رعى رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري عصر اليوم في السراي الحكومي، حفل الإعلان عن الخطة الخمسية للنهوض الثقافي في لبنان بمشاركة وزير الثقافة الدكتور غطاس الخوري، وحضور الوزراء: عناية عز الدين، معين المرعبي، محمد كبارة، مروان حمادة، جان أوغاسبيان، أيمن شقير، نقولا تويني، ملحم الرياشي، أفيديس كيدانيان، رائد خوري وباسكال لحود ممثلة الوزير جبران باسيل، النواب: بهية الحريري، مروان فارس، خضر حبيب ومحمد الحجار، نقيب المحررين الياس عون، عدد من السفراء العرب والأجانب ومدراء عامين وشخصيات.
الخوري
بعد النشيد الوطني، ألقى وزير الثقافة كلمة قال فيها: “نجتمع اليوم في هذا المعلم السياسي والتراثي، الذي أعاده إلى الحياة الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وذلك بعد ستة أشهر على انطلاق الحكومة وتسلمنا مهام وزارة الثقافة. وقد آليت على نفسي أن أضع هذه الوزارة في قلب الحدث الوطني والاجتماعي والاقتصادي، وفي قلب التنمية المستدامة. وزارة على قدر طموحات اللبنانيين ببلد يرقى الى الصف الأول باقتصاد المعرفة”.
أضاف: “من هذا المنطلق، تلقفنا خطة أعدت في السابق من قبل الوزير روني عريجي، لكنها لم تبصر النور. فقمنا بتشذيبها وفتحنا حولها حوارا مع كل الفاعليات الثقافية، سواء من خلال الوزارة أو من خلال المؤتمر الذي نظمناه في قصر الأونيسكو لهذه الغاية، وشمل كافة المعنيين بالقطاع الثقافي الرسمي والشعبي، وكان مناسبة للاطلاع على خبرات وآراء الكثيرين والاستفادة منها”.
وتابع: “اليوم يا دولة الرئيس، كلي اقتناع بأن التوظيف الثقافي يتماشى مع رؤيتك، انت المنتسب الى جيل الشباب، المدافع عن حقوق المواطنة والديمقراطية، المضحي من أجل استقرار الوطن، العابر للطوائف، والمناضل من أجل حقوق المرأة والفئات الأكثر تهميشا في المجتمع، والعامل لمستقبل زاهر للبنان. كلي اقتناع يا دولة الرئيس، بأن رؤيتك ورؤية العهد الجديد لن تتبلور دون نهوض ثقافي، يكون جزءا من خطة النهوض الاقتصادي والاجتماعي التي تبنتها الحكومة، وتبنى إعلان بعبدا الأخير توكيل الحكومة بتنفيذها”.
وقال: “لا بد يا دولة الرئيس من أن نستعرض معكم، ومع الحضور الكريم وضع وزارة الثقافة الحالي، هذه الوزارة المؤتمنة على كنوز لبنان الأثرية، وعلى التراث، والفنون، والآداب، والإنتاج الفكري، والصناعة الثقافية، وكل ذلك من خلال موازنة لا تتعدى ال40 مليار ليرة لبنانية، 36 مليارا منها للرواتب والأجور. نحن بحاجة لخطة تبرز معالمنا التاريخية في كل لبنان، وتؤدي إلى نهضة ثقافية تشكل رافدا أساسيا من روافد النهوض الاقتصادي. نحن بحاجة للمحافظة على متاحفنا وبناء المزيد من المتاحف في صيدا وجبيل وصور وكل المناطق. ونحن نسعى لبناء متحف لمدينة بيروت في ساحة الشهداء، بهبة سخية من دولة الكويت. وفي هذا الإطار، نشكر لكم مساعدتكم على حل معضلة الكنوز الأثرية الموجودة في ساحة رياض الصلح، والتي نحن في طور استملاكها، وهي تختزن كلية الحقوق الرومانية وتعطي بيروت تسمية أم الشرائع”.
أضاف: “أما الكونسرفتوار الوطني، الذي يعلم ستة آلاف تلميذ، ولديه أوركسترا غربية وأخرى شرق عربية، فقد قمنا مؤخرا بتوقيع بروتوكول تعاون مع الصين، يقضي بمساهمة هذه الدولة الصديقة ببناء كونسرفتوار حديث، يتضمن مدرسة موسيقية وصالات فنية، كهبة للوزارة، بحيث تنقل الموسيقى وتعليمها الى رحاب جديدة. وكذلك المكتبة الوطنية، التي ساهم فخامة الرئيس العماد ميشال عون باستكمال الهبة، المقدمة من قبل دولة قطر لإعادة تأهيلها. وهي ليست مكتبة بالمفهوم الكلاسيكي، بل هي مركز ثقافي متطور، نستعد لتدشينه وفتحه أمام المواطنين خلال الأشهر المقبلة، ليكون علامة مميزة من علامات بيروت الثقافية. ولكن ليستقيم العمل، لا بد من تعيين مجالس إدارة لهذه الهيئات، الكونسرفتوار، هيئة المتاحف، وكذلك المكتبة الوطنية. وتعيين مدير عام لوزارة الثقافة”.
