“البنك الدولي” ينعى الدولة اللبنانية على أرض الواقع، و”منصة” رئاسة الجمهورية منهمكة في “العالم الافتراضي” بمطاردة المستشارين الخارجين من “جنة” قصر بعبدا وتسطير تغريدات نافية لتصريحاتهم، كما حصل مع الاعلامي جان عزيز على خلفية ما كشفه عن معرفة رئيس الجمهورية ميشال عون شخصياً بحجم عمليات تهريب الأموال من لبنان، وقبله المستشار الأسبق أنطوان حداد على خلفية ما كشفه عن كيفية إدارة رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل الشؤون الرئاسية في بعبدا. ولم يكن ينقص “المنصة” الرئاسية أمس سوى تعليقات مواطنين على تغريدة تلقي رئيس الجمهورية برقية تهنئة بذكرى “المقاومة والتحرير” من نظيره الإيراني، وثّقت بالصوت والصورة انقلاب عون على مبادئه السيادية السابقة، وذكّرته بما قاله حرفياً عن الأخطار المحدقة بالبلد حين حذر من أنّ “الفرس هاجمين وولاية الفقيه رح تسيطر على لبنان”.
لكن وكما نجحت مفاعيل “تفاهم مار مخايل” في حمل “الجنرال” إلى قصر بعبدا على أكتاف “حزب الله” العريضة، يراهن باسيل على أن تحمل الأكتاف نفسها ذات يوم “صهر الجنرال” إلى كرسي الرئاسة الأولى، فينتهج في سبيل ذلك “منهاج التعطيل” العوني نفسه الذي أثبت جدواه تكراراً ومراراً في تحقيق المبتغى، حكومياً ورئاسياً. وبما أنّ حكومة العهد الأخيرة هي بمثابة “الخرطوشة” الأخيرة في قبضة رئيس “التيار الوطني” لفرض نفسه لاعباً رئيسياً على طاولة الاستحقاق الرئاسي بعد انتهاء ولاية عون، فإنه عازم على عدم التفريط بها قبل الاستحصال على “وعد صادق” رئاسي، وإلا فستبقى كل الوساطات الحكومية عقيمة، وآخرها مبادرة رئيس المجلس النيابي نبيه بري، التي سرعان ما “قوطب” عليها باسيل بالدعوة أمس إلى “طاولة حوار” في قصر بعبدا، وهي دعوة رأت فيها مصادر معنية بالجهود الحكومية “رسالة” مباشرة عبر الأثير رداً على مبادرة بري مفادها: “تخبز بالأفراح”.
وإذ من المرتقب أن تتضح خلال الساعات المقبلة كيف سيتعامل رئيس المجلس مع رسالة باسيل التي “ارتدت قناع التسهيل شكلاً وغلب على جوهرها نوايا التعطيل” وفق المصادر، فإنّ الأنظار تتجه اليوم إلى قصر بعبدا مع تردد معلومات ليلاً عن نية البطريرك الماروني بشارة الراعي زيارة رئيس الجمهورية للدفع قدماً باتجاه إنقاذ المبادرة الحكومية، في حين نقلت أوساط متابعة للمفاوضات التي جرت خلال الساعات الأخيرة معطيات تشاؤمية مستقاة من أجواء الدوائر المقربة من الرئاسة الأولى، تنفي وجود “أي تقدم نوعي أو ملحوظ في عملية التأليف”، مؤكدةً أنّ “الأمور لا تزال تراوح مكانها”.
وأوضحت الأوساط المتابعة لـ”نداء الوطن” أنّ هوة “انعدام الثقة” بين بعبدا وميرنا الشالوحي من جهة، وبيت الوسط من جهة أخرى، ما زالت كبيرة جداً بشكل يكاد يصعب ردمها مجدداً، ونقلت في هذا المجال معطيات عونية تؤكد استحالة تشكيل الحكومة طالما بقي “الرئيس المكلف سعد الحريري مُصراً على أن يتولى تسمية الوزيرين المسيحيين الإضافيين في تشكيلة الـ888 من خارج حصة رئيس الجمهورية”، مشيرةً إلى أنّ “عون وباسيل يرفضان منح الحريري هذا الحق ويقترحان أن يكون هذان الوزيران المسيحيان من حصة طرف ثالث ربما يكون المجتمع المدني”.
ولاحظت مصادر مواكبة للملف الحكومي أنّ الحريري يقابل التشدد العوني بتصعيد يجعله في موقع تعطيلي أيضاً. ونقلت أنه “لن يرضى بأن يكون رئيس حكومة “للوزراء السنّة” فقط وبالتالي هو لن يتراجع عن حقه الدستوري كرئيس مكلف تشكيل الحكومة، في إعداد تشكيلتها كاملةً بعيداً من أي إملاءات وشروط وأعراف خارجة عن منطوق النصّ الدستوري”، لافتةً إلى أنّ الأجواء المحيطة بالرئيس المكلف بيّنت أمس أنه “قرر مواجهة الانقلاب على الدستور ولن يقبل بأن يُلدغ من الجحر نفسه مرتين”.
وفي هذا الإطار، برزت الهجمة الإعلامية والسياسية الشرسة المبالغ فيها التي شنّها “تيار المستقبل” رداً على كلام “رئيس الظل” باسيل، بينما لوحظ إطلاق جيش «المستقبل» الإلكتروني لهاشتاغ مناهض لعون تحت شعار “رئيس جهنّم” شارك في تغريداته الأمين العام للتيار أحمد الحريري ومستشار الرئيس المكلف حسين الوجه، وصولاً إلى إصدار “المستقبل” بياناً رسمياً ضمّنه رداً مسهباً على مواقف رئيس “التيار الوطني” الذي “لا يترك مناسبةً إلا ويتكلم بها بلسان رئيس الجمهورية ويؤكد المؤكد بأن إرادة التعطيل تتقدم لدى الرجلين”، متسائلاً في معرض إشارته إلى تحوّل قصر بعبدا في عهد عون “إلى مؤسسة حزبية تابعة لباسيل”: “هل نحن في عهد جبران باسيل أم في عهد ميشال عون؟”، ليخلص البيان إلى إعلان صريح برفض “المستقبل” الدعوة إلى حوار يرعاه عون، وتأكيد العزم على المضي قدماً في معركة التصدي لمحاولات “الاستيلاء على صلاحيات التكليف والتأليف”.