كتبت صحيفة “الجمهورية”: الداخل المضبوط بمستوياته الرسمية والحكومية في مسار لملمة آثار العدوان الإسرائيلي، والبحث في كيفية توفير مستلزمات إعادة البناء وطَرقْ أبواب الاصدقاء والأشقاء لمدّ يد المساعدة لإنهاض لبنان من الكارثة التدميرية التي ضربت مساحات واسعة في الضاحية والجنوب والبقاع، فإنّه على مستوى التحدّي الأكبر في إعادة إحياء الدولة ومؤسّساتها، بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية، لم ينخرط بعد في هذا المسار الذي فتحه رئيس مجلس النواب نبيه بري بتحديد موعد لجلسة انتخاب الرئيس في التاسع من الشهر المقبل، أي بعد 34 يوماً، أكّد أنّها فترة كافية للتأسيس لجلسة بنصاب كامل انعقاداً وانتخاباً (86 نائباً فما فوق)، تثمر ولادة لرئيس الجمهورية».
انتظار .. وتعقيدات
رئاسيًّا، حتى الآن، يبدو هذا الإستحقاق مسترخياً في مربّع الجمود. وبرغم أنّ الفترة الفاصلة عن امتحان النوايا والمسؤولية والصدقية ومدى الإستعداد لإتمام الانتخابات الرئاسية في جلسة 9 كانون الثاني، التي يفترض أنّها ضاغطة على الجميع، فإنّ المكوّنات السياسيّة والنيابيّة المعنيّة بهذا الاستحقاق، تبدو في حال انتظار بلا سقف، ترقباً للإطار الحواري أو التشاوري وماهية جدول أعماله، الذي سيتمّ من خلاله العبور إلى أيّ شكل من التلاقي والتوافق أو التفاهم على الحسم الايجابي للملف الرئاسي.
ووفقاً لما استخلصته «الجمهورية» من الأجواء الداخليّة، فإنّ ثمّة سؤالاً كبيراً يتردّد في الأوساط السياسيّة المعنيّة بانتخابات الرئاسة، مفاده؛ هل انّ هذه المكونات السياسية مستعدة لأن تنقّي المسار الرئاسي من الشروط والتعقيدات، ولأن تراجع حساباتها وتسلّم بالحاجة التي زادها العدوان الإسرائيلي على لبنان إلحاحاً وضرورة، وتعدّل توجّهاتها الرئاسية وخياراتها الثابتة عليها منذ بدء الشغور الرئاسي قبل سنتين وشهرين، وبالتالي تتلقف مبادرة بري بتحديد موعد الجلسة الانتخابية، والتفاعل الإيجابي معها بما يجعلها جلسة مثمرة بالفعل؟
بري: فرصة للإنقاذ
الرئيس بري، حدّد مواصفات الرئيس الجديد الذي يرى وجوب انتخابه في جلسة 9 كانون الثاني، بالرئيس الذي يجمع ولا يفرّق ولا يشكّل تحدّياً لأحد، ودافعه الأساس، كما تؤكّد مصادر عين التينة لـ«الجمهورية»، ما استجدّ على لبنان خلال الشهرين الماضيين، والضرورات الرئاسية والوطنية التي توجب إعادة تصويب مسار الدولة (امام ما هو ماثل في دربها من تحدّيات)، بدءًا بانتخاب رئيس للجمهورية، وأوجب الواجبات الملقاة على الجميع هو أنّ نسبق الوقت، وتسخير الأيام الفاصلة عن موعد جلسة 9 كانون الثاني، كفرصة للإنقاذ والتشارك في بناء مخرج طوارئ للبنان من نفق الأزمة».
