كتبت صحيفة “النهار”: لو توافر النصاب وانعقدت جلسة مجلس الوزراء أمس، لربما كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي فاجأ الوزراء بقالب حلوى عليه ثلاث شمعات إحياءً للذكرى الثالثة لصدور مراسيم تشكيل هذه الحكومة في العاشر من أيلول (سبتمبر) عام 2021. ولكن الحكومة الميقاتية الثالثة، التي بدأت اليوم السنة الرابعة من عمرها الذي يعدّ قياسياً وتجاوز عمر ولاية حكومة الرئيس تمام سلام التي عمرت سنتين وعشرة اشهر، وجدت نفسها كحكومة “هرمة” أمام “عيدية” من شأنها زيادة إرباكها و”عجزها” حين حاصرها العسكر المتقاعد برعاية العسكر العامل، ولم يقبل الرئيس ميقاتي أي اجراءت من شأنها التسبب بصدام بين رفاق الجندية القدامى والعاملين.
هذه المصادفة برمزيّتها التي تزامنت مع إعادة العسكريين المتقاعدين اطلاق تحركهم في الشارع أمس، أبرزت مجدداً الشق الداخلي الاجتماعي المأزوم في تحديات الحكومة التي فرض عليها الفراغ الرئاسي العمر القياسي الأطول فيما هي تجرجر ذيول التداعيات الاقتصادية والمالية والاجتماعية المتراكمة من جهة، والأزمة الرئاسية المسدودة الأفق من جهة ثانية، ومن ثم التداعيات الأشدّ خطورة لـ”حرب الجنوب” حيث تتصاعد بنزق حاد حملات التهديد والتهويل والوعيد الإسرائيلية بنقل حرب غزة “إلى الشمال”، أي إلى لبنان. وتجدر الإشارة الى أن ثمة معلومات تشير الى أن الموفد الفرنسي جان إيف لودريان سيزور بيروت مجدداً في وقت قريب وأن سفراء في المجموعة الخماسية سيلتقون رئيس مجلس النواب نبيه بري وربما شخصيات أخرى.
في أي حال نجح العسكريون المتقاعدون في تطيير جلسة الحكومة التي كانت مقررة صباح أمس، بعدما حاصروا السرايا الحكومية وأقفلوا كل مداخلها. ولكن أحداً لم يبرر معنى إقفالهم الباب أو منع المسار أمام مفاوضات بين وفد يمثلهم والحكومة في حين كشف النقاب أن الحكومة تعدّ مشروع قانون من ضمن الموازنة أو خارجها لتحقيق ما أمكن من مطالبهم. وتالياً لن يكون التحرك الاحتجاجي والاعتصام وقطع الطرق يشي بأنه سيكون الأخير ما دامت الحلقة المفرغة هي التي تتحكم بالسرايا وفي وسط بيروت، إلا بداية ستليها تحركات أخرى. إذ أن الحكومة لا تستطيع إقرار سلسلة رتب ورواتب وتكرار تجربة عام 2017 التي مثلت أحد أسباب الانهيار المالي، والمتقاعدون العسكريون، بحسب تأكيداتهم، لن يقبلوا إلا أن تعود رواتبهم إلى ما دون نصف قيمتها للعام 2019. وبين هذين الحدين تسير الأزمة أسوة بالأزمات المتراكمة على كاهل اللبنانيين منذ 5 سنوات.
