حتى ولو دخل البابا فرنسيس على الخط، جبران بطفشو!”… عبارة اختصرت فيها مصادر مواكبة مآل الوساطة الحكومية التي يقودها البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي “طالما أنّ رئيس الجمهورية ميشال عون مستمر بتجيير توقيع الرئاسة الأولى على مراسيم التأليف لصهره”. وإذ لم يكن مستغرباً أن يذهب عناء الطريق من بكركي إلى قصر بعبدا سدىً باعتبار أنّ “الكلام الفصل” هو ما سيحمله رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل إلى الصرح البطريركي، يبقى أكثر ما استغربته المصادر هو أن يبلغ باسيل في “مناورته” الحكومية حدّ “المزايدة مسيحياً على البطريرك الماروني ومحاولة حشره بشكل معيب في خانة تحصيل حقوق المسيحيين على قاعدة: نحن نعطّل تأليف الحكومة لأجلكم فإذا كانت بكركي تنازلت عن هذه الحقوق مستعدون للتنازل عن شروطنا”.
باختصار، لا ترى المصادر المواكبة “بارقة حلّ أو أمل” في ظل إحكام باسيل سطوته على العهد ومصير البلد، لكنها أبقت على نافذة واحدة مفتوحة يمكن من خلالها أن ينفذ المولود الحكومي “إذا أراد حزب الله ذلك، عندها، وعندها فقط، ينخفض سقف الشروط في ميرنا الشالوحي وتصبح “حقوق المسيحيين” مؤمنة وتستعد دوائر بعبدا لتسطير مراسيم التأليف”.
ومن هذا المنطلق، تتقاطع المعلومات عند التأكيد على أنّ أفق التشكيل لا يزال مفتوحاً على إمكانية إحداث خرق ما في جدار التأزم باعتبار أنّ “قيادة حزب الله تستشعر خطر إطالة أمد الفراغ الحكومي أكثر فأكثر على المستوى الاجتماعي، ولذلك تعمل عبر أكثر من قناة، مباشرة وغير مباشرة، في سبيل الضغط لحلحلة العقد تمهيداً لتأليف حكومة تستطيع أن تؤمن ضخ جرعة أوكسيجين خارجي في الخزينة، بما يحول دون اندلاع “ثورة جياع” لن يعود بالمقدور إخمادها إلا بالحديد والنار”.
أما مصادر “التيار الوطني” فتشدد من جهتها على أنّ تأليف الحكومة يمكن ألا يستغرق أكثر من “ربع ساعة” في حال تجاوب رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري مع مطلب اعتماد “وحدة المعايير” في تشكيلته الوزارية، موضحةً أنّ هذا ما أكده رئيس “التيار” للبطريرك الماروني وتوافق معه على أحقية تكريس “الشراكة الدستورية بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف باعتبارها مفتاح تذليل كل العقد التي تعترض عملية التشكيل”. ولفتت المصادر إلى أنّ باسيل نفى أمام الراعي وجود “أي مشكلة تتصل بالأسماء إنما المشكلة الأساس هي حول المبدأ واحترام الصلاحيات التي يمنحها الدستور لرئيس الجمهورية في الشراكة والاتفاق مع الرئيس المكلف على التشكيلة الوزارية المنوي تأليفها”.
وفي خضم المسار الانحداري الذي تسلكه البلاد بينما أهل الحكم يواصلون تناتش دفة القيادة إلى “جهنم”، يتواصل مسلسل “هجرة” السفراء العرب والأجانب من لبنان باعتباره أصبح حالةً ميؤوساً منها تحت قيادة السلطة القائمة. وإذا كانت استقالة مسؤول لجنة العمل الديبلوماسي في “التيار الوطني” ميشال دي شادارفيان أمس وكلامه عن “مهمة مستحيلة” في تسويق “التناقضات والشطحات والحسابات الخاصة والشخصية” أمام أعضاء السلك الديبلوماسي العامل في لبنان، جاءت خير معبّر عن حقيقة النظرة الديبلوماسية لعبثية النهج المتبع في قيادة البلاد، أتى في سياق متقاطع “رثاء” السفير البريطاني كريس رامبلنغ للبنان ليعكس في طياته مدى الأسف والأسى الذي يشعر به الأصدقاء والأشقاء تجاه ما بلغه هذا البلد من يأس وبؤس وانهيار.
ففي رسالته الوداعية تحت عنوان “لبنان: وجدانيات ورحيل”، حقائق موجعة جسد فيها رامبلنغ كيف أنّ “لبنان تغيّر كثيراً” حيث بات “الحزن يملأ عيون اللبنانيين وكلماتهم أصبحت كلمات يأس، ونصف القوة العاملة تقريباً عاطل عن العمل وأكثر من نصفه يعيش الفقر، والأزمة الاقتصادية وانفجار 4 آب من صنع محلي، والأزمة السياسية العميقة ترافقها أزمة اجتماعية متفاقمة”… كل ذلك ولم يجد، كما سواه من السفراء والقادة الأجانب، “دليلاً على أنّ للبنان قيادة ترسم طريقاً للخروج” من الأزمة و”لم يلبس القادة عباءة المسؤولية” عندما قطعوا الوعود.
وخلص السفير البريطاني إلى التشديد على أن لا خلاص للبنانيين إلا بتغيير النهج السياسي القائم لأنّ “النجاح يتطلب من القادة أن يتحركوا خارج توزيع الكراسي”، وختم مصارحاً اللبنانيين: “فليكن واضحاً أنّ استمرار دعم لبنان بات أصعب (…) وقلة المصداقية هي مشكلة بلدكم الدولية الأكبر (…) تستحقون أفضل من هذا، تستحقون قادة شفافين يخضعون للمحاسبة”، وتوجه إلى القادة الحاكمين: “أنتم من يمسك بزمام السلطة (…) وستُحاكمون على ما فعلتم في أكثر الأزمنة إلحاحاً”.