الرهان على النقاشات
الصورة الداخلية، جوهرها الحالي نقاشات في داخل المكونات السياسية تمهيدًا للنقاشات المنتظرة على مستوى موسّع بين بعضها البعض. ووفق معلومات موثوقة لـ«الجمهورية»، أنّه حتى الآن، لم يطرأ عليها تبدّل نوعي، يشجّع على الاعتقاد، بأنّ الطريق الرئاسي سالك وآمن، وانّ المكونات السياسية فكّكت تعقيداتها وعدّلت خياراتها واشتراطاتها السّابقة التي ساهمت في تعطيل الاستحقاق وإطالة عمر الفراغ في رئاسة الجمهورية. ما يعني تبعاً لذلك، انّ الانقسام الرئاسي ما زال قائماً، حتى يثبت العكس. وردم هذا الانقسام وسدّ فجواته الواسعة، معلّقان على ما ستفضي اليه النقاشات بين اطراف الخلاف خلال الايام المقبلة».
الوقت ضيّق
يُشار في هذا السياق إلى ما لفت اليه مرجع كبير عبر «الجمهورية» حول «انّ الفترة لبلوغ التفاهم او التوافق او اي مرادف لهما يحقق الهدف الانتخابي، ليست مفتوحة بل مقيّدة بهامش زمني ضيّق، وخصوصاً انّ شهر كانون الاول الجاري، هو شهر الأعياد، الميلاد ورأس السنة، واعتباراً من منتصف هذا الشهر سيدخل البلد تلقائياً في عطلة الاعياد، وهو الامر الذي يوجب استغلال الوقت للحسم السريع للتوافق المنشود».
ليونة.. وحذر
وعلى ما يؤكّد مصدر سياسي رفيع لـ«الجمهورية»، فإنّ مبادرة الرئيس بري إلى تحديد موعد جلسة الانتخاب، بقدر ما عبّر فيها عن جدّية في حسم الاستحقاق في 9 كانون، أرفقها بتأكيده انّه سيدعو اليها السفراء والبعثات الديبلوماسية العربية والاجنبية في لبنان، فهي بالقدر نفسه، وربما اكثر، أحدثت صدمة مفاجئة لكلّ الأطراف، التي وجدت نفسها منقادة إلى التفاعل الايجابي معها، وإلى إبداء ليونة اولية في مقاربتها لهذا الملف. الّا انّ العبرة تبقى في ما اذا كانت النقاشات الرئاسية المنتظرة ستفضي الى تفاهمات او إلى دورات جديدة في حلبة الشروط والتعقيدات.
ومن هنا، ينظر المصدر بإيجابية إلى الليونة التي تبدّت في بعض المواقف، ولاسيما من قبل «التيار الوطني الحر» الذي تابع مسار الليونة التي انتهجها منذ مدة، وتحدث رئيسه النائب جبران باسيل بالأمس عن تحرّك داخلي يؤدّي إلى تفاهم لبناني على انتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني. وكذلك ينظر بإيجابية إلى ما سمّاها الليونة المستجدة التي عبّرت عنها قوى المعارضة خلال اجتماعها الأخير في معراب في حضور رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، التي اقتربت من عنوان التفاهم، بعد زمن طويل من الاعتراض عليه، حيث اكّدت انّها ستكثف الجهود والاتصالات مع كل الكتل النيابية (وليس مع كتل معارضة حصراً) في محاولة للتفاهم حول مرشح يحظى بتأييد واسع.
ورداً على سؤال حول اشتراط المعارضة ان تكون جلسة 9 كانون الثاني مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس الجمهورية قال المصدر عينه: «الجلسة الانتخابية المفتوحة مستبعدة، كون اعتمادها يعني تعطيل عمل المجلس النيابي، حيث انّ الدستور يقول صراحة في حالة انعقاد جلسة الانتخاب الرئاسية، بعدم جواز قيام مجلس النواب بأي عمل قبل الانتهاء من انتخاب رئيس الجمهورية. وبالتالي فإنّ الرئيس بري سبق له ان اكّد في مناسبات عديدة انّه سيدعو إلى جلسات انتخابية متتالية بدورات متتالية أولى وثانية وثالثة ورابعة حتى انتخاب رئيس الجمهورية. وهو كما يؤكّد أنّه جاد جداً في انتخاب الرئيس من اول جلسة، وإن امكن له ذلك ففي اول دورة انتخابية».
