كتبت صحيفة “الديار” تقول: تحتاج حالة الاستعصاء الداخلي الى اكثر من صلاة من قبل البابا على نية لبنان، والى اكثر من عظات دينية في احد الفصح والشعانين. فان الصراع على الساطة، في ظل لعبة المصالح الخارجية وتقاسم النفوذ الداخلي، غير قابل للحل بالنيات الطيبة. فالعجز عن اجتراح الحلول على الارض دفع البعض الى التضرع واللجوء الى السماء كتعبير واضح عن الاحباط والاستياء من غياب اي حراك جدي يخرج البلاد من “عنق الزجاجة”. حتى الآن يبدو لبنان وحده الساحة غير المتحركة سياسيا على الرغم من حركة المصالحات المتسارعة في المنطقة، لكن ثمة رهان جدي بحسب اوسط دبلوماسية ان يتحرك شيء ما خلال الشهر المقبل الذي سيشهد الخطوات العملانية لبدء تطبيق “خارطة طريق” الحل في اليمن التي تعتبر ساحة الاختبار الاكثر جدية للتقارب السعودي- الايراني، وبعدها يفترض ان يكون لبنان على “الطاولة” مجددا، اما اذا لم تتحرك الامور حينئذ، فهذا يعني ان الازمة طويلة ولن تحل قبل بدء مرحلة الحل النهائي بعد نحو عام! اي الى اجل “غير مسمى”. ولان العالم يبحث عن مصالحه، لن يكون الامر دون ثمن اقتصادي لا سياسي هذه المرة، في ظل صراع نفوذ جدي لتقاسم الاستثمارات اللبنانية الواعدة، بين باريس ودول الخليج حيث يبدو الانهيار اللبناني فرصة سانحة لتحقيق الارباح بعد ان اصبحت معظم القطاعات “ببلاش”. داخليا لا جديد يذكر في عطلة الاعياد على الصعيد الرئاسي، “المعارضة” الموحدة “علنا” على رفض ترشيح رئيس تيار المردة سليمان فرنجية على انقسامها حول المرشح البديل،”الثنائي الشيعي” يرى ان فرصه لا تزال الاوفر للوصول الى بعبدا وهي تتعزز مع التطورات في الاقليم، اما رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط الذي سعى الى ايجاد تسوية، فقد يكون، بحسب زواره، قد وصل الى نهاية الطريق في مسعاه، وهو “غسل يديه” من اي حراك بهذا الاتجاه بعدما اصطدم بالعقم الداخلي، ولعبة المصالح الكبرى خارجيا، وعاد الى “التلة” يراقب تسوية خارجية آتية ستفرض عاجلا او آجلا على الداخل. اما جنوبا فلا يزال الترقب سيد الموقف على الرغم من استراتيجية “الهدوء مقابل الهدوء” التي تبنتها “اسرائيل” “مرغمة” عقب موجة الصواريخ التي رسّخت ترابط الساحات ووحدة الجبهات، واختارت تحييد حزب الله الذي نجح في تعزيز معادلة الردع دون ان يضطر الى اطلاق رصاصة واحدة، لكن الحذر يبقى قائما مع احتمال قيام دولة الاحتلال بـ “عدوان وشيك” على قطاع غزة، ما قد يهدد الاستقرار الاقليمي برمته.
هل انتهى التصعيد جنوبا؟
وفيما سلمت المندوبة الدائمة بالوكالة لدى الأمم المتحدة في نيويورك جان مراد، كتاب الشكوى الذي وجهته وزارة الخارجية باسم الحكومة اللبنانية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن بعد الغارات الاسرائيلية، يبقى التوتر تحت “الرماد” بعد تحذير السلطة الفلسطينية من حرب وشيكة على غزة قد تهد الاستقرار في المنطقة، و ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، أنّ اسرائيل تواجه العاصفة المثالية لحربٍ متعددة الجبهات، تضمّ إيران وحزب الله وحركة حماس. ووفقا لصحيفة “هآرتس، فإنّ الجولة الحالية من العنف الحاصل على مختلف الجبهات، هي تكريس لاستراتيجية حماس وحزب الله، الطويلة الأمد، المتمثلة في إنهاك “إسرائيل” من خلال عملية استنزاف حتى الدمار. وقالت ان وكالات الاستخبارات الإسرائيلية حذرت منذ شهور، من حربٍ متعددة الجبهات. ولفتت الى ان لواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات “أمان”، وجّه تحذيراً استثنائياً للقيادة السياسية الأمنية ولقيادة الجيش الإسرائيلي، مفاده بأنّ ردع “إسرائيل” لأعدائها تآكل. وما يدلّ على ذلك هو سلسلة الاجتماعات التي عقدها في الأسابيع الأخيرة الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله مع مسؤولي حماس والجهاد الإسلامي، بهدف تنسيق المواقف. وقد تطرّق الإعلام الإسرائيلي باهتمام إلى اللقاء الذي جمع الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، مع وفد من قيادة حركة حماس الذي ضم رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية، ونائبه صالح العاروري، والذي غادر بيروت بالامس. واختصرت صحيفة “معاريف” الموقف بالقول “التجاهل المطلق للتحذيرات والإخطارات التي قدمها جهاز الأمن ووزير الدفاع يوآف غالنت كان يمكن أن توفر مادة دسمة للجنة تحقيق رسمية لو نشبت حرب في لبنان الثالثة”؟!
