كتبت صحيفة “النهار ” تقول : فيما كانت وكالة “رويترز” تتحدث مساء أمس عن “كفاح سلطات لبنان الذي يمر بأزمة سيولة لاتخاذ قرار في شأن سندات دولية قيمتها 1.2 مليار دولار تستحق في آذار المقبل، وسط ميل مصادر سياسية ومصرفية الى سداد مستحقات حامليها من الأجانب ومقايضة المستثمرين المحليين”، علمت “النهار” ان اتصالات الايام الاخيرة توصلت أمس الى ما يشبه الاتفاق الذي وافقت بموجبه المصارف على عملية “سواب” لسندات آذار 2020، على أن تتم عبر دفع المصرف المركزي للمصارف مستحقاتها من فوائد الإصدار وايداعها حساباتها في مصرف لبنان لاستعمالها كأصول في زيادة رسملة المصارف. أما القيود على رأس المال “الكابيتال كونترول” التي فرضتها المصارف بحكم الأمر الواقع، وتنصّل الكثير من السياسيين منها، فباتت أمراً واقعاً بعدما أنجز مصرف لبنان النسخة الاولى من “التعميم المقترح” الذي يؤكد أنّ النموذج الاقتصادي الحالي قد سقط.
واذا كان “الكابيتال كونترول” اجراء يخضع للتشريع، فان الصلاحيات الاستثنائية لمصرف لبنان لا تخضع لمدّة مُعينة بل له ان يحدد هذه المهلة وفق ما تقتضيه الحاجة. والمستغرب في الموضوع ان المشرع يبتدع صفة جديدة لمفهوم النقد وهو “الاموال الجديدة” عبر حسابات مالية مستحدثة أو عبر التفرغ عن حساب سابق.
الغاية المعلنة الرئيسية للصلاحيات الاستثنائية هي، كما قال الحاكم رياض سلامه، توحيد القيود التي تطبقها المصارف العاملة وتنظيمها بهدف ضمان تطبيق الإجراءات بشكل عادل وعلى قدم المساواة بين المودعين والعملاء.
ويشمل “التعميم المقترح” ، مروحة واسعة من القيود. أهمها، حظر أو فرض ضرائب على بيع العملة الوطنية وشراء العملات الأجنبية، وتحديد سقوف على مقدار الأموال المسموح بتحويلها إلى الخارج، وتحديد سقوف سحب أسبوعية بالعملة المحلية من الحسابات الجارية، وتحديد سقوف سحب من الحسابات الدولارية.
وبفرضها الضوابط، تكون جمعية مصارف لبنان قد أعطت نفسها حقّاً يعود في الأساس إلى المصرف المركزي. وبفرضه “التعميم المقترح” يكون مصرف لبنان قد أعطى نفسه حقّاً، يعود في الأساس إلى مجلسَي النواب والوزراء، وعوض اقتراح قانون مُعجّل مكرّر يرمي إلى تنظيم “الكابيتال كونترول” وضع المركزي هذه الضوابط.
وقالت مصادر نيابية لـ”النهار” إن مجلس النواب آثر عدم اصدار القيود على التحويلات بقانون قد يعرض سمعة لبنان الخارجية للضرر، رغم الحاح الحاكم على الامر لتجنب تعريض المصارف للملاحقات القضائية، وفضل المجلس اعطاء صلاحيات استثنائية لمصرف لبنان لاتخاذ تلك الاجراءات بقرارات وليس بقانون ما يعطيها الطابع الموقت.
و”التعميم – الاقتراح” يضع حدّاً، في حال إقراره، لتدابير جمعية المصارف غير القانونية والاستنسابية في التعامل مع المودعين، والتي أعلنتها في 18 كانون الثاني الماضي. ويعول على الاجراءات الجديدة، انسجاماً مع البيان الوزاري، لخفض أسعار الفائدة، لتُصبح قرابة 3% تقريباً على الدولار للمودع، و6 أو 7% للمُقترض، فيبقى المصرف قادراً على المحافظة على هامش ربح مُعيّن. (مضمون التعميم المقترح ص5)
”السواب” لسندات “الاوروبوندز”
من جهة أخرى، تتطلع الاسواق أولا الى صفقة “السواب” وسط تغيير مطرد للاسعار ومن النادر أن يتغير العائد على سندات “الاوروبوندز” المتداولة في الأسواق والتي تستحق في فترة قريبة، الا ان المضاربات على سندات لبنان لآذار 2020 قد يتقاضى منها جزءاً من فائدة الإصدار، أي أنه سيحقق خلال فترة شهرما يمكن ان يحققه في فترة سنة كاملة.
