إذا كان صحيحاً أن إطلالات الأمين العام لـ”حزب الله” باتت على كثرتها حدثاً عادياً على شريط الأحداث السياسية في البلد، لكن أن يطل نصرالله في اليوم نفسه لانعقاد المجلس الأعلى للدفاع لبحث ملف التهريب عبر الحدود مع سوريا وفي اليوم نفسه لانطلاق المفاوضات الرسمية بين الحكومة وصندوق النقد الدولي، فلا شك أنّ إطلالته هذه سيكون لها “طعم” مختلف لا سيما وأن مضامينها رسمت “الخطوط الحمر” لما هو مقبول وما هو مرفوض في مواضيع البحث المطروحة على طاولة المجتمعين سواءً في قصر بعبدا أو في وزارة المالية. وإذ من الواضح والمعلوم أن ملف المعابر يضرب بطبيعته الاستراتيجية على الوتر الحساس لـ”حزب الله” سياسياً وعسكرياً، فإنّ خلاصة كلمة أمين عام الحزب سدّت عملياً كل معابر الحلول المطروحة لهذا الملف ولسواه من الملفات الاقتصادية والمالية ما لم تكن تمرّ حكماً بشروع حكومة حسان دياب في مفاوضات مع “صندوق النقد السوري” مقابل تقزيم نصرالله كل توقعات الحكومة وآمالها المعقودة على نيل مساعدات دولية وعربية للخروج من الأزمة.
وإذ من المرتقب أن يكون لرسالة نصرالله وقعها التنفيذي على حكومة دياب خلال الفترة المقبلة، باعتبار أنّها حكومة سياسية من لون واحد لا تصح فيها الأعذار التي كانت تساق إبان الحكومة الإئتلافية السابقة حيال قضية عودة النازحين والتحجج بأنّ أطرافاً حكومية هي التي تعرقل عملية التواصل مع الحكومة السورية لتأمين عودتهم إلى بلادهم، فإنّ مقاربة الأمين العام لـ”حزب الله” لمسألة تفلت الحدود بين البلدين وما يُحكى عن شروط أممية ودولية لضبطها أتت في سياق الرفض القاطع لهذه الشروط من جانب الحزب ووضعه كل من يسعى إلى التماهي مع مطالب ضبط الحدود اللبنانية – السورية في خانة “الخيانة” والتآمر على المقاومة لتحقيق أجندة حرب تموز الإسرائيلية، سيما وأنّ إثارة نصرالله لهذا الموضوع أتت بالتزامن مع المراجعة التي أجراها مجلس الأمن أمس للتقرير الدوري حيال تطبيقات القرار 1701 وما تضمنته في البيان الصحافي الصادر عن مجلس الأمن من دعوة إلى “تنفيذ القرار 1559 القاضي بنزع سلاح جميع الجماعات المسلحة في لبنان” بالتوازي مع تشديد الأمين العام للأمم المتحدة في تقريره على أنّ “الوقت أصبح أكثر إلحاحاً لكي يضع قادة لبنان الخطط الإصلاحية اللازمة وينفذوها”.
وبانتظار اتضاح انعكاسات التطورات المتسارعة على العمل الحكومي بين شروط المجتمع الدولي وشروط “حزب الله” المضادة، حاذر المجلس الأعلى للدفاع في اجتماعه الذي عقده في قصر بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال عون أن يقارب ملف المعابر من أي زاوية تثير حساسية “حزب الله”، وذهب باتجاه التأكيد الفولكلوري على “تكثيف المراقبة والملاحقة وتشديد العقوبات وتطبيقها بحق المخالفين من مهربين وشركاء”، ليقرر “وضع خطة شاملة لاستحداث مراكز مراقبة عسكرية وأمنية وجمركية” في سبيل تحقيق هذه الغاية.
وأوضحت مصادر مطلعة على مداولات اجتماع بعبدا لـ”نداء الوطن” أنّ “جميع الأجهزة العسكرية والأمنية أبدت رغبة صادقة وإرادة جدية في وقف عمليات التهريب الحاصلة بين لبنان وسوريا، لكن هذه الإرادة سرعان ما تصطدم كالعادة بمدى قابلية تحقيقها لوجستياً على الأرض في ظل تشعّب المعابر غير الشرعية وتداخل الأراضي الحدودية بين البلدين”، وإزاء هذه الإشكالية التي طرحها قائد الجيش العماد جوزيف عون خلال الاجتماع، توافق المجتمعون على اعتماد آلية عمل في الداخل اللبناني يتولى فيها كل جهاز أمني القيام بدوره لتنفيذها ضمن نطاق عمله وضمن حدود صلاحياته “لتجفيف منابع ومصادر المازوت” المدعوم وقطع الطريق تالياً أمام تهريبه إلى سوريا.
وأوضحت المصادر أنه سيصار بحسب هذه الآلية إلى “مراقبة عمل الموزعين وأصحاب الصهاريج والشركات التي تتولى شراء وبيع المازوت والتدقيق بالكميات المتداولة في ما بينهم”، وأردفت: “على سبيل المثال إذا كانت كميات المازوت المباعة إلى جهة معينة تاريخياً تراوح بين 5 صهاريج و10 صهاريج ولوحظ أنّ العدد ارتفع إلى 20 أو 50 صهريجاً فهذا سيعني حكماً أنّ هذه الجهة تستهلك أكثر من حاجتها في السوق اللبناني وتعمل بالتالي على خط التهريب إلى سوريا وعندها سيصار إلى ضبط الكميات الإضافية”، كاشفةً في هذا المجال عن معلومات توافرت للأجهزة تفيد بأنّ “كبريات الشركات تمنعت في الآونة الأخيرة عن بيع المازوت إلى تجار لبنانيين بذريعة أنها تنتظر تفريغ حمولة الباخرة، بينما هي في واقع الأمر تهدف إلى حفظ المخزون لديها من المازوت لبيعه بسعر أعلى إلى المهربين إلى سوريا بغية جني أرباح أعلى من تلك المتأتية عن عملية بيعه في السوق اللبناني”.
وفي الغضون، سيحتل الملف النفطي حيزاً مهماً من الكلمة المرتقبة لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل ظهر الأحد المقبل، وبينما توقعت مصادر مواكبة للتحضيرات الجارية لإطلالة باسيل أن تتخللها “مواقف نارية” على خلفية ما أثير مؤخراً حول قضية استيراد الفيول المغشوش وعلاقته بهذا الملف، أكدت المصادر لـ”نداء الوطن” أنّ باسيل سيتطرق في كلمته إلى “الفساد في قطاع الفيول والمستفيدين منه بالإضافة إلى مجمل ملفات الساعة المتعلقة بالأزمة الاقتصادية والمالية والحلول المطلوبة لها بالإضافة إلى مسألة التعيينات المالية العالقة أمام مجلس الوزراء”.