كتبت صحيفة “النهار”: سواء اصطفوا مع مشروع الموازنة او ضده، بدا نواب المجلس العاجز منذ سنة وثلاثة اشهر عن انتخاب رئيس للجمهورية كأنهم في مهرجان مزايدات ومنبريات باهت كادوا معه يجمعون على تشريح وانتقاد موازنة “تشغيلية وكارثية” ستمر في نهاية التصويت بغالبية حتمية ولو عارضها كثيرون أيضا. “الإنجاز” اليتيم الذي شكله ويشكله يومان من منبريات ومطولات النواب في جلسة مناقشة الموازنة وإقرارها المتوقع وفق التعديلات الواسعة للجنة المال النيابية على مشروع الحكومة، ان الموازنة أرسلت وستقر في موعدها الدستوري هذه السنة رغم المخالفات الجسيمة التي تشوبها واولها الإمعان في عدم إرفاقها بقطع الحساب تبعا لهذه المخالفة المتمادية منذ اكثر من عقد. واما حضور الكتل المعارضة، للحكومة ولمشروع الموازنة بذاته، فبدا مستهدفا بشكل أساسي الحؤول دون تمكين الحكومة اصدار الموازنة بمرسوم ولو ان المشروع الذي اخضع لتعديلات للجنة المال يرجح مروره في نهاية الجلسة المسائية اليوم.
ولكن “منبريات” ساحة النجمة لم تحجب التطورات التي تتصل بالتحرك “الطارئ” لسفراء مجموعة الدول الخماسية المعنية بالملف الرئاسي اللبناني والذي برز في الأيام الأخيرة مقترنا بمعطيات تتواتر تباعا عن استعدادات لعقد اجتماع لممثلي هذه المجموعة اما في باريس او في الدوحة، لإرساء توافق ثابت بين الدول الخمس على مبادرة جدية تقود إلى تحريك ملف الازمة الرئاسية وانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. والجديد في هذا السياق ما كشفته “النهار” من ان اجتماعا سيعقد اليوم في إحدى السفارات الخمس في بيروت للدول المعنية علما انه كان من المفترض أن يُطلق السفراء جولة على الأطراف السياسيين يبدأونها بزيارة لرئيس مجلس النواب نبيه برّي، إلّا ان الزيارة التي كانت منتظرة يوم الإثنين تم إلغاؤها. وافادت معلومات بأن التنسيق غائب عن السفراء، وهذا كان السبب وراء تأجيل الجولة، ولهذا السبب سيعقد السفراء الاجتماع اليوم من أجل رفع مستوى التنسيق.
واللافت في هذا السياق ان السفير المصري علاء موسى أوضح عقب زيارته امس لمفتي الجمهورية الشيخ عبداللطيف دريان ان توسيع اللجنة الخماسية “غير مطروح إنما اللجنة لا تعمل فقط بمعزل عن أصدقاء وأشقاء ودول في الإقليم وغير الإقليم، إنما هناك تنسيق دائم، وهذا من الممكن ان يعطي الخماسية وزنا وأهمية أن لديها علاقات جيدة مع جميع الأطراف وهي تعمل دائماً على استغلال هذه العلاقات في الخروج بأشياء إيجابية وملموسة في الفترة القادمة ان شاء الله”. وعن المعلومات التي تقول ان هناك اختلافا أو تباينا في الرأي بين أعضاء اللجنة الخماسية؟ أجاب “هذا الامر جرى تداوله فقط لأنه كان هناك اجتماع للجنة الخماسية مع جهات عدة ثم ارجىء، إنما موقف اللجنة الخماسية واحد، لدينا خارطة عمل واضحة للجميع والجميع ملتزم بها وان شاء الله في الفترة القادمة سوف تشهدون ثمرة عمل اللجنة الخماسية وما تسعى إليه من أجل الانتهاء من قضية الشغور الرئاسي في أسرع وقت ممكن”.
مناقشات الموازنة
في غضون ذلك انعقدت الهيئة العامة لمجلس النواب لدرس وإقرار مشروع الموازنة العامة للسنة 2024 بعدما عدلته لجنة المال وطلب نحو 40 نائباً الكلام . وتناولت التعديلات 87 مادة من أصل 133، فألغت 46 وعدّلت 73، وأقرت 14 مادة كما وردت في المشروع، أي أنّ التعديل والإلغاء شملا 90% من المشروع الذي قدّمته وزارة المال.
وحفلت الجلسة بسجالات لم يغب عن بعضها الكلام الهابط. وبدأت بسجال بين النائب ملحم خلف ورئيس مجلس النواب نبيه بري بعد رفض الاخير إعطاء “الكلام بالدستور” لخلف للحديث عن استحالة التشريع بغياب رئيس. وقال له بري “ما رح أعملك بطل وطلعك برا القاعة”. وقال خلف الذي انحسب من القاعة: “أطلب الشّروع فوراً بانتخاب رئيس للجمهورية والتعطيل المتعمّد انقلاب على الجمهورية وعلى سيادة القانون والدستور والاستمرار في جلسة الموازنة بمثابة انقلاب على النظام ولن أقبل بالمشاركة فيه والاستمرار بهذا النهج سيسقط الجمهورية على رؤوس الجميع وإذا لن ننتخب رئيساً سأخرج كبطل من المجلس لأنني لن أخالف الدستور”.
ثم حصلت مشادة بين النائب علي حسن خليل والنائب فراس حمدان، وقد وصفه خليل بـ”التافه” وقال له: “إنتو قرطة مافيات”، في إشارة إلى “نواب التغيير” وارتفع الصراخ والهرج والمرج في القاعة. وردت عليه النائبة بولا يعقوبيان “مطلوب للعدالة وتتحدث عن مافيات”.