على أنّ المصدر الرفيع عينه يلفت إلى انّه «رغم الإيجابية التي تُلمس في بعض المواقف، الّا انّ ذلك لا يلغي الحذر، وخصوصاً أنّ هذه الأطراف لم تعلن صراحة او علناً انّها ملتزمة بالحضور في جلسة الانتخاب وتوفير نصاب انعقادها (86 نائباً فما فوق داخل القاعة العامة)، وعدم فرطه في كل الدورات الانتخابية».
محطة تغيير
إلى ذلك، اكّدت مصادر المعارضة لـ«الجمهورية»، انّه منذ اللحظة الأولى التي حدّد فيها الرئيس بري جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية في 9 كانون الثاني 2025، تمّ الاتفاق بين مكوّنات المعارضة لوضع خطة عملياً. مشيرة الى انّ المعارضة تجتمع كلجنة متابعة باستمرار، واتُفق على تظهير اجتماعاتها استعداداً لهذه المحطة.
ولفتت المصادر، إلى انّ المعارضة كانت تطالب باستمرار بسدّ الشغور وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، إن عن طريق التوافق أو من خلال تطبيق ما ينص عليه الدستور بجلسة مفتوحة ودورات متتالية. بالتالي جاء لقاء معراب ليحدّد خريطة الطريق التي ستسلكها المعارضة تحقيقاً لهدف انتخاب الرئيس. وقالت، إنّه تمّ في اللقاء الأخير الاتفاق على أن تبقى الاجتماعات مفتوحة، والتحرّك ضمن إطار تنسيقي كما يحصل دائماً، من اجل إبقاء الأمور ضمن هذا التفاهم للوصول إلى هذا الهدف.
كذلك، اشارت المصادر إلى أنّ المعارضة وضعت عناوين أساسية، ولاسيما منها: انتخاب رئيس للجمهورية ضرورة ملحّة، من أجل إعادة إنتاج سلطة جديدة. ويجب فعل كل شيء وأي شيء للوصول إلى هذا الهدف. وانّ مواصفات المرحلة التي يجب أن يتمتع بها أي رئيس لتدعمه المعارضة هي ثلاثية «الالتزام بتطبيق الدستور، والالتزام بتطبيق القرارات الدولية والالتزام بتطبيق نص قرار وقف إطلاق النار، ولا يجوز ولا يمكن ومن غير المقبول أن تكون مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية كما كل المراحل التي شهدناها في لبنان.
واكّدت المصادر، انّ المعارضة ترى «أنّنا بعد 27 تشرين الثاني أمام محطة تغيير في الأداء والممارسة، لا يجوز أن تبقى النصوص المرجعية في لبنان نصوصاً شكلية غير مطبّقة، يجب الالتزام بالنصوص، ويجب أن يشعر المواطن اللبناني أنّه مع إعادة سلطة دخل فيها لبنان في مرحلة جديدة، أي مرحلة إعادة بناء الدولة الفعلية بمؤسساتها من أجل طَي صفحة لبنان الساحة لمصلحة لبنان دولة المؤسسات والقانون».
عطية: التوافقي إنجاز
إلى ذلك، قال عضو تكتل «الاعتدال الوطني» النائب سجيع عطية لـ«الجمهورية»: «الوضع يبدو في حالة انتظار، فحتى الآن لا شيء في الأفق، ولم يبدأ التواصل بشكل جدّي. ولكن في مطلق الاحوال يجب ان ننتخب رئيساً للجمهورية، وان نختار شخصية تكون لمصلحة البلد وحكماً للبلد، وموثوقاً من قبل كل الاطراف، وإذا تمكنا من ان ننتخب شخصية توافقية فهذا بلا أدنى شك، يكون إنجازاً كبيراً جداً».
وكان وفد تكتل الاعتدال قد التقى السفير المصري لدى لبنان علاء موسى وجرى عرض التطورات على الساحة اللبنانية بدءاً باتفاق وقف إطلاق النار إذ أكد السفير المصري على دعم بلاده لجهود استقرار لبنان والحفاظ على سيادته.
