كتبت صحيفة “النهار”: في الذكرى الـ 48 للحرب في لبنان وعلى لبنان، لا حرب عسكرية ولكن تداعيات الازمات والاستباحة تثير ما يوازي الخوف من الحرب.
المفارقة ان الديموقراطية التي تشكل اقوى وسائل تحصين لبنان من افات الانقسام والتقسيم والفتن والدعامة الأقوى لاقامة الدعوة وتحصينها، باتت اقرب الى الممنوعات والمحرمات في ظل التعطيل المنهجي الذي يشكل مؤامرة موصوفة على الاستحقاقات الدستورية في لبنان. اخر هذه الحلقات، وعشية ذكرى 13 نيسان 1975، لم يفاجئ احداً السيناريو الباهت لإطاحة الانتخابات البلدية والاختيارية في مواعيدها المحددة في أيار المقبل والاستعاضة عنها بالتمديد سنة على الأرجح للمجالس المحلية القائمة، اذ ان رائحة هذا السيناريو الموضوع بين مطابخ وكواليس الرئاستين الثانية والثالثة وقوى سياسية عدة كانت قد ازكمت الانوف مسبقا رغم سعي بعض اللاعبين الى اتقان ادوارهم المسرحية الفاشلة. ومع الاتجاه الذي صار محسوما للتمديد للمجالس البلدية والاختيارية في جلسة تشريعية لمجلس النواب سيؤمن “ميثاقيتها” المطلوبة واكثريتها الدستورية “التيار الوطني الحر” ارتسمت معالم اكتمال الفراغ “من فوق ومن تحت”، أي من رأس الهرم الدستوري في رئاسة الجمهورية التي يقترب الشغور فيها من شهره السادس، الى الأرضية الأساسية والمدماك التحتي للسلطات المحلية باعتبار ان التمديد للمجالس البلدية سيأتي على واقع بالغ السلبية والقتامة لهذه المجالس التي تعاني، الى الاهتراء والتقادم والتفكك، كما هائلا من المشكلات والأزمات الإدارية والمالية والتنظيمية ناهيك عن انحلال عشرات المجالس بما يعني ان التمديد لها سيكون اقرب ما يكون الى تمديد لفراغ واقعي يراد له ان يتمادى بقوة تعطيل الاستحقاقات الدستورية تباعا.
وفي أي حال فان فصول السيناريو التمديدي وان كانت تبدو “مضمونة” الإقرار والانجاز بلاعقبات نيابية وسياسية، ستترك تداعيات سلبية واسعة داخليا وخارجيا خصوصا على صعيد دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والأمم المتحدة والمنظمات الدولية المعنية التي كانت طوال الأشهر الأخيرة تتشدد في الدعوات الى انجاز هذا الاستحقاق وعدم تعطيله اسوة بتعطيل الاستحقاق الرئاسي.
سيناريو التمديد المعد سلفاً انكشف في جلسة اللجان النيابية في مجلس النواب قبل ظهر امس التي كان اول بنود جدول اعمالها الانتخابات البلدية والاختيارية ونفقاتها، وهي لم تناقش سواه. اذ ان وزيرُ الداخلية بسام مولوي وبداعي ارتباطه باجتماع اللجنة الوزارية المكلفة درس تداعيات الازمة المالية على المرفق العام في السرايا متزامنا مع موعد جلسة اللجان ، ارسل نيابة عنه المديرةَ العامة للشؤون السياسية في الوزارة فاتن يونس، كما لم يحضر وزير المال يوسف خليل للحجة نفسها وأرسل نيابة عنه رجاء شريف. وبعد الجلسة اعلن نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ان موضوع إجراء الإنتخابات البلدية “أصبح شبه مستحيل وسأتقدم بصفتي الشخصية، بإقتراح قانون لتمديد ولاية المجالس البلدية والإختيارية لمدة أربعة أشهر”. وتحدث عن “شبه اجماع، انه لوجستيا، أصبحت الامور صعبة والبعض يصر على اجراء الانتخابات البلدية، لكن هذا القرار عند الحكومة وليس عند المجلس النيابي. وكان من المفترض ان تعقد الحكومة اجتماعات طوارىء ليل نهار، هكذا يجدون الحلول، وجاء في الجواب انهم تقدموا بمرسوم لتأمين التمويل من اربعة اشهر. ولكن هل أتى التمويل. وقال “سأتقدم باقتراح قانون بالتمديد للمجالس البلدية والاختيارية لاربعة اشهر، لا احد يريد ان يتحملها، انا مستعد ان اتحملها بصفتي الشخصية. ساتقدم بهذا الاقتراح واول كلام سيكون مع رئيس التكتل جبران باسيل ليدعم الاقتراح. هذا القرار يؤخذ في “التكتل”.
واثر المجريات النيابية هذه، سارع رئيس مجلس النواب نبيه بري الى دعوة هيئة مكتب مجلس النواب الى إجتماع في الثانية والنصف من بعد ظهر اليوم في مقر الرئاسة الثانية في عين التينة. وتردد ان جلسة التمديد للمجالس البلدية ستحصل في حضور نواب “تكتل لبنان القوي” بعد عيد الفصح لدى الطوائف المسيحية التي تتبع التقويم الشرقي وقبل عيد الفطر. وبادر نائب رئيس المجلس الياس بو صعب بعد الظهر الى تقديم اقتراح قانون معجل مكرر بمادة وحيدة تنص على الاتي “تمدد ولاية المجالس البلدية والاختيارية القائمة حتى تاريخ 30 -9-2023 ” . ومع ان اقتراح بو صعب يلحظ التمديد لاربعة اشهر فان المعطيات السائدة تتوقع ان يقر التمديد في الهيئة العامة للمجلس لمدة سنة كاملة .
