كتبت صحيفة “الجمهورية” تقول: تركّزت الأنظار أمس على زيارة وفد صندوق النقد الدولي للبنان، لِما تحمله من أهمية وأبعاد تتصل بمستقبل البلاد السياسي والإقتصادي والمالي والنقدي في ضوء الأزمة الإقتصادية والمالية التي تعيشها، حيث تعوّل السلطة على مشورة هذه المؤسسة الدولية وغيرها من الشركات والمؤسسات من أجل تأمين المعالجة المطلوبة لهذه الأزمة ومنع وصول البلاد الى إفلاس وانهيار، على غرار ما أصاب دولاً أخرى. ولكن في انتظار توافر هذه المعالجة، فإنّ المواطن يدفع يومياً ثمن الأزمة من قوته ومعيشته حيث يكتوي بارتفاع الأسعار، نتيجة التلاعب بسعر العملة الوطنية إزاء العملات الصعبة التي يتقدّمها الدولار الأميركي.
شكّل وصول وفد صندوق النقد الدولي الى بيروت، وبدء المحادثات الرسمية مع السلطات اللبنانية، الحدث المالي والاقتصادي الأبرز الذي كان ينتظره اللبنانيون.
وتبيّن مما تسرّب عن اليوم الاول للمحادثات، انّ وفد الصندوق كان مستمعاً اكثر منه متحدثاً. وقد اطّلع على الأفكار التي طرحها المسؤولون اللبنانيون حول الخطة التي يجري إعدادها لتكون بمثابة برنامج إنقاذ شامل.
ومن المتوقّع أن يعطي الوفد بعض الإجابات عن تساؤلات طرحها الجانب اللبناني. كذلك، قد يتأخّر بعض الإجابات على نقاط محددة، في انتظار أن يتشاور وفد الصندوق مع ادارته، على ان يعود بالإجابات لاحقاً.
خطة لبنانية
وكان الوفد برئاسة رئيس البعثة مارتن سيريزوله، وعضوية ممثل مكتب المدير التنفيذي سامي جدع، والخبراء الاقتصاديين توم بست، فرنتو ريكا ونجلا نخله قد عقد الاجتماع الاول مع رئيس مجلس الوزراء حسان دياب. وحضر عن الجانب اللبناني نائب رئيس مجلس الوزراء وزيرة الدفاع زينة عكر عدره، وزير المال غازي وزني، وزير الاقتصاد راوول نعمه، وزيرة العدل ماري كلود نجم.
وأوضح وزني بعد الاجتماع أنّه خُصّص للتعارف، مشيراً الى أنّ “لبنان أعدّ خطة لمواجهة الأزمة وطريقة الخروج منها”. ولفت الى انّ “صندوق النقد يعطي وجهة نظره في ظلّ الظروف الحالية وما يحتاجه لبنان من إجراءات اصلاحية واقتصادية ومالية، ومكمن الصعوبات والسبل الآيلة الى الحلول”.
وأكّد وزني أنّ وفد الصندوق “سيتابع عمله حتى الانتهاء من التعاون مع لبنان لإعداد الخطة”، موضحاً “أننا في مرحلة المشورة التقنية حصراً، والمساعدات تأتي في المرحلة المقبلة”.
ولفتت مصادر متابعة الى أهمية كلام وزني لجهة انّ مرحلة المساعدات تأتي في مرحلة مقبلة، بما أوحى انّ الحكومة ترجّح فرضية الانتقال من مرحلة طلب المشورة الفنية من صندوق النقد، الى مرحلة طلب برنامج إنقاذي يتضمّن حزمة دعم مالي مبرمجة على سنوات عدة.
وكان وفد الصندوق قد التقى حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ثم لجنة الرقابة على المصارف برئاسة سمير حمود.
مجلس الوزراء
في هذه الاجواء عقد مجلس الوزراء أمس جلسته الثانية بعد تأليف الحكومة في القصر الجمهوري، مناقشا جدول اعمال من 31 بنداً، 8 بنود فقط منها هي بنود جديدة، امّا البقية فكانت موافقات استثنائية سابقة من حكومة تصريف الاعمال برئاسة الحريري أدرجت على الجدول على سبيل التسوية.
ووافق المجلس على مشروع قانون يرمي الى إبرام اتفاقية القرض بين الحكومة اللبنانية والصندوق العربي للانماء الاقتصادي والاجتماعي بقيمة 50 مليون دينار كويتي، أي ما يوازي 165 مليون دولار، للمساهمة في تمويل مشروع الاسكان، وعلى وضع آلية لتنفيذ مضمون البيان الوزاري وفق خريطة طريق تمّ إقرارها، وكذلك إعادة النظر في اللجان الوزارية عند الاقتضاء. كذلك وافق على عرض وزارة الطاقة والمياه لموضوع السماح للشركات التي تتولى إدارة النفايات الخطرة التي ستنتج عن عملية حفر البئر الاستكشافية الاولى في الرقعة الرقم 4 في المياه البحرية اللبنانية، بالقيام بعملها وذلك تمهيداً لبدء حفر البئر الاولى في الايام القليلة المقبلة.
