لم تهادن الحالة الكارثية التي تتسم بها أزمة #الكهرباء، الحكومة ولا رئيسها #نجيب ميقاتي، بعد اقل من أسبوعين من انطلاقتها العملية، مع ان الرئيس ميقاتي يقدم ملف الكهرباء إلى اول الأوليات الأكثر الحاحاً، فكان أن أطلقت أمس مؤسسة كهرباء #لبنان الإنذار الأشد خطورة حيال الانهيار الشامل للشبكة الكهربائية بما لم يسبق له مثيل حتى في حرب تموز 2006 الإسرائيلية على لبنان. وبمثل المناخ المتفاقم بخطورة عالية حيال الأزمات الحياتية والخدماتية والاجتماعية، دهمت الحكومة تداعيات مناخ التهويل والترهيب الذي انبرى مسؤولو “حزب الله ” ونوابه إلى تعميمه على نحو استعلائي واستفزازي في الآونة الأخيرة على خلفية ما اعتبروه “نصراً مبيناً” في عمليات التوظيف السياسي لاستقدام المحروقات الإيرانية إلى لبنان، بل راحوا يطلقون تلميحات بالغة الخطورة حيال استحقاق الانتخابات النيابية. ولعلّ ارتفاع منسوب خطورة هذا المناخ مع بدء الاستعدادات للانتخابات هو ما دفع البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أمس إلى إطلاق ما يمكن اعتباره ذروة مواقفه من “إقامة جيش) في لبنان) تابع لدولة اجنبية ” وهو ما يستعيد تماماً مواقف أطلقها سلفه الراحل البطريرك مار نصرالله بطرس صفير عشية استحقاقات انتخابية مفصلية في حقبة الصراع بين معسكري 14 آذار و8 آذار.
هذه المناخات الملبّدة بأجواء تفاقم الازمات الداخلية من جهة، وتصاعد مؤشرات سلبية وربما خطيرة في افق الاستعدادات للانتخابات النيابية التي باتت تسابق كل الازمات بما يعكس الأهمية الساحقة التي ستكتسبها هذه المرة في رسم المصير اللبناني برمته لسنوات، ستشكل عاملاً ضاغطاً بقوة على الحكومة والقوى المنخرطة فيها، لا سيما وان ملامح الانقسامات من داخل الحكومة لم تتأخر في الظهور والانكشاف المبكر حيال ملفات الانتخابات النيابية وحتى في ملف التفاوض مع صندوق النقد الدولي.
وفي ملف صندوق النقد، اوضح ميقاتي لـ “النهار”ان اللجنة الوزارية المكلفة متابعة الاتصالات والمفاوضات مع الصندوق بدأت اجتماعاتها في الايام الاخيرة مع المؤسسة الدولية عبر تقنية “زوم” برئاسة نائب رئيس الوزراء سعادة الشامي، وعضوية وزيري المال يوسف الخليل والاقتصاد امين سلام وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة. واكد رئيس الحكومة انه لا يعارض الاستعانة عندما تدعو الحاجة بأي عضو في الحكومة او اي مستشار من اجل توضيح موقف القطاع المعني. فعلى سبيل المثال سيتم التعاون بالطبع مع وزير الطاقة وليد فياض عند مناقتشة هذا الملف. ويأتي كلام ميقاتي هنا بحصره هذه المهمة بالوزراء اولاً بعد الضجة التي أثيرت حيال ادخال مستشارين للرئيس ميشال عون إلى عضوية اللجنة وتبقى رسالة ميقاتي هنا وفق شعار “أهلا وسهلاً بالجميع” شرط ان تكون هناك حاجة الي اي شخص في هذه المفاوضات. وفهم ان ثماني ملفات أساسية ستكون مطروحة للنقاش التفصيلي اليوم بين ميقاتي والمنسق الفرنسي للمساعدات الفرنسية للبنان بيار دوكان الذي يبدأ زيارة لبيروت موفداً من الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون استكمالا للمحادثات التي اجراها ميقاتي في الاليزيه الأسبوع الماضي.
ومعلوم ان بيروت تشهد هذا الأسبوع حركة ديبلوماسية كثيفة تبدأ اليوم مع زيارة الموفد الفرنسي دوكان الذي سيعقد اجتماعات مع الوزراء المعنيين بالملفات التي تشرف عليها باريس مباشرة، ومع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والاطلاع على العناوين العريضة للخطة قيد الاعداد للتفاوض مع صندوق النقد الدولي. ثم يزور بيروت غداً وزير الخارجية القبرصي، ومن بعده وزير الشؤون الخارجية الالماني، على ان يقوم وزير خارجية إيران حسين امير عبداللهيان بزيارته لبيروت في 6 و7 الجاري.