كما تطرق الاجتماع للاستحقاقات السياسية المقبلة وعلى رأسها انتخاب رئيس الجمهورية، حيث عرض نواب كتلة الاعتدال تقديرهم في هذا الصدد ومن جانبه عبر السفير موسى عن دعم مصر لكافة جهود إنهاء الفراغ الرئاسي وصولاً لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية في الجلسة المقررة يوم ٩ كانون الثاني.
الاتفاق صامد
جنوباً، وفي انتظار الاجتماع الاول للجنة مراقبة اتفاق وقف اطلاق النار على جبهة لبنان خلال الساعات المقبلة، بقيت اسرائيل ممعنة في التعامل مع المنطقة الجنوبية ولاسيما المحاذية للخط الحدودي، كمساحة مستباحة لها، إن بالقصف المدفعي المتواصل على العديد من البلدات، او بالطلعات المتواصلة لطيرانها الحربي والمسيّر في الأجواء الجنوبية، مع تنفيذ غارات مسيّرة في بعض البلدات، او بالتوغلات المتتالية في عمق القرى، كما حصل بالأمس في عيترون والخيام، والتدمير الإجرامي الشامل لمنازلها بالنسف والتجريف. او بمنع اهالي المناطق الحدودية من العودة إلى بلداتهم، وإصدار البيانات التحذيرية لهم بشكل متواصل منذ الاعلان عن اتفاق وقف اطلاق النار.
وفي موازاة التحذيرات التي تتوالى من اتجاهات مختلفة من ان يؤدي تمادي اسرائيل في خروقاتها إلى انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، لوحظ الحضور الاميركي المكثف على هذا الخط، في محاولات متتالية مع إسرائيل لوقف خروقاتها وتأكيد التزامها بالاتفاق. وكذلك من باب الطمأنة على صلابة الاتفاق على ما اكّد البنتاغون امس الاول، وكرّر ذلك بالأمس وزير الخارجية الاميركية انتوني بلينكن، الذي قال خلال اجتماع حلف شمالي الاطلسي امس: «انّ اتفاق وقف اطلاق النار بين اسرائيل و»حزب الله» صامد»، مضيفاً «انّ وقف النار متماسك، وأي انتهاكات للاتفاق يُعلن عنها يتمّ التصدّي لها والتعامل معها من خلال آلية مخصصة لذلك».
ميقاتي
إلى ذلك، قال رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي خلال جلسة مجلس الوزراء في السراي الحكومي امس: «مضى أسبوع على وقف اطلاق النار وما زلنا نرى الخروقات الاسرائيلية التي تحصل، وهي بلغت حتى الآن اكثر من 60 خرقاً. وقد لمست من خلال اتصالاتي مع الدول التي شاركت في التوصل إلى وقف اطلاق النار وتحديداً الولايات المتحدة وفرنسا، حرصاً على معالجة الخروقات. ومن هنا حصل في اليومين الاخيرين تثبيت أكيد لوقف اطلاق النار، ونأمل ان يتحوّل الى استقرار دائم، رغم اننا نتخوف ونحذّر من خروقات تعيدنا إلى أجواء القلق».
وتوجّه ميقاتي إلى العائدين إلى ارضهم وبلداتهم قائلا: «إنّ الحكومة ستواكب عودتكم الكريمة وتبذل جهدها لتحصين وجودكم ودعم صمودكم الاجتماعي والعمراني في بلداتكم». وتوجّه إلى أصدقاء لبنان بـ»الشكر والتقدير لجهودكم ودعمكم المعنوي والإغاثي، متطلعين معاً الى مزيد من التفاعل والتضامن». ودعا اللبنانيين المنتشرين الى الإسهام في ورشة النهوض وبناء الأمل». اضاف: «إننا نتطلع بثقة لدعوة رئيس مجلس النواب نبيه بري وتحديد التاسع من كانون الثاني موعداً لانتخاب رئيس للجمهورية. وكلنا رجاء ان يكون للبنان رئيس جديد يجمع ويحمي ويصون، ويلتقي حوله اللبنانيون.