وتمّ خلال الجلسة البحث في آلية تعيين موظفي الفئة الاولى والخيارات المتاحة لهذا التعيين، فيما لم يطرح “موضوع سندات “اليوروبوند”.
عون والمليارات الضائعة
وعلمت “الجمهورية” انّ كلام رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في مستهلّ الجلسة تركّز على حسابات السنوات الماضية كلها، متحدثاً عن نقص في التدقيق ومبالغ مهدورة وسلف خزينة لم يعرف كيف تم تسديدها، وخصوصاً اموال للهيئة العليا للاغاثة تبلغ اكثر من ملياري دولار صُرفت بلا تفاصيل، مشيراً الى أنّ القيمة الاجمالية للمبالغ هي 28 مليار دولار لم يعرف كيف صُرفت في السنوات الماضية، وليس من ضمنها مبلغ الـ11 مليار دولار المعروف.
وكشف عون “انّ العمل يجري لمعالجة المشكلات والاجراءات المصرفية، وانّ التحقيقات ستكشف قريباً عن كل التجاوزات وكل شخص او جهة ستتحمّل المسؤولية”.
امّا بالنسبة لموضوع استحقاق سندات “اليوروبوند” فأكد رئيس الجمهورية انه ينتظر نتائج الاتصالات مع صندوق النقد الدولي لتحديد الخيار الاقل كلفة.
وفي معلومات “الجمهورية” انّ رئيس الحكومة حسان دياب “كان مستاء من تأخر الوزراء في إرسال الملفات التي طلبها منهم لعرضها على مجلس الوزراء”.
مشاريع البنك الدولي
وعلمت “الجمهورية” انه تم التطرّق خلال الجلسة الى المشاريع الممولة من البنك الدولي، وتقرر الإسراع في تنفيذ ما تعثّر منها في الفترة السابقة بسبب الاحداث والأزمة، لأنّ الوضع لم يعد يتحمّل التأخير، على حدّ قول رئيس الحكومة الذي أكد أنه ينتظر أرقاماً دقيقة من مصرف لبنان ومن صندوق النقد الدولي لكي تُدرس مع اللجان المختصة قبل رفعها الى مجلس الوزراء، لاتخاذ القرار المناسب في شأن سندات “اليوروبوند” وأمور أخرى طارئة، وخصوصاً الإجراءات المصرفية.
وفي هذا السياق طلب رئيس الجمهورية إعداد تقرير مفصّل عن مجمل الأوضاع المالية والاقتصادية لعرضه في مجلس الوزراء قبل نهاية الشهر.
تشنّج متوقع بين دياب والحريري
الى ذلك، توقعت مصادر مطلعة أن تشهد المرحلة المقبلة تشنجاً في العلاقة بين دياب والرئيس سعد الحريري، على خلفية كلام رئيس الحكومة في جلسة أمس من جهة وتَناغمه من جهة ثانية مع مواقف رئيس الجمهورية الذي صَوّب في كلامه على الحريري من دون أن يسمّيه. بالإضافة الى انّ عون، عيّن بمرسوم، بناء على اقتراح رئيس الحكومة، زوجة الاخير نوار مولوي دياب نائبة لرئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة بدلاً من عبير شبارو إبراهيم التي عيّنها الحريري.
وفي هذا الصدد، أوضحت “الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية” في بيان، عطفاً على هذه الأخبار المتداولة، أنّ “مرسوم تعيين أعضائها يصدر عن رئاسة مجلس الوزراء، وتعيين زوجة رئيس الحكومة كما زوجة رئيس مجلس النواب نائبتين لرئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة، هو عُرف تمّ العمل به منذ سنوات، وقد تم الاستناد إليه في تعيين السيدة نوار مولوي دياب بعد نيل الحكومة الجديدة الثقة البرلمانية”. وذكرت بأنّ “مراكز رئيسة الهيئة ونائبتيها كما العضوية في الهيئة، تدخل في إطار العمل التطوعي، ولا تستتبع الحصول على مخصصات أو فوائد مالية”.
إشكال عوني ـ إشتراكي
من جهة ثانية وقع إشكال أمس في محيط محلة كليمنصو بين مناصري “التيار الوطني الحر” ومناصري “الحزب التقدّمي الإشتراكي”، ما استدعى تدخّل القوى الأمنية للفصل بين الطرفين، فأُقفلت الطريق عند مبنى “أريسكو بالاس”.
