بَدا من المواقف والتطورات أمس أنّ بعض عواصم القرار الغربية بدأت تتحسّس خطورة ما آلت إليه الأوضاع اللبنانية في ضوء الأزمة الإقتصادية والمالية وتفجّر الغضب في الشارع وما يرافقه من اعمال عنف، في الوقت الذي اقتربت الحكومة من إقرار خطتها الإصلاحية حيث ستضع اللمسات الأخيرة عليها في جلسة استثنائية اليوم تمهيداً لإقرارها في جلسةٍ لمجلس الوزراء غداً، والذي كان انعقد أمس باحثاً في هذه الخطة. في الوقت الذي ينتظر الجميع ما سيعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة اليوم من مواقف في ضوء الحديث عن إقالته، وكذلك في ضوء ما طلبته الحكومة منه من ارقام ومعلومات حول موجودات المصرف والاموال التي حُوِّلت الى الخارج بعد 17 تشرين الاول الماضي وقبله، وساهمت في الازمة المالية والاقتصادية الراهنة.
توقف المراقبون باهتمام أمس عند استقبال رئيس الحكومة حسان دياب السفيرة الأميركية في لبنان دوروثي شيا على وقع الغضب الشعبي الذي يشهدها الشارع في بيروت ومختلف المناطق إحتجاجاً على تدهور قيمة العملة الوطنية إزاء العملات الاجنبية. وبحسب معلومات رسمية انّ اللقاء تخلله بحث في «آخر المستجدات المحلية»، وانّ شيا عبّرت عن استيائها من الطابع غير السلمي الذي يطغى على التظاهرات، وجددت «التأكيد على وجوب التعاون مع صندوق النقد الدولي». وأعلنت عن مساعدات إنسانية من الولايات المتحدة للبنان لمساعدته في مكافحة وباء كورونا، وذلك عن طريق الجامعة الأميركية في بيروت.
ولاحقاً، غرّدت شيا عبر حساب السفارة الأميركية في بيروت على «تويتر» حيث اعتبرت أنّ «الإحباط الذي يعيشه الشعب اللبناني بسبب الأزمة الإقتصادية أمرٌ مفهومٌ، وما يقومون به له مبرّراته. لكن حوادث العنف، والتهديدات، وتحطيم الممتلكات هي أمور مقلقة للغاية وعليها أن تتوقّف». وقالت: «انّنا نشجع الجميع على السلوك السلمي وضبط النفس، وكذلك اليقظة المستمرة في التباعد الاجتماعي في سياق جائحة فيروس كورونا»، وأرفقت شيا تغريدتها بهاشتاغ «في ذلك معاً».
لودريان
وكان سبق زيارة شيا لدياب اتصال تلقّاه من وزير الخارجية الفرنسي جان – إيف لودريان، الذي أعرب له عن «تأييد فرنسا لبرنامج الحكومة الإصلاحي، واستعدادها لمساعدة لبنان مع صندوق النقد الدولي»، مؤكداً «نية فرنسا عقد اجتماع لمجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان فور انتهاء إجراءات الحظر المتعلقة بوباء كورونا».
وفي هذا السياق غرّد وزير المال غازي وزنة، عبر «تويتر»، الآتي: «تلقيت اتصالاً هاتفياً من وزير المالية والاقتصاد الفرنسي Bruno Le Maire الذي أكد دعم فرنسا للبنان في خطته المالية والاقتصادية، مشدداً على ضرورة تنفيذ الخطوات الإصلاحية المطلوبة منه».
مجلس الوزراء
وكان مجلس الوزراء الذي انعقد أمس في السراي الحكومي برئاسة دياب قرر، في إطار إجراء التحقيقات لتحديد الحسابات التي أجريت منها تحويلات مالية الى الخارج، «تكليف وزارة المال الطلب من مصرف لبنان إعداد لوائح تتضمن الآتي:
أولاً: مجموع المبالغ التي جرى تحويلها إلى الخارج اعتباراً من تاريخ 1/1/2019 ولغاية تاريخه، مع تبيان نسبة المبالغ التي جرى تحويلها من قبل أفراد يتعاطون الشأن العام وتلك التي حوّلت لأسباب تجارية.
ثانياً: مجموع المبالغ التي سحبت نقداً في الفترة عينها المُومَأ إليها.
ثالثاً: مجموع المبالغ التي جرى تحويلها في فترة إقفال المصارف استناداً إلى قواعد الامتثال والتعاميم ذات الصلة».
كذلك أقرّ المجلس 4 تدابير آنية وفورية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المتأتية عنه، وهي: تفعيل التدقيق الضريبي، التحقيق المحاسبي، تطبيق المادة الخامسة من قانون السرية المصرفية، الرقابة المؤخرة لديوان المحاسبة.