وتابع: “دولة الرئيس، إن بيروت، عاصمة العرب الثقافية وعاصمة حوار الحضارات في العالم، لا تمتلك مسرحا مناسبا، يليق بمكانتها ودورها. صحيح اننا في طور بناء ما تم ذكره آنفا، ونعمل على ترميم قصر الاونيسكو، ولكن يبقى مسرح قصر البيكاديلي، ذلك المعلم التراثي الذي لا يغيب عن ذاكرة بيروت ولبنان، ولا يجد سبيلا لإنقاذه من الخراب، رغم مرور أكثر من 15 عاما على احتراقه. ولقد حاولت جاهدا التوصل إلى حل مع المؤسسة الوطنية لضمان الودائع، بصفتها الجهة التي تملك المسرح، ولكن دون جدوى. وأقولها علنا: إنني لن أترك هذا المسرح ضحية للخراب والتعطيل، وهو سيكون في عهدة وزارة الثقافة. وأعلن اليوم عن قرار وضعه على لائحة الجرد العام للأبنية التراثية والتاريخية، تمهيدا لاستملاكه”.
وختم: “دولة الرئيس، هذا غيض من فيض رؤيتنا للنهوض بمقومات لبنان الثقافية. وأملنا كبير بأن تكون القفزة المتوقعة من هذه الخطة، من ضمن خطتكم للنهوض الاقتصادي والاجتماعي”.
عرض للخطة
بعد ذلك، قدم مدير عام الآثار سركيس خوري عرضا عن الخطة، مطالبا ب”تأمين إعتمادات إضافية لموازنة وزارة الثقافة تبلغ حوالي 180 مليون دولار تصرف على مدى خمس سنوات لإنجاح الاستراتيجية الثقافية”، آملا “إقرار خطة النهوض الثقافي في لبنان التي تعتبر مدماكا أساسيا في تنمية الاقتصاد الوطني وتفعيل الإنماء المتوازن، وتدعو الى اعتماد سياسة فعالة تهدف إلى تعزيز وجه لبنان الحضاري ونشر إبداعاته الفنية والموسيقية والتراثية محليا وعالميا، الأمر الذي يستدعي قرارا سياسيا جريئا بالاستثمار في الثقافة”.
ولفت إلى أن “الخطة الخمسية لوزارة الثقافة ستساهم في دعم مكونات القاعدة الثقافية على اختلاف أنواعها (الفنون، السينما، المسرح، الموسيقى، المكتبات العامة) وإطلاق ورش ترميم وتأهيل في كافة المواقع الأثرية، واستثمار الأبنية التاريخية… وبالتالي تحقيق النفع الاقتصادي للعاملين في هذا القطاع وللمجتمعات المحيطة بالمراكز الثقافية والمواقع الأثرية والتاريخية، وتوفير فرص عمل وزيادة الدخل القومي لشريحة واسعة من المواطنين”.
الرئيس الحريري
وفي الختام، تحدث الرئيس الحريري فشكر وزير الثقافة والوزير السابق عريجي، وقال: “الخطة التي نراها اليوم تمتد على خمس سنوات وتبلغ تكلفتها 180 مليون دولار، ولكنني أرى أنها ليست بالتكلفة الكبيرة لأنها قد تدر على لبنان مبالغ تصل إلى مليار وثمانمائة مليون دولار. يجب أن نفكر على هذا النحو حين نريد أن نستثمر في الثقافة، وعلينا أن نحافظ على ثقافتنا وثقافة هذا البلد، فإذا كان هذا البلد يتعرض للتشويه في أماكن معينة، إلا أنه إذا حافظنا على ثقافتنا وتراثنا فإننا سنظهر لشبابنا وأولادنا معنى لبنان وتاريخه وماهيته الفعلية، وما الذي أراد رفيق الحريري أن يكون عليه لبنان”.
أضاف: “لذلك، فإن الاستثمار في هذه الخطة الخمسية هو استثمار في مكانه، وأنا سأعمل مع معالي الوزير على ألا تكون هذه الخطة مجرد حلم بل حقيقة، وإذا كانت هناك من وزارة يجب أن تكون وزارة سيادية فهي وزارة الثقافة، فهي تراثنا وتاريخنا وما تركه لنا آباؤنا وأجدادنا وهي ما تمثلنا في التاريخ. ومن لا تاريخ له لا مستقبل له. لذلك يجب أن نكرس هذا التاريخ ونقول هذا هو لبنان”.
وتابع: “أود أن أشكر كل من عمل على هذه الخطة في هذه الوزارة وكل المهتمين بالشأن الثقافي. الحكومة تحاول أن تقوم بما في استطاعتها، ولكني أرى أننا نستطيع أن نقدم الأكثر، ويجب أن يساعد القطاع الخاص في هذا المجال، فهو له دوره، ويجب أن نوجد السبل لتحفيزه على الحفاظ على التراث والآثار”.
وأردف: “بالنسبة إلى قانون الحفاظ على التراث والمباني التراثية، فإن هذا القانون لم يقر منذ عهد الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وقد آن الأوان أن يتم البت به. فمن غير الطبيعي أن نسمع كل يوم خبرا عن هدم مبنى تراثي أو أن فلانا يريد أن يهدم مبنى تراثيا ليبني ناطحة سحاب مكانه. الناس بالتأكيد محتاجة للاستثمار، ولكن يمكننا أن نجد معادلة بين الحالتين، بين أن نحافظ على التراث وتأمين مصلحة أصحاب هذه المباني ومصلحة أبنائهم، بحسب ما ينص عليه التنظيم المدني، لكي نحافظ على تراثنا”.
وختم: “أود أن أشكر الوزير الخوري وكل من عمل معه على هذه الخطة، ومن يسير على خطى رفيق الحريري، وتحديدا حين ننظر إلى مبنى السراي الحكومي كيف كان وما الذي أراد رفيق الحريري أن يكتبه على مدخله: “لو دامت لغيرك لما اتصلت إليك”، فإننا نذكر أن هذا المبنى كان مدمرا وقد أعاده رفيق الحريري إلى ما كان عليه وربما أجمل، ونحن يجب علينا أن نعمل ونعيد لبنان إلى ما كان عليه وربما أفضل”.