واستناداً الى الإحصاءات المتوافرة، يبلغ مجمل محفظة لبنان من سندات “الاوروبوندز” 29.8 مليار دولار تتوزّع على أكثر من جهة. المصارف اللبنانية تحمل سندات بقيمة 14.8 مليار دولار، ويحمل مصرف لبنان 3.4 مليارات دولار، وتحمل صناديق استثمارية أجنبية ومصارف أجنبية ومتعاملون أجانب آخرون ما تقدر قيمته بنحو 11 مليار دولار. ويتردّد أن مصارف لبنانية رهنت سندات بقيمة ثلاثة مليارات دولار لدى مصارف أجنبية مقابل قروض بالدولار وظّفتها في هندسات مصرف لبنان في السنوات الأخيرة، وقيمة هذه السندات لا تظهر في ميزانيات المصارف، رغم أنها تملكها فعلاً، لذا فإن قيمة السندات الفعلية التي تحملها المصارف تبلغ 17.8 مليار دولار.
وكان حاكم مصرف لبنان قد عمم على المصارف والمؤسسات المالية ومفوضي المراقبة أن أي عملية تسديد لسندات “الاوروبوند” أو شهادات الايداع ستكون لدى شركة “ميدكلير” في لبنان وفقا لتعميم وسيط رقم 541 يؤكد صرف اموال “الاوروبوندز” محلياً.
الى أين سيؤدي هذا الكلام؟
سياسياً، لم يعرف مدى التنسيق مع القوى السياسية لتغطية هذه القرارات، ومعلوم أن معارضة “الكابيتال كونترول” تأتي بشكل واضح من رئيس مجلس النواب نبيه برّي. فقد نقل عنه زواره أنّه “رفض أي شكل من أشكال الكابيتال كونترول”. أما بالنسبة إلى صندوق النقد الدولي، فيُمكن “تطبيق الضوابط على رأس المال، حين تكون جزءاً من حزمة أوسع، تهدف إلى تحسين البيئة الاقتصادية والمالية للبلد”. وأوضح الخبير معن البرازي، أنها إجراءات “تهدف إلى الحدّ من التحويلات والمدفوعات المرتبطة بمعاملات رأس المال” (صندوق النقد الدولي - 2011). وتنظيم هذه التدفقات يؤدّي إلى “تفادي الآثار المتأتية عن زيادة التدفق أو التوقف المفاجئ في دخول الأموال” (صندوق النقد الدولي – 2012). ولكن يبدو أنّ الضوابط على المال باتت تجد “جمهوراً” لها، إذ أعلن وزير العمل المستقيل كميل أبو سليمان أنّ “أول خطوة يجب القيام بها هي الكابيتال كونترول. يجب أن يتمّ تنظيم ذلك إما من مجلس النواب أو مجلس الوزراء أو مصرف لبنان”.
وأضاف “أن الضوابط التي رسمتها جمعية المصارف عنوانها الرئيسي: “تغيير قواعد الاشتباك” بين المصارف والعملاء حفاظاً على “حماية القطاع المصرفي لا المصرف” وذلك لأن “سقوط مصرفٍ واحدِ أو مصرفين من أصل 67 مصرفاً سيكون أفضل بكثير من سقوط القطاع المصرفي بأكمله”… فكيف ذلك؟
المصرف المركزي، الذي يبدو أن جزءاً من ديونه بات يُعتبر Bad Debt/Bad Assets، وهو ما اتضح في خفض التصنيف الائتماني المتتابع للبنان، ولدَينِه السيادي، وحتى للبنوك الخاصة تحت المجهر بصفته مجدداً LENDER OF LAST RESORT . و الدولة اللبنانية تقترب بسرعة من الإفلاس، فهل هذا الأمر ما دفع أبرز دائنيها، أي المصارف الخاصة، إلى تجميد أموال المودعين وحساباتهم الجارية، كضمانة ووسيلة تفاوض مع المصرف المركزي لتحصيل الديون، وربما كرهينة تستعدّ للاقتطاع منها؟” لا جواب أكيداً حتى الان.
التضييق على الانتفاضة
سياسياً، تتحدث مصادر ناشطين في الانتفاضة عن قرار سياسي على مستوى رفيع بعيداً من مجلس الوزراء، قد اتخذ لاخماد الانتفاضة والتضييق على الناشطين فيها، بعدما تم تهديد عدد منهم بعدم التوجه اطلاقاً الى طريق القصر الجمهوري في بعبدا، او فتح ملفات لهم قد تؤدي الى توقيفهم. وتؤكد المصادر ان الخناق بدأ يشتد على العديد من الناشطين الذين يجري توقيفهم والتحقيق معهم لاسباب ترى المصادر انها تافهة، والقصد منها توجيه رسالة الى من يعنيهم الامر من الناشطين ومشجعي الانتفاضة.