كتبت صحيفة “النهار”: لم يقترب لبنان من خطر نشوب حرب رديفة لحرب غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي كما اقترب من ذلك في الساعات الثماني والأربعين الأخيرة. ولعل المفارقة اللافتة التي رافقت تعاظم خطر الانزلاق الى حرب تشتعل من الحدود اللبنانية الإسرائيلية انه على نحو معاكس لمعادلة “وحدة الساحات”، وقف لبنان امام هذا الخطر عشية بدء تنفيذ “هدنة غزة” التي أرجئت من صباح امس الى صباح اليوم، ولو ان هذا “التعاكس” سجل على مرأى وحضور “الراعي” الإيراني لساحات “محور الممانعة” من خلال زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين امير عبد اللهيان لبيروت التي بدا هدفها الأساسي ابراز الحضور والنفوذ الإيرانيين عند مشارف بدء تنفيذ هدنة غزة. ولكن ميدان الجنوب اشتعل على نحو غير مسبوق منذ بدء المواجهات بين “حزب الله” وإسرائيل في الثامن من تشرين الأول الماضي وشهدت محاور المواجهة كما البلدات الحدودية تصعيدا في العمليات القتالية المبادلة هو الأعنف اطلاقا بما ينذر باتساع متفلت للمواجهات يصعب معها العودة الى منطق “قواعد الاشتباك” أيا تكن قدرة ضبطها والتزامها على جانبي الجبهة الميدانية.
وليس خافيا ان العمليات الميدانية شهدت تطورا بالغ التأثير المباشر في إذكاء عنف المواجهات منذ ما بعد منتصف ليل الأربعاء – الخميس وذلك عقب الضربة القاسية التي مني بها “حزب الله” في تمكن إسرائيل من الانقضاض على مجموعة قيادية في “فرقة الرضوان” من بين افرادها ابن رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد، الامر الذي استتبع باشعال الحزب لكل الجبهة والتعمق في ردوده وعملياته طوال يوم امس الى حدود صفد واطلاق عشرات الصواريخ. كما ان اتساع المواجهة بدا بمثابة انذار مبكر الى عدم امكان الجزم مسبقا بما اذا كانت الجبهة الجنوبية ستنخرط في مفاعيل هدنة غزة بما يهدئ الوضع الميداني المتفجر جنوبا ام ان تطورات الساعات والأيام القليلة المقبلة ستشهد “فصلا” بين ساحتي غزة وجنوب لبنان بفعل التصعيد الذي حصل في اليومين الأخيرين.
“حزب الله” نعى فجر الخميس خمسة من عناصره هم، عباس رعد “سراج” نجل النائب محمد رعد، خليل جواد شحيمي “سراج” ، أحمد حسن مصطفى “ملاك حولا” ، محمد حسن أحمد شري “كربلا”، وبسام علي كنجو “أبو حسين ثائر”. ولاحقا، نعى علي شبيب محسن ومساء امس نعى يوسف كرم جواد .
وفي ساعات النهار البارحة اشتعل الميدان الحدودي، وسجلت عمليات الحزب في اتجاه الاهداف والمراكز والتجمعات العسكرية الإسرائيلية رقما قياسيا . فقد اعلن الحزب في سلسلة بيانات انه حتى الساعة الاولى ظهراً نفذ 11 عملية كان أضخمها اطلاق 48 صاروخا على قاعدة قرب صفد واستهدفت: الضهيرة( تجمع مشاة)، جل العلام( تجمع مشاة) ، موقع بركة ريشا ، مستعمرة سعسع (جنود مشاة ) ٥- الراهب ( دبابة بعدها قوة مشاة )، قاعدة عين زيتيم قرب صفد ( ٤٨ صاروخ كاتيوشا) ، موقع خربة ماعر ومرابضه ، المنارة (منزل فيه جنود) ، الراهب وتل شعر ، حرج راميم( تجمع جنود) ، محيط موقع المرج (تموضع جنود) . اما بعد الظهر فأعلن الحزب قصفه موقع رويسات العلم في مزارع شبعا وموقع راميا، وموقع جلال العلام . وارتفع عدد عمليات “حزب الله” ضد المواقع الإسرائيلية بعد الرابعة والنصف عصرا الى اكثر من 20 هجوما وعملية.
في المقابل، صعدت إسرائيل عمليات القصف والاستهدافات للبلدات الحدودية ووسعت اطار اعتداءاتها فطاولت القذائف اطراف رشاف وعيتا الشعب، وحلق الطيران الاستطلاعي الاسرائيلي منذ الصباح فوق قرى القطاعين الغربي والاوسط، حتى الساحل البحري وفوق مدينة صور، فيما اُطلقت القنابل الحارقة على احراج بلدة علما الشعب. كما استهدف القصف المدفعي المباشر محيط مجدل زون وطيرحرفا وكفركلا والعديسة وأطراف الخيام وراشيا الفخار. وسقطت صواريخ اسرائيلية في خراج رميش ويارون وعين إبل بين المنازل وعليها.
وكانت الطائرات الحربية الاسرائيلية نفذت قرابة الثالثة من بعد منتصف ليل الاربعاء – الخميس عدوانا جويا استهدف منطقة زراعية بين بلدات سيناي والبابلية وانصار بصاروخ جو- أرض أحدث حفرة كبيرة ، وهي المرة الاولى التي يتوسع فيها العدوان الاسرائيلي الى هذا العمق في منطقة النبطية.