مجلس الوزراء لم ينعقد إذاً بسبب التحرك الاعتراضي للعسكريين المتقاعدين الذي حاصر السرايا ومنع الوزراء من الوصول، فأُرجئت الجلسة إلى موعد لاحق بحسب ما أعلنت الأمانة العامة للمجلس في بيان بسبب عدم اكتمال النصاب. وكان الرئيس ميقاتي حضر إلى مكتبه باكراً جداً وباشر التحضير للجلسة وذكر أن تواصلاً حصل بينه وبين قائد الجيش العماد جوزف عون الذي نبّه إلى محاذير أي صدام محتمل بين الجيش والمتقاعدين، وأن ميقاتي شدد بدوره على محاذرة أي صدام، بما فهم أن الرجلين اتفقا على ضرورة تجنب أي اجراء يؤدي إلى خروج التحرك عن طابعه السلمي. ولم يصل من الوزراء إلى السرايا إلا وزراء الداخلية بسام مولوي، والصناعة جورج بوشكيان والاتصالات جوني قرم، والشباب والرياضة جورج كلاس. وقال بوشكيان: “فتحنا باب الحوار. ونأسف لما يحصل. لقد تم التواصل بعد إلغاء جلسة مجلس الوزراء مع اللواء المتقاعد نقولا مزهر، كما تواصلت معه شخصياً وهو حاول الدخول إلى السرايا، ولكن المعتصمين وللأسف لم يسمحوا له بذلك”. أضاف: نحن نتعاطى مع مؤسسة هي رابطة متقاعدي الجيش اللبناني، إنهم يطالبوننا بالحوار معهم، ونحن نعرف وجعهم وكذلك دولة الرئيس والحكومة، ونحن مع ايجاد حل لمطالبهم، ومنفتحون للتفاوض، لكنّ السؤال مع من نتفاوض؟ عندما يرفضون مجيء اللواء مزهر للتفاوض معنا ولدينا طروحات لحل قضيتهم، فمع مَنْ نتكلم، إذا لم يكن هناك من يود التكلم معنا، وما هي الغاية من ذلك؟”.
ولكن العميد المتقاعد جورج نادر نفى ما تردد عن “أن العسكريين المتقاعدين علّقوا تحركاتهم وفكّوا إعتصامهم وأن العميد المتقاعد شامل روكز حصل على ضمانات بإعطاء العسكريين المتقاعدين حقوقهم”. وأكد أن “لا ثقة بأي ضمانات وأن التحركات مستمرة وأن التوجه هو نحو تعطيل الجلسة الحكومية المقبلة”.
تهديدات واغتيال
في المقلب “الحربي” من المشهد اللبناني مضى قادة إسرائيل ومسؤولوها في حملة تهديداتهم للبنان. وأعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت “أن الجيش الاسرائيلي بصدد الانتهاء من عمليته في الضفة وحان الوقت لنقل مركز الثقل إلى الجبهة الشمالية لفتح حرب مع لبنان”. وبدوره، حذر رئيس حزب “معسكر الدولة” بني غانتس خلال لقائه مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن من أنه “حان وقت العمل في الشمال، إذا لم نتوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن في غضون أيام أو أسابيع قليلة، علينا خوض الحرب في الشمال”.
تزامن ذلك مع تصعيد الغارات الإسرائيلية والعودة الى الاغتيالات مع تطور لافت تمثل في توغّل الاستهدافات أمس الى عمق البقاع الغربي. فقد استهدفت مسيّرة إسرائيلية بصاروخ جو أرض سيارة على طريق باب مارع – صغبين في البقاع الغربي وأدت الغارة إلى سقوط شهيد وجريحين تم نقلهم إلى أحد مستشفيات المنطقة. وعلى الاثر، نعى “حزب الله” محمد قاسم الشاعر من بلدة سحمر في البقاع الغربي. وزعم الجيش الإسرائيلي أن قاسم الشاعر كان يشغل منصب قائد قوة الرضوان التابعة لـ”حزب الله”.
ثم استهدفت مسيرة إسرائيلية مبنى مولفا من 5 طوابق في حي كسار الزعتر في مدينة النبطية قبالة السرايا الحكومية، وأعلن مركز عمليات طوارئ الصحة أن الغارة أدت إلى إصابة تسعة أشخاص بجروح طفيفة تم علاجها في طوارئ مستشفى راغب حرب. كما نفّذ الطيران الحربي الإسرائيلي غارة استهدفت مبنى في ساحة بلدة رشاف – قضاء بنت جبيل ما أدى الى تدميره.
وأعلن “حزب الله” قيامه بسلسلة عمليات كان ابرزها استهداف مربض مدفعية تابع للكتيبة 411 في نافيه زيف ومقر قيادي تشغله حاليًا قوات من لواء غولاني في قاعدة جبل نيريا بعشرات صواريخ الكاتيوشا. كما أعلن قصف مقر الفيلق الشمالي وقاعدة تمركز احتياط فرقة الجليل في عميعاد بأسراب من المسيرات.
الوسومالنهار