجب أن يكون مناسبة يتواضع فيها الجميع، خصوصاً (الثنائي الشيعي) لننتخب رئيساً سيادياً، ونبدأ مرحلة بناء الدولة». وقال: «حتى الآن لم تتخذ كتلة (تحالف التغيير) موقفاً نهائياً بشأن مرشحها المفضّل، لكنها متفقة على المجيء برئيس يعيد للدولة هيبتها، ويبدأ مرحلة بناء المؤسسات ومعالجة الأزمات، وليس رئيساً لإدارة الأزمة».
حتى الآن لم يحسم طرفا المعارضة والموالاة موقفيهما من إمكانية تخلّي كلّ منهما عن مرشحه، ففي حين لم يعلن «الثنائي الشيعي» تخلّيه عن ترشيح فرنجية، فقد عدّ النائب الدويهي أن «مرشّح المعارضة جهاد أزعور الذي نال 59 صوتاً في جلسة الانتخاب الأخيرة التي انعقدت في 14 حزيران (يونيو) 2023، قد تتقاطع على اسمه أغلب الكتل». وقال: «نتمنّى أن ننتخب رئيساً بأكثرية 86 صوتاً (أي ثلثي أعضاء البرلمان)، لكن إذا لم يتحقق ذلك، فيجب أن تعقد الجلسة بدورات متتالية حتى ننتخب رئيساً ولو بـ65 صوتاً»، مستبعداً أن تنتهي الجلسة دون رئيس؛ «لأن الضغط الدولي بات كبيراً، خصوصاً بعد التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار». وختم الدويهي قائلاً: «لو اقتنع (الثنائي الشيعي) بعدم تعطيل الاستحقاق، لكنّا انتخبنا رئيساً صُنع في لبنان».