الخيار الوحيد المتبقي امام رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في ملف قانون الانتخابات العتيد، اما القبول به كما هو او رفضه، لا تعديلات على ما تم التفاهم عليه من نقاط، ولا تنازلات جديدة متاحة في «الربع الساعة الاخير»، مصادر مطلعة على عملية التفاوض الانتخابي اكدت لـ«الديار» ان «عين التينة» لم تعد تقبل اي «مساومة»، ولم يعد متاحا تضييع الوقت على مناقشات عقيمة واضافة شروط جديدة لن تمر، ولذلك فاما يأخذ التيار الوطني الحر القانون كما هو او يرفضه ويتحمل مسؤولية النتائج المترتبة على ذلك، لان «اللعب» الان لم يعد على حافة «الهاوية» بل بات الجميع في «الحفرة» والساعات المقبلة باتت حرجة للغاية. هذا الموقف الذي ابلغ للوزير باسيل في آخر لقاء جمعه بالوزير علي حسن خليل، ليس فقط جزءا من قناعة «الثنائي» الشيعي، وانما بات امرا مسلما به عند القوات اللبنانية ايضا، وكذلك تيار المستقبل الذي اكدت مصادره ان ما عبّر عنه الرئيس الحريري مساء امس من قناعة بولادة قانون جديد الاربعاء، ورفضه صراحة الترشح وفق «قانون الستين الذي اصبح من الماضي»، ليس انطلاقا من معطيات جديدة وانما ادراكا منه ان احدا غير قادر على «قلب الطاولة» في الامتار الاخيرة، بعد التفاهم على 99 بالمئة من قانون الانتخاب.
في هذا الوقت، وفيما عقد اجتماع وصف بالايجابي مساء امس في بيت الوسط للبحث في حل للعقد المتبقية، سجلت «بورصة» التحركات بعض الاشارات الملفتة، فقد «نأت» الرئاسة الاولى بنفسها عن التدخل لحل العقد المتبقية، تاركة الملف بيد وزير الخارجية، وبحسب اوساط التيار الوطني الحر فان توضيح بعبدا جاء على خلفية ايحاء البعض بوجود تباين بين قيادة التيار والرئاسة الاولى، وهو امر غير صحيح، معتبرة ان ما يقوم به الوزير باسيل نقاش منطقي وطبيعي حيال تفاصيل مهمة في قانون الانتخابات، تشكل حدا ادنى من الضمانات المطلوبة لتصحيح التمثيل المسيحي، اما اتهام التيار بالرغبة الى العودة لقانون الستين فأمر غير منطقي وتكذبه الوقائع… في هذا الوقت لم يعد حزب الله قادرا على التدخل «كوسيط» بعد ان تجاوزت المطالب حدود ما يمكن للرئيس بري ان يتحمله، وهو كعادته لا يمارس الضغوط على اي من حلفائه. فيما تراجعت «القوات اللبنانية» «خطوة» الى الوراء، بعد ارتفاع منسوب «التوتر» مع التيار الوطني الحر.
تباين «قواتي» «برتقالي»
وامام هذه المعطيات، فان القوى السياسية الفاعلة على خط التفاوض، وضعت الوزير باسيل امام خيارين لا ثالث لهما، اما يوافق على ما تم التفاهم عليه او الاصرار على مواقفه وتحمل عواقب الفراغ… وبرز في هذا السياق تمايز القوات اللبنانية في مواقفها خلال الساعات القليلة الماضية، ووفقا لاوساط مقربة من معراب، وجد النائب جورج عدوان نفسه امام مواقف لا يمكنه الدفاع عنها او تبنيها، ففضل «الانسحاب التكتيكي» على الدخول في ازمة جديدة مع التيار الوطني الحر، وقد ابلغ عدوان باسيل انه قدم كل ما لديه، وحصل على الحد الاقصى المطلوب او المتاح في المرحلة الراهنة، واذا اراد هو اكمال «الضغط» فان القوات اللبنانية، ليست في وارد تحمل تبعات اي حسابات خاطئة قد تؤدي الى انهيار التفاهم المنجز.
وتلفت تلك الاوساط، الى ان قناعة «القوات» الراسخة تفيد بان قانون انتخاب جديد سيولد حتما ومن يريد ان «يسير» بعيداً عن المنطق فهو يهز الاستقرار… ومن نقاط الخلاف الجوهرية مع التيار الوطني الحر مسألة الصوت التفضيلي حيث تفيد حسابات القوات اللبنانية ان الدائرة هي الافضل لتمثيل الاقليات في الدوائر الانتخابية وتحفظ لهم «قيمة» صوتهم فيما «التيار الوطني الحر» يريد الصوت التفضيلي على أساس القضاء، لاعتبارات وحسابات انتخابية لا علاقة لها بتحسين التصويت المسيحي.
ولفتت تلك الاوساط الى ان احدى النقاط الرئيسية التي اثارت حفيظة «القوات» ووصلت اصداءها الى معراب، «الحساسية» المفرطة لدى باسيل من «ولادة» «التسوية» عبر النائب عدوان، وهو ما يراه التيار الوطني الحر «نكسة» لجهوده في استقطاب الشارع المسيحي، ومن هنا كان لافتا غياب عدوان عن اجتماع وزارة الخارجية مساء امس الاول، وفيما تفيد المعلومات انه لم يدع اصلا الى اللقاء اصلا، تشير اوساط «القوات» الى ان عدم مشاركته جاء بقرار حزبي من اعلى المستويات، وذلك كنوع من «تسجيل» موقف حيال ما آلت اليه الامور.