اين لبنان من التسوية؟
في هذا الوقت، تتسارع وتيرة تنفيذ اتفاق استئناف العلاقات بين السعودية وإيران الذي وقع في بكين برعاية صينية، وغداة وصول فريق فني من الخارجية السعودية إلى طهران، برئاسة ناصر بن عوض آل غنوم، للاعداد لفتح مقر السفارة السعودية، أعلنت طهران استئناف الرحلات الجوية بين البلدين بالامس، كما اعلنت وزارة الخارجية الإيرانية أن فريقها الفني سيتوجه إلى السعودية، في وقت لاحق من هذا الأسبوع، لتفقُّد السفارة الإيرانية في الرياض، والتجهيز لترتيبات إعادة فتح السفارة الإيرانية. ووفقا لمصادر دبلوماسية، فان ما شهدته صنعاء الاحد من مصافحة بين انصار الله ووفد سعودي يزور العاصمة اليمنية برئاسة سفير الرياض محمد آل جابر، للبحث في تمديد الهدنة والاتفاق على “خارطة طريق” للحل، ليس بالامر العابر، وهو مؤشر سيبنى عليه كثيرا في اكثر من ملف في المنطقة، ومنه لبنان، ولهذا فان الانظار ستكون مشدودة الى طبيعة التحولات الشهر المقبل الذي سيكون الاختبار الجدي لاحتمال تحرك التسوية على الساحة اللبنانية، حينئذ يكون الملف الرئيسي الشائك بين السعودية وايران قد تجاوز مرحلة الاختبار وبات على “سكة” الحل، وهذا سيعني حكما تصاعدا “للدخان الابيض” اللبناني، اما اذا لم يحصل ذلك وبقيت الامور على حالها، فهذا يعني ان ثمة شيئا لا يزال عالقا ولا يرتبط بكل ما يحكى عنه في العلن حول العقبات التي تحول دون التسوية، وهذا قد يدخل لبنان في متاهة مأزق طويل قد لا ينتهي قبل انتهاء خطوات بناء الثقة في الساحة اليمنية، بما تتضمنه من إجراءات اقتصادية يتم تنفيذها خلال فترة الهدنة المفترضة ممثلة في ستة شهور تعقبها ثلاثة شهور مفاوضات ومن ثم مرحلة انتقالية؟!
تنافس فرنسي- قطري- سعودي
لكن اذا حصلت التسوية فهل سيكون الحل دون ثمن؟ بالطبع لا تقول اوساط سياسية مطلعة، فالتنافس الفرنسي – الخليجي على الاستثمار في لبنان، كان واضحا على هامش الاجتماع الخماسي في باريس، ووفقا للمعلومات شهد مناقشات حادة وصريحة بين نزار العلولا وباتريك دوريل حول الملف الاقتصادي، وقد اتهم الجانب السعودي باريس بمحاولة فرض تسوية لتامين مصالحها الاقتصادية اولا، وكان الرد الفرنسي بان السوق تتسع للجميع. ومن هنا ترجح الصحيفة ان عنوان الصراع المقبل اقتصادي ولن يكون في السياسة هذه المرة، بعدما خرجت الرياض من استراتيجية الصراع السني-الشيعي وباتت لغة المصالح الاقتصادية تتقدم على ما عداها، ولهذا ستكون مع شقيقاتها دول الخليج في تنافس جدي مع باريس التي سبقت الجميع ولحقت بها قطر في الاستفادة من “الكعكة” اللبنانية عبر وضع اليد على اول عملية استخراج مفترضة للغاز من البلوك رقم 9.