وكان مناصرو “التيار الحر” ولجنة مكافحة الفساد فيه قد تجمّعوا عند الخامسة عصراً أمس أمام مصرف لبنان، احتجاجاً على “السياسة المالية لمصرف لبنان، وللمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة”. وتفاجأوا بشعارات وضعها المنتفضون على جدران شارع الحمرا، وعلى حائط مصرف لبنان تنتقد تظاهرتهم، كُتب عليها “مين مَدّد لسلامة؟” و”حَدا بيتظاهَر ضد حالو”، وغيرها من الشعارات.
وتزامناً مع هذه التظاهرة، تجمّع مناصرو “التقدمي” في محيط كليمنصو عند تقاطع جوستانيان، وتوجّه رئيس الحزب وليد جنبلاط بكلمة من منزله هناك الى مناصريه، قائلاً: “فليتظاهروا كما يريدون”. وأضاف: “هم يخرّبون ونحن نبني، وأنا في حماية الجيش والأمن الداخلي، وليس هناك أي خطر عليّ وأطلب عودتكم الى منازلكم”. وأضاف: “أنا مع الحكومة في محاولة إنقاذ البلد، ومستعدون لكل ايجابية لأنّ مصلحة البلد أقوى من كل شيء”. وفي الإطار نفسه، أكّد الرئيس سعد الحريري تضامنه مع جنبلاط، خلال اتصال معه.
ومن جهتها، اعتبرت “اللجنة المركزية للإعلام” في “التيار الوطني الحر”، في بيان أصدرته مساءً، أنّ “انفعال البعض غير المبرّر واستخدامه لغة العنف، ما هو سوى دليل على أنه أوجَع أصحاب الملايين المهرّبة الى الخارج”.
ولفت البيان إلى انّ “قطع الطرق على الباصات والناس، وضرب السكاكين والحجارة هي أساليب الميليشيات المعروفة من المواطنين، والغريبة عن مناصري التيار”. وختم: “انّ الاستفزاز الوحيد الذي قام به هو لأصحاب الاموال المهرّبة الذين كشفوا هم عن أنفسهم باعتراض بعضهم على تحرك التيار في الشارع، أو باتخاذ البعض الآخر موقفاً متضامناً مع المتهجّمين على التيار”.
تهديد إسرائيلي
من جهة ثانية وفي تهديد اسرائيلي جديد للبنان، هدّد قائد المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي أمير برعام، بالرد في بيروت، على انتهاك “حزب الله” للقرار 1701.
وقال برعام “إن الحكومة اللبنانية الجديدة تخضع لرغبات “حزب الله” وتحمي مصالحه”، مهدداً إيران وبيروت والقرى اللبنانية الحدودية بـ”دفع ثمن باهظ”. ولفت إلى أن “حزب الله” يواصل جهوده “لاقتناء مزيد من السلاح الأكثر دقة”، مشيرا في الوقت نفسه، إلى قول رئيس الجمهورية ميشال عون الأسبوع الماضي لصحيفة فرنسية “إن “حزب الله” لا يتدخل في قرارات الحكومة وأنه يلتزم شخصيا بأن يحترم الحزب القرار 1701، مشددا على أن “ما قيل بالفرنسية، ليس ما يحدث على الأرض”.
وقال برعام: “يعرفون في بيروت وفي جبل عامل جنوب لبنان، أنهم سيدفعون ثمنا باهظا. الجيش الإسرائيلي سيستمر في العمل لإحباط الجهود التي تهدد أمننا طالما تطلب منا ذلك”. وأضاف: “سنجني الثمن من “حزب الله” وأيضا من أسياده في الشمال الشرقي (في إشارة إلى إيران)، وأيضاً من عاصمة الدولة اللبنانية بيروت، وبالطبع من القرى الشيعية جنوب لبنان، التي تستخدم ملجأ وقاعدة للحزب”.
ومن جهته أكد قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلي الجنرال تامير يدعي انّ “الجبهة معرضة لهجمات صاروخية حادة لم تشهدها إسرائيل في الحروب الماضية، وقد تتعرض ايضاً لهجوم سيبراني خلال الحرب المقبلة، ولا نعرف ما اذا كانت اسرائيل مستعدة لمثل هذه الحروب ام لا”. وأشار يدعي الى ان بلاده تتفهم أن “الأمور على الجانب الآخر قد تغيرت، وأن نطاق الصواريخ أصبح قوياً من حيث الكم والوزن والقوة والدقة، وأصبح التحدي متعدد الأبعاد، وأن إسرائيل تواجه تحديات جمة، وانّ إطلاق الصواريخ في المستقبل لن يكون له مثيل، وليس كما تعرضت إسرائيل له في حرب غزة الأخيرة، وكذلك في حرب لبنان الثانية، والصواريخ سيكون لها القدرة على الوصول بشكل كبير وشَل الوظائف والحياة في الجبهة الداخلية الإسرائيلية”.