تضارب الصلاحيات
وقالت مصادر وزارية لـ«الجمهورية» انّ «نقاشاً عميقاً وطويلاً حصل عند البحث في البندين الرابع والخامس من التدابير الآنية لاستعادة الاموال المنهوبة، وخصوصاً لجهة الصلاحيات في ملاحقة الاثراء غير المشروع والاستقصاء عنه، إذ بموجب التدبيرين يتحول مجلس الوزراء ضابطة عدلية للتحقيق والملاحقة ما يعتبر تعدياً على السلطة القضائية».
واضافت المصادر انّ عدداً كبيراً من الوزراء، وهم وزراء «حزب الله» وحركة «امل» و«المردة» إضافة الى وزيري الاتصالات طلال حواط والداخلية محمد فهمي صَوّتوا مؤيدين الأخذ برأي هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل للبَت بالموضوع وتوافقوا على انّ المادتين ٤ و١٢ يعطيان للقضاء صلاحيات تطبيق قانون الاثراء غير المشروع، ولا يمكن مجلس الوزراء هنا ان يلعب دور الضابطة العدلية، وحذّروا من تضارب في الصلاحيات بين السلطتين التنفيذية والقضائية.
وعلمت «الجمهورية» انّ وزيرة العدل ماري كلود نجم اعترفت امام مجلس الوزراء بأنّ تنفيذ التدابير السبعة لاستعادة الاموال المنهوبة «أمر صعب وغير فعّال، وأن الورقة غير نافذة قانوناً». لكنها اعتبرت «انها يمكن ان تمهّد لاتخاذ قرارت ترضي الشارع».
وقالت نجم لـ«الجمهورية»: «لا احد مستهدفاً في هذه التدابير وهي ليست شعبوية، إنما المقصود منها البدء جدياً في مكافحة الفساد. وما اريد قوله انّ هناك مجموعة قوانين فلنفعّلها، وقانون التهرب الضريبي سيساعد على استرجاع اموال الدولة». وأكدت «انّ هذه التدابير لا تحتاج الى تشريع في مجلس النواب».
الاثراء غير المشروع
وعلمت «الجمهورية» أنه اثناء البحث في القانون 154 المتعلق بالاثراء غير المشروع، سأل بعض الوزراء عن تفاصيله القانونية، وتبيّن انّ وزيرة العدل لم تكن على اطّلاع على معظم النصوص القانونية الواردة في هذه التدابير ما اضطرّها الى الخروج اكثر من مرة من الجلسة واجراء بعض الاتصالات، حتى انّ رئيس الحكومة سألها عما إذا كانت عرضت هذه التدابير على نقيب المحامين؟.
وهنا علّق الوزيرميشال نجار فقال لها: «يجب ان نحافظ على صدقيتنا، ولا يمكن لنا مصادرة قوانين وتَبنّي قوانين ليست من صلاحياتنا وتتضارب مع السلطة القضائية، فإذا أعلنّاها الى الناس وتبين انها غير صحيحة ولا يمكن تطبيقها نصبح محط انتقاد كما حصل معنا في الاسبوع الماضي»، فسأله دياب: ماذا حصل الاسبوع الماضي؟ فأجاب: «عندما اطلقت مواقف بعد جلسة مجلس الوزراء لم تكن لمصلحتنا وأدّت الى ردود فعل معاكسة في الشارع». فرد دياب: «التحرك العفوي الذي كان في الشارع كان لمصلحتنا بسبب الازمة الاقتصادية، امّا التحرك الذي هدف الى زعزعة الاستقرار فكان بخلفيات سياسية ونيات خبيثة». فردّ نجار: «المهم الّا نقوم بدعسة ناقصة حتى لا تنقلب الامور علينا، ويجب ان نتخذ قرارات قابلة للتنفيذ وليس فقط من اجل إسكات الشارع».
وهنا قالت نجم: «يمكن ان تكون هناك امور غير قانونية في هذه التدابير، ولكن مجرد اعلانها الى الشارع سيشعر اننا نقوم بالاصلاحات وهذا شيء جيد وسيفتح باباً للنقاش». فعلّق نجار قائلاً لها: «مش شغلتنا نكذب عالناس، يجب ان نقوم بما هو مُتاح لنا ضمن صلاحياتنا».
