نشرت صحيفة الغارديان البريطانية مقال رأي لمراسلتها السابقة في القدس، هاريت شيروود، تحت عنوان “عهد التميمي آخر طفلة ضحية للاحتلال الإسرائيلي”.
عهد التميمي فتاة فلسطينية من مواليد قرية النبي صالح في 30 آذار (مارس) 2001. برزت إعلامياً منذ كانت يافعة من عمرها، حيث لفتت أنظار العالم بتحديها للجنود الإسرائيليين الذين اعتدوا عليها وعلى والدتها الناشطة ناريمان التميمي في مسيرة سلمية مناهضة للاستيطان في قرية النبي صالح الواقعة غرب رام الله، في آب (أغسطس) 2012، في مشهد تناقلته وسائل إعلام عالمية. في 19 ديسمبر 2017، عادت عهد التميمي (وعمرها 16 عاماً) لتصدّر صفحات الأخبار ووسائل التواصل الاجتماعي لتصديها للجنود، وقد بيّن فيديو تم تداوله على نطاقٍ واسع صفعها لجنديين مسلحين، ما أدى إلى اعتقالها فجر ذلك اليوم من منزلها. حين اعتقالها في 2017، كانت عهد التميمي لا تزال طالبة في الثانوية العامة الفرع الأدبي في مدرسة البيرة الثانوية للبنات.
منذ طفولتها عُرفت “عهد” بين أقرانها أنّها دائمة التصدي وتحدي جيش الاحتلال في اعتداءاته على عائلتها وجيرانها، إذ تمكنت ووالدتها من تخليص شقيقها محمد من يد قوات الاحتلال التي حاولت اعتقاله، وقد التقطت كاميرات الإعلام ذلك الموقف.
شاركت عهد منذ عمر الرابعة مع والديها في العديد من المسيرات والمظاهرات رفضاً للسياسات التي تفرضها السلطات الإسرائيلية ضد منطقتها، وذكرت أنها كانت تؤمن بما تفعل تماماً، وترى أنّ الخروج في المسيرات المناهضة للسياسات الإسرائيلية حافز للناس للاستمرار في النضال”.
ومن ضمن ذلك كانت لا تتخلى عن المشاركة في المسيرة الأسبوعية كل يوم جمعة في قرية النبي صالح، رافعةَ شعار “اخرجوا من أرضنا.. فهذه الأرض ليست لكم”، وكانت تتمنى دائماً أن تدرس القانون لتصبح محامية لتدافع عن وطنها وأهلها وشعبها.
وكانت مسيرة النبي صالح بدأت منذ كانون الأوّل/ديسمبر 2009، كإحتجاج أسبوعي لأهالي القرية وبعض المتضامنين الدوليين ضد جدار الفصل العنصريّ ومصادرة أراضي القرية لصالح مستوطنة “حلميش”، وهي تأتي في سياق المقاومة الشعبية ضد جدار الفصل العنصري الذي التهم جزءاً كبيراً من أراضي القرية.
والدها باسم التميمي مواليد قرية النبي صالح (30/3/1967)؛ درس الاقتصاد في جامعة بيرزيت في رام الله، ثم حصل على ماجستير القانون الدولي من جامعة برشلونة. اعتقله القوات الإسرائيلية للمرة الأولى عام 1988 إبّان انتفاضة الأقصى؛ ثم أعيد اعتقاله عام 1993. تعرض أثناء اعتقاله للتعذيب الشديد ” بأسلوب الهزّ” فتسبب له ذلك بشلل نصفي في قدمه ويده. استشهدت أخت باسم عام 1993 أثناء حضورها محكمة لابنها جرّاء اعتداء مجندة إسرائيلية عليها، سبّب لها شللاً أودى بحياتها على الفور.
والدتها ناريمان التميمي، مواليد السعودية عام 1977. حاصلة على شهادة الثانوية العامة في مدينة رام الله؛ تعرّضت للاعتقال أكثر من 5 مرات، وتعرضت أيضاً للضرب من قبل الجنود الإسرائيلين بسبب توثيقها بالكاميرا لجرائم الاحتلال في قرية النبي صالح، لديها من الأبناء 3 من الذكور هم وعد، محمد وسلام ثم بنت واحدة وهي عهد.
والدها ووالدتها هم أعضاء في لجنة المقاومة الشعبية ضد الجدار والاستيطان التي تم تأسيسها عام (2009) لتنظيم فعاليات ضد الاحتلال الإسرائيلي في القرية. كما تم تأسيس مكتب إعلامي لرصد وتوثيق جرائم القوات الإسرائيلية ضد الأهالي في القرية عُرِف بـ ” تميمي برس”
في كانون الأوّل/ديسمبر 2012 تم تكريم عهد بجائزة “حنظلة للشجاعة” من قبل بلدية “باشاك شهير” في إسطنبول بتركيا، والتقت حينها رجب طيب أردوغان (وكان رئيساً للوزراء حينها) وعقيلته في ولاية أورفة.
أكثر من عشرين دورية إسرائيلية أقدمت على اعتقال عهد في ساعةٍ متأخرة من ليلة الثامن عشر من ديسمبر 2017 في قرية النبي صالح قرب مدينة رام الله المحتلة.
كانت القوات الإسرائيلية التي إقتحمت المنزل قد إستولت على عدداً من أجهزة الحاسوب والهواتف المحمولة، قبل أن تعتقل عهد.
فيما اعتقلت نفس القوات ناريمان التميمي والدة الطفلة الأسيرة عهد من أمام معسكر “بنيامين” شمال رام الله، حين كانت في طريقها لمعرفة وضع ابنتها التي اعتقلت في ذلك اليوم.
واعتقل القوات الإسرائيلية والدها باسم التميمي من داخل قاعة المحكمة أثناء حضوره جلسة محاكمة ابنته بعد يوم من اعتقالها.
في 24 ديسمبر 2017 رَفضت محكمة إسرائيلية الإفراج عن عهد التميمي.
في 1 يناير 2018 مددت محكمة إسرائيلية اعتقال عهد التميمي ووالدتها 8 أيام أخرى، ووجهت لها 12 اتهاماً رسميّا، من ضمنها إعاقة عمل وإهانة جنود، والتحريض، وتوجيه تهديدات، ومشاركة بأعمال شغب والقاء حجارة.
قبل اعتقالها تعرضت عهد للإصابة 3 مرات برصاص الاحتلال المطاطي، وتعرضت لكسر بيدها، لكنها واصلت الدفاع عن نفسها وأهلها والصراخ في وجه الجنود الإسرائيليين.
ووصفت مراسلة الغارديان في القدس، التميمي بأنها “ليست جان دارك ولا دمية فلسطينية بل هي رمز لجيل مصدوم ثان من الفلسطينيين”.
وقالت إن “عهد” أبلغتها عندما كانت بعمر 12 عاما أنها تريد أن تصبح محامية كي تتمكن من الدفاع عن الحقوق الفلسطينية، لكنها بعمر 16 عاما قد تواجه حكما بالسجن لمدة طويلة. وإنها تبدو متأكدة من أنها ستقضي الأشهر المقبلة من حياتها في السجن بدلا من مقاعد الدراسة للنجاح في امتحاناتها الدراسية.
وخلصت إلى القول أن قصة “عهد” ليست قصة طفلة بل قصة جيل -ثمة جيلان- بلا أمل أو أمن، والأمر المأساوي والذي لايمكن غفرانه أن هذه الآفاق الكئيبة قد تنتظر جيلا ثالثا.