ووسط طغيان الانتقادات للموازنة التشغيلية الخالية من الإصلاحات والاستثمارات لحظ تقرير لجنة المال “غياب الرؤية الاقتصادية والاجتماعية لمشروع الموازنة وتدني نسبة الاعتمادات المخصصة للنفقات الاستثمارية وتميّزه بالعشوائية في استحداث الضرائب والرسوم وبالعشوائية في بعض الاعتمادات”. والغت لجنة المال مواد متعلّقة بتعديلات ضريبية واستحداث ضرائب ورسوم جديدة لمخالفتها الدستور وقال رئيس اللجنة إبراهيم كنعان لدى تلاوته التقرير أن “غياب الرؤية يتلازم مع غياب وحدة المعايير في التعديلات المقترحة على الرسوم القائمة فبعض الرسوم رفعت قيمتها 10 أضعاف كرسوم السير، ورفعت قيمة سواها 40 ضعفًا كبعض رسوم الطابع المالي، وتمّ رفع البعض الآخر 180 مرة كالرسوم على المواد الكحولية المنتجة محلياً”. تابع “نفضنا الموازنة كما اتت من الحكومة وقمنا بإصلاحات جوهرية على صعيد المالية العامة”.
وغلب الطابع السياسي على المالي في حضور الكتل المسيحية المعارضة لتشريع الضرورة فاعتبر النائب جورج عدوان عن “كتلة الجمهورية القوية”: ” نحن اليوم نناقش موازنة 2024، لكن أي نقاش جدي لا يستقيم من دون إستقرار يريده جميع اللبنانيين يتيح استعادة الدولة مقوماتها، وعن أي استقرار نتكلم وقرار الحرب والسلم خارج مؤسسات الدولة والبعض يربط مصلحة لبنان بمحور خارجي، والبعض الآخر ينتظر الخارج ليؤمن لنا رئيساً للجمهورية”. واكد أن ” هذه الموازنة استمرار للموازنات السابقة ولا تحمل أي استثمارات أو أي اصلاح ضريبي حقيقي، وتشكل الضريبة فيها على الدخل والأرباح ورؤوس الأموال اكثر من 7.2% مقابل 67% من السلع على الخدمات والرسوم على التجارة والجمارك وضريبة على القيمة المضافة ورسوم الاستهلاك، بمعنى آخر 67% تصيب عموم الناس ونسبة قليلة من المقتدرين”.
اما رئيس “تكتل لبنان القوي” جبران باسيل الذي ألقى كلمته في الجلسة المسائية فسأل : “ما المقصود من عدم انتخاب رئيس جمهورية والتعايش مع الفراغ، في ظل العوامل المفجّرة للوضع في لبنان من النازحين الى نهب ودائع اللبنانيين والحرب في الجنوب والحروب المتنقلة في المنطقة وانهيار هيكلة الدولة”. ورأى في ذلك “هدما لاتفاق الطائف وضربا للشراكة الوطنية وتهديما للدولة”.واعتبر أن “التسوية في المنطقة لن تغيّر موازين الداخل، فلماذا ننتظر؟” وقال باسيل مخاطبا بري: “سنبقى في الجلسة إذا قبلت اقتراح القانون المقدّم من قبلنا، وإلا سنخرج ويبقى رئيس لجنة المال والعضوان من تكتلنا فيها لمتابعة عملهم التقني على أن يصوّتوا ضد الموازنة”. ورد برّي على ما جاء في كلمة باسيل حول ضرورة إقرار قوانين أساسية وتشريع الضرورة من بينها قانون “الكابيتال كونترول”، قائلاً: “من قاطع الجلسة التي كان على جدول اعمالها الكابيتال كونترول هو انتم”.
وعلقت عضو “تكتل الجمهورية القوية” النائبة غادة أيوب على كلام النائب باسيل خلال جلسة مناقشة مشروع الموازنة وقالت: “وانقلب السحر على الساحر، من عطل كثيرا جاءنا اليوم يشكو من التعطيل، وكنت أتمنى على من ساهم بضرب الدستور ألا يحدثنا اليوم عن اقتراح قانون لتقديم موازنة باقتراح قانون، أكبر ضربة في تاريخ الجمهورية هي هذه الضربة للدستور اللبناني”.
وفي تصريح له مساء من مجلس النواب اعتبر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي “ان المناقشة تحوّلت من مناقشة للموازنة إلى مناقشة عامة وعن السياسات العامة في البلد. نعتبر ما حصل غنى بالنسبة لنا وللحكومة من أجل أن نحسن أي خطأ وما من أحد معصوم عن الخطيئة. انا مسرور جدا بالنقاش الدائر في مجلس النواب لان الهدف هو النهوض بهذا الوطن بعد الازمات المتتالية التي مر بها .الحكومة اوقفت الانهيار الذي كان حاصلا وبدأنا مرحلة التعافي ونتمنى ان تتطور وتكبر بمساعدة النواب. فالحكومة ومجلس النواب فريق عمل واحد والمهم ان نصل الى الهدف”.
وعن اقتراح القانون المقدم من “التيار الوطني الحر” لاقرار الموازنة قال: “هذه بدعة ، والموازنة لا يمكن ان تقر باقتراح قانون بل بمشروع قانون من الحكومة، ونحن نظرنا الى تقرير لجنة المال ولا مانع لدينا من اجراء التحسينات على الرغم من ان مشروع الحكومة لم يتضمن ضرائب ورسوما جديدة، بل تصحيح للتضخم الذي حصل”.