وافاد عدد من اهالي بلدة عين ابل عن سقوط عدد من الصواريخ في محيط وفي داخل منازلهم السكنية التي أحدثت اضرار ا مادية جسيمة، من دون أن يصاب احد باذى، إلا أنها أجبرت بعض العائلات والأشخاص الذين ظلوا صامدين في بيوتهم وبلدتهم على النزوح. واعتبر الاهالي أن الصواريخ التي سقطت في بلدتهم لم تكن صواريخ إسرائيلية وانما “صواريخ شاردة” أو سقطت عن طريق الخطأ، كما اعتبر البعض أنها ربما سقطت نتيجة صواريخ القبة الحديدية الاعتراضية من اسرائيل.
وبعد ظهر امس شيّعت بلدة جباع الجنوبية في مأتم حاشد عباس محمد رعد نجل النائب محمد رعد. واكد رئيس المجلس التنفيذي في “حزب الله” هاشم صفي الدين ان “هذه الدماء تقول إنّ مقاومتنا نضعها من أجل فلسطين وغزة… مقاومتنا تؤكد أنّها ستبقى حاضرة في الميدان دفاعاً عن الوطن ودفاعاً عن قيمنا ومقدّساتنا “. وشدد على أن المقاومة لا تُقهر وقويّة ولا يمكن لأحد أن يسحقها “. كما أكد أنّه “سنكمل هذا الدرب مع الشهداء، وسنقّدم التضحيات ونثبت على هذا الخط” .
لقاء بكركي
وسط هذه الأجواء المشدودة اكتسب لقاء البطريرك الماروني الكاردينال مار بشاره بطرس الراعي ووفد المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى برئاسة نائب رئيس المجلس الشيخ علي الخطيب الذي زار بكركي امس دلالات بارزة اذ أضفى أجواء إيجابية للغاية على المشهد الداخلي القلق والمتوتر واثمر اتفاقا مبدئيا على عقد قمة روحية في وقت قريب في مقر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى في الحازمية . ووصف الشيخ الخطيب هذا اللقاء بانه “اكثر من ضروري في هذه الظروف الصعبة التي تمر على لبنان وما يحصل في فلسطين المحتلة وانعكاساته على وطننا لبنان”، مشددا على “ضرورة الوحدة الوطنية لانها هي الاساس وهي التي تحافظ على الوطن وسيادته.” ورأى أن “من الضروري ان يكون اللبنانيون في موقف واحد امام العالم ويجب الا تنعكس الانقسامات السياسية على الوحدة الوطنية”، واشار الى اننا “كمرجعيات روحية لسنا حياديين على ما يجري من اعتداءات على سيادة لبنان، لذلك على اللبنانيين ان يكونوا شعبا واحدا وان يكون لهم موقف واحد وان نضع الخلافات السياسية جانبا وان نؤجل الخلافات السياسية وألا ينعكس ذلك على المواطنين”.
من جهته رحب البطريرك الراعي بالوفد معتبرا أن “الحرب على غزة تجعلنا ندرك ان الهدف هو اطفاء القضية الفلسطينية ولكن هذه القضية لا تموت”، وقال: نحن امام مأساة كبيرة من تاريخ البشرية ونصلي الى الله لكي يضع حدا لهذه الحرب”. وقدم البطريرك الراعي التعازي بالشهداء الذين سقطوا وآخرهم نجل النائب محمد رعد، وقال:” سنتصل بالنائب رعد لتعزيته بنجله ولتكن دماء الشهداء من اجل لبنان حفاظا للبلد ليظل ارض التلاقي والعيش المشترك”.
كما طالب البطريرك بضرورة “عقد قمة روحية في أسرع وقت لاراحة الشعب اللبناني ولاتخاذ موقف واحد”. ورد الشيخ الخطيب على كلام الراعي موضوع القمة الروحية قائلا:” هذه القمة جيدة وسيكون لي لقاءات مع مختلف المرجعيات الروحية للتوصل الى تعيين موعد لها والمجلس الاسلامي الشيعي الاعلى مستعد لاستضافتها”.
بري
في سياق داخلي اخر اكد رئيس مجلس النواب نبيه بري، أنه سيدعو الى جلسة تشريعية في النصف الأول من الشهر المقبل بجدول متكامل. وقال بري في حديث لـمحطة “الجديد”: “إذا حضر حزب القوات اللبنانية الى الجلسة أهلا وسهلا وإذا لم يحضر فيناقضون أنفسهم بأنفسِهم في هذه الحالة”. وعن إشكالية قيادة الجيش، أوضح “أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل يريد التعيين، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع يريد التمديد وبيزعلوا مني لما قول المشكل مسيحي مسيحي”. وأكد أن “الخيارات محصورة بين التعيين أو التمديد ولا خيار ثالث ولا تكليف”.
وعن الاشتباكات على الحدود، اعتبر بري أن “حزب الله يحافظ على قواعد الاشتباك منذ اليوم الاول وأهدافه عسكرية، بينما الجيش الاسرائيلي مستمر في مجازره”
وردا على سؤال عن الهدنة الإنسانية قال بري: “شو بصير بغزة بصير بلبنان وإذا حصل إخلال في غزة سيحصل إخلال في لبنان على اعتبار أن ما يحصل في الجنوب هو من أجل غزة”.