سلامة يرد اليوم
وعلى صعيد الأزمة السائدة بين الحكومة وحاكم مصرف لبنان، لفتت وزيرة الاعلام منال عبد الصمد الى انّ مجلس الوزراء لم يبحث أمس في موضوع إقالة سلامة «لأنّ هذا الأمر يتطلب جملة من المعطيات التي تتم دراستها بتَروٍّ في مجلس الوزراء». وعلمت «الجمهورية» ان سلامة سيردّ اليوم في بيان يصدره او يذيعه تلفزيونياً على سلسلة المواقف التي تناولت سياساته في الفترة الأخيرة، ولا سيما منها الموقف الذي عبّر عنه رئيس الحكومة الجمعة الماضي، وتشكيكه في اجراءات مصرف لبنان، وتساؤله عمّا اذا كان ذلك مقصوداً او عاجزاً».
وقالت مصادر مطلعة في مصرف لبنان لـ«الجمهورية» انّ سلامة سيعرض لمجريات ما تعرّضت له الليرة اللبنانية من ضغوط في السنوات الأخيرة، وخصوصاً انّ السنوات الثلاث الأخيرة شهدت عمليات تحويل اموال الى الخارج بمعدل يتراوح بين 3 و5 مليارات دولار سنوياً نتيجة ضعف الثقة بالدولة في مرحلة تَلت عامين ونيّف من الشغور الرئاسي. كذلك سيتناول كلفة الدعم المقدّم للدولة اللبنانية، ولا سيما منها مؤسسة كهرباء لبنان التي بلغت كلفتها سنوياً ومنذ اكثر من عقدين من الزمن نحو مليار ونصف مليار من الدولارات سنوياً.
ولفت المصادر الى «انّ المناكفات السياسية التي عاشها لبنان في السنوات الثلاث الماضية زادت من فقدان الثقة والتردّد في مساعدة لبنان، ما زاد كلفة تثبيت سعر الليرة اللبنانية التي كان تم تثبيتها لسنوات عدة بكلفة عالية تنفيذاً لقرار سياسي، إنفاذاً لِما للحاكم من صلاحيات ومهمات حددها قانون النقد والتسليف».
أرقامه غير مفاجِئة
وقالت المصادر انّ سلامة يضع بيانه بنفسه ويختار كلماته وارقامه بدقة، ولم يشرك احداً حتى مساء امس في مضمونها، ولم يقرر بعد ما إذا كان سيعممه ام انه سيذيعه صوتاً وصورة. واشارت الى أنّ الأرقام إذا فاجأت بعض المواطنين، فإنه لن يكون هناك اي مفاجأة مستغربة في الحديث عن فقدان الارقام الدقيقة، وانها حجبت عن كبار المسؤولين». وأكدت ان «الأرقام التي سيتحدث عنها سلامة اليوم هي في عهدة عون ودياب منذ فترة، فهو يطلعهما على كل من يعنيه الأمر دورياً».
الدولار بـ4200 ليرة
إتّسَمت التعاملات النقدية في السوق الموازية امس بالهدوء، بسبب التزام الصرّافين قرار الاغلاق احتجاجاً على ما تعرّضوا له من توقيفات وإقفال محال بسبب عدم التزامهم بتعميم مصرف لبنان بوضع سقف 3200 لسعر الدولار.
وفي المقابل، استمرت الحركة لدى الصرافين غير الشرعيين، وجرى تداول الدولار امس في حدود الـ4300 ليرة. فيما حدّد مصرف لبنان سعر تسليم التحاويل عبر الشركات المالية بـ3200 ليرة للدولار.
المصارف متوجّسة
وفي الموازاة، ومع تواصل اعمال العنف والتخريب ضد الفروع المصرفية في مناطق مختلفة، أعربت أوساط مصرفية لـ»الجمهورية» عن تخوّفها من أن تكون الحملات المُمنهجة التي نظّمها البعض ضد المصارف، وشاركت فيها الحكومة من حيث تدري او لا تدري، هي التي تؤدّي اليوم الى هذا الفلتان ضد المصارف. ولم تستبعد الاوساط نفسها «وجود مُندسّين يقومون بأعمال التخريب والشغب عن سابق تصوّر وتصميم، وبإيعاز من جهات مشبوهة تتربّص بالقطاع وتسعى الى تدميره». وخلصت الى الاستنتاج «أنّ ما يجري اليوم لن يساهم في حلحلة الأزمة المالية، ولا في الأزمة المعيشية للناس، بل قد يزيد الوضع تعقيداً، بما ينعكس مزيداً من الويلات التي سيتحمّل وزرها المواطن الفقير».
«القوات»
الى ذلك، قالت مصادر «القوات اللبنانية» لـ«الجمهورية» انّ عودة التحركات إلى الشارع على رغم الأزمة الصحية دليل ساطع الى انّ الناس لم تعد تتحمل الضائقة الاقتصادية، وعندما تظاهرت في المرحلة التي أعقبت 17 تشرين الأول كان الدولار ما زال في معدلاته المعروفة، فيما البلاد بين 17 تشرين واليوم تراجعت «سنوات ضوئية» إلى الوراء. وبالتالي، الناس لا تُلام في اعتبار انها تبحث عن لقمة عيش لها ولأولادها، إنما المَلامة تقع على السلطة التي لم تبادر بعد إلى إعلان الخطة المالية.