«السيناريوهات» والمخارج
وامام حالة الاستعصاء بدأت «تتطاير» السيناريوهات حيال المخارج المتاحة في «الربع الساعة الاخير»، وبحسب تلك الاوساط فان عدم وضع القانون على جدول اعمال الجلسة المقبلة للحكومة غدا، ليس آخر «الدنيا»، فإذا لم تتم احالة قانون الانتخاب الأربعاء الى مجلس الوزراء لدراسته واقراره يمكن تقديم اقتراح قانون معجّل مكرّر على جلسة مجلس النواب، والتصويت عليه يوم الجمعة.
وفي هذا السياق برزت مجددا الى الواجهة «نغمة» التصويت في مجلس الوزراء، ووفقا لوجهة نظر التيار الوطني الحر، فانه وفي ظل عدم وجود خلاف على جوهر القانون، وما بقي من نقاط خلافية غير «جوهري» بالنسبة الى البعض، فما المانع ان يتم التصويت على النقاط المتبقية ويمكن حصر التصويت بثلاث نقاط: النقطة الاولى تتعلّق بالصوت التفضيلي إذا كان على أساس الدائرة أو القضاء، والنقطة الثانية هي تمثيل المغتربين، لحسم الخلاف حول اضافة هؤلاءعلى الـ128 مقعداً أو نحتسبهم ضمن الـ128 مع الموافقة المسبقة على تاجيل تطبيق هذا البند الى الدورة المقبلة… اما النقطة الثالثة فتتعلق بنقل المقاعد النيابية التي اعيد فتح النقاش حولها في الساعات القليلة الماضية بعد ان أبدى الرئيس الحريري موافقته على نقل المقعد الانجيلي في بيروت، وهو ما يرى فيه التيار الوطني الحر «كسرا» للقاعدة التي رسمت خطوطا حمراء امام هذه المسألة، بعد ان تبين ان الرفض هو بقصد استهداف مقعد نيابي بعينه… وفي هذا السياق جاءت «الرسالة» السلبية من عين التينة بعد الظهر في تصريح الرئيس نجيب ميقاتي الذي اعلن التوافق مع الرئيس بري على رفض نقل المقعد الماروني من طرابلس الى البترون.
«التصويت» ممنوع…
وفي هذا الاطار اكدت اوساط «الثنائي الشيعي» ان مبدأ التصويت مرفوض على اي جزء من قانون الانتخابات، ولن يستطيع احد فرض هذا الامر، والقرار متخذ بمقاطعة اي جلسة يتم اللجوء فيها الى التصويت، وهذا الموقف ابلغ الى رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة سعد الحريري، كما يتمسك بهذا الموقف ايضا الحزب التقدمي الاشتراكي، وبرأي «الثنائي الشيعي» من غير المقبول بعد «التفاهم»على قانون تمت صياغته في بكركي، و«يدعي» التيار الوطني الحر «أبوته»، ان يتم فرض النقاط العالقة على الاخرين بالتصويت.
اما موعد إجراء الانتخابات النيابيّة المقبلة، اذا ما تم التفاهم على القانون فهو امر عالق بين الرئاستين الاولى والثالثة، فالرئيس الحريري يرغب في مهلة لا تقل عن 9 أشهر يحتاجها لاعادة لملمة «الشارع المستقبلي» المشتت والمستاء، فيما يرغب رئيس الجمهورية في اجراء الانتخابات في مهلة اقصاها 4 اشهر يراها اكثر من كافية لاجراء العملية الانتخابية، وتبقى «الكلمة الفصل» هنا لوزير الداخلية نهاد المشنوق الذي تبقى بين يديه المسائل «اللوجستية» الحاسمة.
«جس نبض» الجرود
وعلى خط ملف الحدود الشرقية التي تشهد سباقا محموما بين التسويات والحسم العسكري في الجرود، علمت «الديار» من اوساط معنية بهذا الملف، ان نجاح عملية «جس النبض» بارجاع 50 عائلة الى عسال الورد في القلمون الشرقي، خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح نحو حل معضلة مخيمات اللاجئين في عرسال. هذه العودة المنسقة امنيا بين حزب الله والجيشين السوري واللبناني، جرت تحت ضغط الاعداد لعملية عسكرية قريبة في الجرود بعد شهر رمضان، وهي «رسالة» واضحة للمجموعات المسلحة بضرورة الاسراع في الموافقة على التسويات لان ما بعد «الحسم» ليس كما قبله، وفي هذا السياق تشير تلك الاوساط الى ان استمرار الاجواء الايجابية سيسمح بعودة قريبة لنحو 400 عائلة ابدت استعدادها للعودة الى قراها.
ولفتت المصادر عينها، الى ان هذا الملف لم ينسق سياسيا عبر الحكومة اللبنانية بل عمل عليه من خلال القنوات الامنية المعتادة، وحتى الان لم تبد رئاسة الحكومة اي استعداد لتبني هذا الملف وفتح قنوات اتصال مع الحكومة السورية، بل على العكس من ذلك ما يزال الرئيس الحريري متمسك باستراتيجية استخدام هذا الملف للضغط على النظام في سوريا، كما يرى ان التراجع عن موقفه في مرحلة التحضير للانتخابات «دعسة ناقصة» ستزيد من خسائر تيار المستقبل، وهذا ما يبقي الملف بين يدي حزب الله الذي يشكل صلة وصل بين الجيشين السوري واللبناني، فيما تبقى قناة الاتصال المباشرة المتاحة عبر المدير العام للامن العام اللواء عباس ابراهيم.
وقد توقعت تلك الاوساط تسارع وتيرة الاحداث عند الحدود الشرقية لان القرار بتنظيفها قد اتخذ بالتزامن مع التقدم السريع للجيش السوري والحلفاء جنوب شرقي سوريا، في اطار استراتيجية وصل الحدود مع العراق، التي ياتي من ضمنها ايضا تنظيف الحدود اللبنانية السورية.