وبرر وزير الداخلية بسام مولوي عدم مشاركته في جلسة اللجان بانه “سبق ان قلت ما عندي في الجلسة السابقة وفي المؤتمر الصحافي ولا معنى لأي اجتماع مع المحافظين أو أي موظف آخر قبل تأمين التمويل للانتخابات البلدية وطلبت الإعتمادات منذ شهر كانون الماضي و”ما صار شي”.
الردود المعارضة
واثار هذا التطور ردودا رافضة لدى القوى والكتل المعارضة وفي مقدمها “القوات اللبنانية ” اذ أعلن نائب رئيس حزب “القوات” النائب جورج عدوان، بعد جلسة اللجان، انه “رغم مطالبتنا منذ أشهر كتكل جمهورية قوية للحكومة بالقيام بكل ما يلزم لإجراء الانتخابات البلدية وصرف الأموال من الـ SDR تبين أن كل الوعود والمواقف التي سمعناها منها غير موجودة، وتبين بشكل واضح أن الحكومة لم تقم بأي خطوة جدية لإجراء الانتخابات البلدية”. وقال “كتكتل جمهورية قوية نحمل الحكومة رئيسا وأعضاء، وأي فريق ساهم مع هذه الحكومة أو ضمنها، مسؤولية تطيير هذه الانتخابات وكل ما ينجم عن ذلك من عدم تداول السلطة وتفعيل دور البلديات”. اضاف “موقفنا من البداية واضح ولا لبس فيه، وهو أننا لن نحضر هيئات عامة لتشريع أي أمر مهما كان مضمونه قبل انتخاب رئيس للجمهورية وبالتالي لن نحضر جلسات تشريعية للتمديد للمجالس البلدية الحالية”.
كما هاجم حزب الكتائب “المنظومة الحاكمة” واتهمها “بالعمل على استكمال مخططها لتطيير الانتخابات البلدية في فصل جديد هدفه تعطيل الاستحقاقات الانتخابية على أنواعها لتأمين الاستمرار في الإمساك بمفاصل المؤسسات ومصادرة إرادة الناس في ظل غياب رئيس الجمهورية.” وقال “بعد سقوط ذريعة مصدر التمويل أو النقص في التمويل، يرفض حزب الكتائب محاولة الدعوة إلى جلسة تشريعية لشرعنة نسف الاستحقاق البلدي والاختياري في وقت باتت الانتخابات حاجة ملحّة خصوصًا في ظل حالة الاهتراء التي تعيشها مؤسسات الدولة المركزية ووجود عشرات المجالس البلدية المنحلّة، ويحمّل المكتب السياسي النواب الذين سيؤمنون النصاب مسؤولية مخالفة الدستور الذي يقول دون أي لبس بتحوّل المجلس النيابي إلى هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالًا في انتخاب رئيس الدولة دون أي عمل آخر”.
وبدورها اعتبرت “كتلة تجدد” أن “ما جرى في اجتماع اللجان النيابية المشتركة، لا يعدو كونه مجرد مسرحية غير متقنة، ومتفق عليها بين أركان المنظومة، لتطيير الانتخابات البلدية والاختيارية، ونعتبر أن الإطاحة بهذا الاستحقاق، سببه خشية المنظومة من رغبة شرائح كبيرة من اللبنانيين بالتغيير، وتأكدها بأن نتائج الانتخابات لو أجريت، ستؤدي الى ايصال رسالة رفض كبيرة، للمنظومة ورعاتها”. وأكدت “مقاطعة أي جلسة تشريعية ستعقد لتمرير الإطاحة بالاستحقاق البلدي، انطلاقاً من ثوابتنا الرافضة للتشريع في ظل الفراغ الرئاسي، ورفضاً للاتفاق بالتكافل والتضامن بين “أعدقاء” المنظومة، القاضي بتطيير الانتخابات”.
وفي سياق متصل بالازمة المالية يعقد رئيس لجنة المال النيابية إبراهيم كنعان اجتماعات في واشنطن مع مسؤولين في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ووزارة الخزانة الأميركية . وعلم ان كنعان بحث مع إدارة البنك الدولي في تفعيل مشروعين بقيمة 500 مليون دولار وإمكان رفع السقف 500 مليون دولار إضافية لدعم حاجات لبنان التربوية والصحية والاستشفائية .
المطارنة الموارنة
في سياق اخر حمل مجلس المطارنة الموارنة في إجتماعه الشهري في الصرح البطريركي في بكركي، برئاسة البطريرك الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي “بشدةٍ على المحاولات الهادفة مجددًا إلى تحويل جنوب لبنان صندوقًا لتبادل الرسائل في الصراعات الإقليمية” وطالبوا الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية “بالحزم في تطبيق القرار 1701، بما في ذلك تعزيز أجهزة الرصد والتتبُّع والملاحقة، وناشدوا القوى الإقليمية والمجتمع الدولي مساعدة لبنان على تحمُّلِ أعباءٍ لم تجلِبْ عليه ماضيًا سوى الخراب والدمار وتشتيت السكان، فضلاً عن الطعن بحقه بالأمن والسلام والاستقرار”. كما أبدوا “رفضهم القاطع للمُمارَسات والسياسات الدولية الهادفة إلى ترسيخ نزوح السوريين في لبنان سعيًا إلى توطينهم”. وحضوا القادة السياسيين وأهل الفكر والرأي على التحلُّق حول مطلب تأمين عودة النازحين السوريين إلى بلادهم، خصوصًا في ظل الانفراجات المُتلاحِقة في العلاقات العربية–العربية والعربية-الإقليمية وتراجع الأعمال الحربية إلى حدٍّ كبير في الأرجاء السورية”.