وشدّدت المصادر على «ضرورة ان تكون الخطة المالية عملية لا تنظيرية، لأنّ عامل الوقت يعمل ضد الجميع، ونزول الناس إلى الشارع هذه المرة لا يشبه المرة السابقة بسبب الوضع المعيشي والاحتقان الاجتماعي، ولا يجوز إطلاقاً إرهاق الجيش اللبناني والقوى الأمنية التي يشكّل وجودها ودورها الضامن الأساس لبقاء الدولة والاستقرار، ومن هنا الحاجة ملحّة جداً إلى خطوات عملية سريعة تؤدي إلى تَرييح الجيش وتنفيس احتقان الناس واستعادة بعض الثقة في الداخل والخارج».
ودعت المصادر إلى «ضرورة تركيز الجهود على الإنقاذ المالي كسبيل وحيد لتجنيب لبنان الفوضى التي بدأت تطلّ برأسها بسبب الغضب الشعبي والقلق على المصير وغياب الأفق، إذ لم يعد للناس ما تخسره بعدما فقدت وظائفها وباتت مَتروكة لقدرها، كذلك دعت المصادر إلى عدم التأخير في عقد الاتفاق بين الحكومتين اللبنانية والإلمانية لحلّ أزمة الكهرباء من خلال شركة «سيمنز» بعيداً من أي حجج وذرائع وأعذار تخلق في اللحظات الأخيرة من أجل إبقاء الوضع الكارثي على ما هو عليه، لأنّ إقفال هذا الملف يؤدي إلى ترييح الخزينة من عبء يتحمّل الجزء الأكبر من العجز والمديونية». وأكدت «انّ الخطوات العملية يجب ان تبدأ من الكهرباء والاتصالات وإقفال المعابر غير الشرعية، ولا تنتهي بضبط المرفأ والجمارك والقطاع العام».
غضب طرابلس
وكان مجلس الوزراء قد انعقد على وقع استمرار تظاهرات الغضب في بيروت والمناطق، وقد اتّسمت هذه الاحتجاجات بعنف شديد في طرابلس لليوم الثاني على التوالي، وساهَم في تأججها أكثر فأكثر وفاة أحد المحتجّين الجريح فواز فؤاد السمّان الذي كان قد اصيب أمس الاول.
وقد شيّع السمّان وسط اجواء من الغضب، فيما أعربت قيادة الجيش – مديرية التوجيه، في بيان، عن بالغ أسفها لسقوط السمّان، مؤكدةً «انها فتحت تحقيقاً في الحادث».
وجددت القيادة تأكيدها «احترام حق التعبير عن الرأي شرط الّا يأخذ التحرك منحى تخريبياً يطال المؤسسات العامة والخاصة»، ودعت «المواطنين للالتزام بالاجراءات الامنية».
ومع انتهاء التشييع، إستؤنفت المواجهات حيث شهدت المدينة تحرّكات شعبية، وأضرم المحتجون النيران بعدد من فروع المصارف في منطقة التل مقابل مستشفى شاهين، وأقدموا على تكسير بعض واجهاتها. كذلك، عمد بعضهم الى رمي الحجارة في اتّجاه الجيش الذي ردّ بالقنابل المسيّلة للدموع.
وعصراً، نظّم عدد من الناشطين المحتجين في ساحة الشهداء في وسط بيروت، مسيرة نحو شارع المصارف احتجاجاً على الاوضاع المعيشية والتردي الاقتصادي والمالي، وعمد عدد من المحتجّين الى قطع الطريق من ساحة الشهداء باتجاه مبنى النهار مُرددين هتافات «مش سلمية مش سلمية هيدي ثورة شعبية».
الجيش
وإلحاقاً لبيانها السابق حول قيام مندسّين بأعمال الشغب والتعرّض للأملاك العامة والخاصة، أعلنت قيادة الجيش إصابة «40 عسكريّاً من بينهم 6 ضباط في إطار أعمال الشغب في طرابلس أمس الأول».
كورونا
وعلى صعيد كورونا، فقد أغلق عدّادها أمس على 717 حالة بعد تسجيل 7 حالات جديدة، 6 منها لمقيمين وحالة واحدة لوافد، علماً أنّ عدد فحوص الـPCR العشوائية التي أجرتها وزارة الصحة أمس بلغ 1449، وأظهر تقرير غرفة إدارة الكوارث ارتفاع حالات الشفاء من الفيروس في البلاد إلى 145 حالة.