مواقف البطريرك
في غضون ذلك، أحدث موقف البطريرك الراعي أمس دوياً واسعاً اذ حضّ الحكومة الجديدة على اتباع “الصراحة والإقدام في المواقف حيال جميع القضايا التي يشكو منها الشعب، وأن توفر الأسباب الوجيهة لكي تحوز على تأييد الناس لها”. وقال إنه “ينبغي عليها أن تتخطى انتماءات أعضائها وتعلو فوق الأحزاب والطوائف، وتصد القوى التي تسعى إلى الهيمنة على مسارها وقراراتها. فتتمكن من إثارة القضية اللبنانية في اتصالاتها العربية والدولية، ومن طرح موضوع حياد لبنان الذي يبقى الضامن لنجاح جميع الحلول”. كما اعتبر ان “الشعب لم يعد يتحمل تدوير الزوايا بين الحق والباطل، وبين السيادة والإذعان، وبين القاتل والضحية. أصدقاء لبنان العرب والدوليون ينتظرون التزام سياسة واضحة، وأداء مستقيما لكي يشاركوا في نهضته الاقتصادية والمالية، بعيداً من الإزدواجية الممقوتة. فلا نستطيع أن ندعي الحفاظ على السيادة وندع المعابر الحدودية مشرّعة، والمواقف الغريبة المسيئة إلى السيادة من دون رد. لا نستطيع تأييد الشرعية والقبول بتعددية السلاح وازدراء المؤسسات، وبإنشاء جيش تابع لدولة أجنبية على حد اعتراف أحد كبار المسؤولين في تلك الدولة. لا نستطيع رفع شعار النأي بالنفس ونبقى منحازين إلى محاور إقليمية تتنافى مع مصلحة لبنان”.
بين باريس وواشنطن
ولم تكن مواقف الراعي بعيدة عن موجة مواقف فرنسية وأميركية نددت بالوقائع التي أدت إلى عرقلة مهمة المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار.
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان ايف لو دريان، الذي أجري أمس محادثات في الرياض مع نظيره السعودي يعتقد انها تناولت الملف اللبناني، قد أعلن عشية الزيارة أن “تشكيل الحكومة في لبنان خطوة مهمة للنهوض بالبلد”، وأكد أن على الحكومة اللبنانية تنظيم انتخابات مستقلة وشفافة.
وفي التفاعلات السلبية الناشئة عن تعليق التحقيق القضائي في انفجار مرفأ بيروت دعا عدد من النواب في مجلس الشيوخ الأميركي الحكومة اللبنانية إلى الحفاظ على سلامة القضاة، الذين يتولون التحقيق في الانفجار المروع الذي هز مرفأ بيروت في الرابع من آب العام الماضي مخلفا أكثر من 210 قتلى.
وأبدى بيان صادر عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، قلقه من “دور حزب الله في الدفع بقرار تعليق هذا التحقيق الحساس”.
كما شدد على نزاهة المحقق العدلي الناظر في ملف التفجير، القاضي طارق بيطار، معتبرا أنه قاضٍ محترم، خدم بلاده لأكثر من عقد.
إلى ذلك، اعتبر الموقعون على البيان أن على الحكومة اللبنانية الحرص على سلامة القضاة والمحققين، كي يكملوا واجباتهم وينهوا التحقيق.
وأعرب رئيس لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب الأميركي غريغوري ميكس عن قلقه الكبير إزاء رضوخ الحكومة اللبنانية للضغوط السياسية وتعليق وتعطيل تحقيق المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في انفجار مرفأ بيروت عام 2020.
ورأى أن أقل ما تستحقه عائلات الـ 219 شهيدا وضحية الذين قُتلوا جراء هذه المأساة والفشل الحكومي الفاضح هو تحقيق شامل ونزيه، فضلاً عن المساءلة الكاملة للمسؤولين بغض النظر عن منصبهم. وقال ميكس:” بسبب التسييس الدائم، لقد قدت في أيار الماضي 24 عضوًا في الكونغرس للدعوة إلى تحقيق دولي مستقل في الإنفجار والمسؤولين عنه”.
أما اغرب المفارقات فبرزت في ادانة النائب حسن فضل الله موقف نواب في الكونغرس الأميركي من التحقيقات في انفجار مرفأ بيروت، رغم ان حزبه هدد المحقق العدلي وساهم في تعطيل التحقيق. واعتبر فضل الله “إن الموقف الأميركي المعلن من مسار التحقيقات ودور المحقق العدلي وموقعيته، يؤكد وجود تدخل أميركي مباشر في هذا الملف لتوظيفه في إطار تصفية حسابات أميركية في الداخل اللبناني بعد فشل الحروب والحصار لإخضاع لبنان”.
ورد النائب السابق فارس سعيد على فضل الله فوصف موقفه بالوقح وقال “وقاحة النائب حسن فضل الله لا حدود لها، انتقد بيان صادر عن اعضاء في مجلس الشيوخ الاميركي الذي دان تهديد حزب الله للقضاء، واعتبره تدخلا اميركيا في تحقيق المرفأ”. أضاف:”احترم عقولنا”.