لا شي “ببلاش”
كما نجح الفرنسيون في الاستثمار في المرفأ، ولديهم مرشحهم لحاكمية مصرف لبنان، واذا كانت مناقصة توسيع المطار التي رست على مستثمر سعودي قد الغيت، الا انها تعطي مؤشرا عن طبيعة التعامل المقبل مع الساحة اللبنانية التي هوت كل مؤسساتها وستكون عرضة للبيع او الاستثمار بمبالغ زهيدة، وهي استراتيجية تعتمدها دول الخليج وفي مقدمها السعودية مع الاصدقاء و”الخصوم”، لا “ِشيء ببلاش” بعد اليوم، وعلى سبيل المثال لا الحصر، أودعت السعودية والإمارات وقطر 13 مليار دولار في البنك المركزي المصري عام 2022 لمساعدة مصر التي تستورد حاجاتها الأساسية. ولكن هذه الدول باتت تطلب عائدات من الأموال، وطلبت من مصر وباكستان التي سمحت لها السعودية بتأجيل دفع مليارات عن مشتريات النفط، القيام بإصلاحات والحصول على حصة من أصول الدولة التي تعرض للبيع. وهذا ما سيكون الحال عليه في لبنان المطالب باصلاحات عميقة.
لا مكافآت بل استثمار
وبالارقام ووفقا لمجلة “الايكونوميست” البريطانية، فان الحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا رفعت من أسعار النفط والغاز بشكل جعل المصدّرين عائمين على بحر من الأموال. ففي أثناء الطفرات النفطية السابقة، كانت دول الخليج تعيد تدوير الموارد في أسواق العواصم الغربية، والاستحواذ على أصول عبر المصارف الموجودة في الخارج لكن الامور تغيرت، فاميركا أصبحت من أهم منتجي النفط، ودول الخليج لم تعد مجبرة على التودد إلى البيت الأبيض. وتقدر المجلة أن فائض الحساب الجاري لدول الخليج سيصل في 2022- 2023 إلى ثلثي تريليون دولار. وتقدّر شركة البيانات “أليكس إكسترا إكسانتي” أن مجموع فائض الحساب الجاري لدول الخليج جميعا في عام 2022 وصل إلى 350 مليار دولار. الدول الأربعة الكبرى ( السعودية الامارات الكويت قطر) ستحصل على فائض 300 مليار دولار في عام 2023، وهو ما يعني تراكم 650 مليار دولار في عامين. وهذه الاموال لم تعد تمنح “كهبات” ولم تعد الرياض جمعية خيرية بل دول تبحث عن الاستثمار، وهذا ما يجب ان يتحضر ليتعامل معه اللبنانيون.
جنبلاط “يغسل يديه”؟
في هذا الوقت، بات رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط مقتنعا ان قوى المعارضة خسرت ورقة “مساومة” على الملف الرئاسي، بعد الفشل في ايجاد مرشح موحد للمساومة عليه مع “الثنائي الشيعي”، مما يحرمها فرصة أن تكون لاعباً مؤثراً في الاستحقاق، وهو “يسخر” من بعض الذين يدعون البطولة في منع انتخاب مرشّح الفريق الآخر ومنع وصوله إلى قصر بعبدا، ويقول امام زواره، ان السلبية ليست بطولة ولا تخرج البلاد من مازقها. ووفقل لهؤلاء لم يعد جنبلاط متحمسا لمساعي التسوية المفترضة، وهو بات مقتنعا ان الازمة معقدة ولا حل داخليا، وما يخشاه جنبلاط ان يسقط الحل المنتظر من الخارج في تسوية بين “الكبار” ليفرض على الجميع في الداخل مهما علا صراخ البعض، عبر ادعاء كاذب، بانه قادر على الرفض!
حزب الله واثق من خياره
من جهته اعتبر عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب إبراهيم الموسوي، ان حظوظ سليمان فرنجية جدية وحقيقية وهي تكبر أكثر فأكثر داخليا وخارجيا. وقال ان الحوار هو السبيل الحقيقي والوحيد للتوصل إلى تفاهم حول موضوع انتخاب رئيس الجمهورية، وجدد دعوة حزب الله الى الحوار وان يطرح الفريق الآخر مرشحه الجدي في هذا المجال كمدخل للتفاهم لكي نصل جميعاً الى النهايات المرجوة.
بكركي وفرنجية؟
في هذا الوقت، اكدت مصادر نيابية ان محاولة النائب فريد الخازن “تلطيف” عظة البطريرك بشارة الراعي في قداس عيد الفصح، ونفيه ان يكون قصد زعيم تيار المردة سليمان فرنجية عندما قال” إن اللبنانيين يحتاجون إلى رئيس الثقة في شخصه لا تأتي بين ليلة وضحاها، ولا يكتسبها بالوعود والشروط المملاة عليه، ولا بالنجاح في الامتحانات التي يجريها معه أصحاب النفوذ داخلياً وخارجياً”، لم تقنع احدا، مع العلم ان النفي جاء بتغطية من بكركي التي ترغب في البقاء على مسافة واحدة من الجميع، على الرغم من حدة الكلام ووضوحه! وبالامس ابتعد الراعي عن الرئاسيات في خلال القداس التقليدي في اثنين الفصح على نية فرنسا في بكركي في حضور السفيرة آن غريو واركان السفارة، وشدد على ضرورة عودة لبنان الى موقعه الطبيعي في العالم العربي وعلى الخارطة الدولية.
لا جلسة حكومية
داخليا، لا جلسة حكومية هذا الاسبوع، ووفقا لمصادر وزارية، فان وزارة المال ستنجز ما عليها في ملف زيادة الاجور في القطاع العام وتصحيحها، وستعرضها هذا الاسبوع على اللجنة الوزارية في اجتماع يفترض ان يكون حاسما قبل الدعوة الى جلسة الاسبوع المقبل. وقد اكد رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي أن انعقاد جلسة لمجلس الوزراء مرهون بانتهاء البحث بموضوع تصحيح رواتب القطاع العام والتقديمات الممكنة ولفت الى ان وزارة المالية تعمل على قاعدة تأمين التوازن المطلوب وعدم الوقوع مجدداً في دوامة التضخم وزيادة العجز لتغطية كلفة الرواتب، وهذا الأمر هو أيضاً من ضمن بنود التفاهم الأولي مع صندوق النقد الدولي. ولفت إلى موضوع المتقاعدين الذي يتم درسه أيضاً بعيداً عن ضغوطات التهديد والشعبوية التي يعتمدها البعض، لمساعدة ودعم هذه الشريحة من الناس التي قدمت خدمات أساسية في كل القطاعات، لا سيما في الأسلاك العسكرية والأمنية.
تناغم مع الرياض
في هذا الوقت، رات تلك المصادر، ان استحضار ميقاتي للطائف خلال الهجوم الذي شنه رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على التيار الوطني الحر، من غير أن يسميه، على خلفية مقاطعته جلسات مجلس الوزراء، ياتي متناغما مع اجواء لقائه الاخير مع السفير السعودي الوليد البخاري الذي تمت فيه مناقشة مدى تمسك القوى المسيحية باتفاق الطائف سواء حلفاء المملكة او “خصومها”، خصوصا بعد “حرب الساعة” التي اثارت الكثير من الاستياء لدى السفارة في بيروت، وقد اتهم ميقاتي الفريق الذي يعرقل انعقاد جلسات الحكومة بانه يتصرف على قاعدة الانتقام المتأخر من اتفاق الطائف، ويعمل على نسفه بكل الوسائل…
عوائق لوجستية امام “البلديات”!
في هذا الوقت، وفيما تتحدث اوساط عين التينة عن جدية رئيس المجلس النيابي نبيه بري في اجراء الانتخابات البلدية والاختيارية هذا العام، ارسل اكثر من محافظ برقية الى وزارة الداخلية تتحدث عن عوائق لوجستية تحول دون ذلك في الموعد المقرر الشهر المقبل. ومن المفترض ان تعقد اللجان النيابية يوم غد الاربعاء اجتماعا لبحث مصادر لتمويل الاستحقاق، علما ان عوائق كثيرا تبقى عالقة حتى لو تم حل مسألة التمويل، فالموظفون في القطاع العام مضربون ولا نية لديهم لفك الاضراب لاجراء الاستحقاق، اما العائق اللوجستي الثاني فيرتبط بعدم القدرة على تلبية نحو مئة الف طلب ترشيح من اخراجات القيد والسجل العدلي، والطوابع، وغيرها من الامور غير القابلة للانجاز في الوقت المتبقي.