صار الحديث عن استئناف انعقاد جلسات مجلس الوزراء مضيعة للوقت، فكلمة التعطيل هي الاقوى بشهادة أهل الحكومة انفسهم، الذين باتوا مسلّمين بأنّ إعادة بعث الحياة فيها غير ممكنة في ظلّ الأسباب التي فرضت هذا التعطيل المستمر منذ شهرين. والتي عادت لتتفاعل سياسيا وقضائيا وتنذر بتعقيدات أكبر وربّما أخطر من ذلك.
خطوط التوتر
على ان هذا التعطيل، اضافة الى الملف الحكومي بكامله، قد يصبحان مجرّد خبر عابر في الآتي من الايام، ربطا بالتطورات المرتقبة قريبا، على خطين، وما يستتبعها من تداعيات وارتدادات:
الاول، على الخط القضائي، وسط حديث يتزايد في المجالس السياسيّة والقضائيّة عن خطوات قد يقدم عليها المحقق العدلي في انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار، تكمل خطواته السابقة، اكان في ما خصّ تأكيد المذكرة بحقّ النائب علي حسن خليل والاصرار على توقيفه، او تحديد جلسات استجواب جديدة للمدعى عليهم اي رئيس الحكومة السابق حسان دياب إضافة الى الوزيرين السابقين غازي زعيتر ونهاد المشنوق، يليها إصدار مذكرات توقيف بحقهم في حال تمنّعوا عن الحضور.
الثاني، الخط الانتخابي، حيث ينتظر أن يتصدّر واجهة الاحداث هذا الاسبوع، صدور القرار النهائي للمجلس الدستوري بالطعن المقدم من تكتل لبنان القوي بتعديلات القانون الانتخابي، وفق ما رجح رئيس المجلس القاضي طنوس مشلب في تصريح له الاسبوع الماضي. واللافت في هذا الملف، أنه أيا كانت الصيغة التي سيخرج فيها قرار المجلس الدستوري، سواء لناحية الأخذ بالطعن أو عدمه، فستشكل فتيل اشتباك سياسي، وحرب نكايات و»زكزكات» بين المكونات السياسية الكامنة لبعضها البعض على كل المفارق والطرقات المؤدية الى الاستحقاق الانتخابي المحدد في ربيع السنة المقبلة.
وكان المجلس الدستوري قد عقد امس جلسة في مقره في الحدت في حضور كامل أعضائه، وتابع دراسة مذكرة الطعن المقدمة من «لبنان القوي»، وقرر ابقاء جلساته مفتوحة طيلة هذا الأسبوع، في ظل توقعات بصدور القرار النهائي في الطعن اواخر هذا الاسبوع.
لا جلسات
بحسب معلومات «الجمهورية» فإن القيّمين على الحكومة يسلّمون بأنها لن تستفيق من سباتها خلال هذا الشهر، لأسباب عديدة اولها اسباب التعطيل الجامدة عند الشروط التي يطرحها «الثنائي الشيعي» لعودة وزراء حركة «أمل» و»حزب الله» الى المشاركة في جلسات مجلس الوزراء. وثانيها ان لبنان يوشك ان يدخل في فترة الاعياد التي تتقدّم على سواها، الا انهم يرفضون أن توصف الحكومة بأنّها دخلت في حالة موت سريري تمهّد لانتقالها الحتمي والقريب الى حالة موت فعلي.
وتؤكد المعلومات أنّ رفض القيمين على الحكومة نعيها، يرتكز على قناعة بأنها محصّنة، والوقائع الدولية المرتبطة بلبنان تشي بوجود خط أحمر خارجي كبير مرسوم اميركيا وفرنسيا على وجه الخصوص، يمنع سقوط الحكومة. واذا كانت تعاني اليوم، فهي تعاني مما يمكن وصفها بـ»نوبة تعطيل مؤقتة». وبالتالي، فإن عودتها الى الحياة، كما يقولون، ممكنة في أيّ لحظة، ربطاً بظرف ما، أو تطوّر ما، أو وقائع ما، تدفع في هذا الاتجاه، ورئيسها نجيب ميقاتي يحاول ان يعوّض ضمن المقدور عليه، وضمن المتاح امامه من هوامش، حيث يتحرّك في الداخل عبر ورشة اجتماعات وزارية مكثفة، وفي الخارج عبر زياراته الخارجية، لكي يؤمّن نسبة ولو قليلة من الأوكسيجين يحافظ من خلالها على وضعية حكومته ويبقيها على قيد الحياة في انتظار ما قد تحمله الفترة المقبلة من تطورات.
عون متحمس
وفي موازاة الانسداد الحكومي، يبرز موقف رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، المتحمس لانعقاد الحكومة، والرافض كل اسباب تعطيلها، والذي عاد وأكد امس على النتائج السلبية لتعطيل جلسات مجلس الوزراء، بقوله ان «الحاجة باتت ملحة لانعقاد جلسة لمجلس الوزراء، لا سيما أن ثمة استحقاقات كثيرة تراكمت تحتاج الى قرارات من المجلس، علما أن استمرار عدم انعقاد جلسات الحكومة عطل العمل الحكومي في وجوهه المختلفة، إضافة الى تعطيل عمل القضاء». وشدد على «متابعة الاجراءات اللازمة لاجراء الانتخابات النيابية في موعدها»، لافتا الى انّ «التجديد هو الذي يؤدي الى التغيير المنشود».
وبحسب مصادر موثوقة لـ»الجمهورية» فإنّ عون يشدد على وجوب انهاء هذا الوضع التعطيلي وتداعياته، وهو تبعا لذلك يشدّ في اتجاه دفع رئيس الحكومة الى توجيه دعوة الى انعقاد مجلس الوزراء ولو بمَن حضر، مع بقاء كلّ طرف على موقفه، ويؤيّده بذلك التيار الوطني الحر.
ميقاتي مستعجل.. ولكن؟
الا أنّ موقف عون، وكما تشير المصادر، لم يتناغم معه ميقاتي، وهو امر اثار بعض الغيوم على خط القصر الجمهوري والسرايا الحكومية، وقالت: انّ ما هو مؤكّد ان ميقاتي مستعجل اكثر من عون على عقد جلسات مجلس الوزراء، لكنّه لن يدعو الى انعقاد مجلس الوزراء قبل بلوغ توافق سياسي. كما انه لن يبادر الى اتخاذ اي خطوة من شأنها ان تولّد توترات، او تشكّل استفزازا لأي طرف، والمقصود هنا حركة «أمل» و»حزب الله». خصوصاً ان هذا التوافق لم يحصل حتى الآن، ولا توجد ايّ مؤشّرات الى ذلك ما يعني ان كل طرق هذا التوافق مقطوعه، في ظلّ موقف «الثنائي الشيعي» الحاسم لناحية عدم المشاركة في جلسات مجلس الوزراء قبل تصويب مسار التحقيق العدلي في انفجار مرفأ بيروت، فضلا عن انّ هذا الموقف نَحا الى تصعيد اكبر مع الرسالة المباشرة التي وجهها رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى «كل الاتجاهات»، ووصف فيها المحقق العدلي طارق البيطار بـ»المتآمر الذي يتلقى تعليمات ضربت مسار التحقيق».
وقد كرر ميقاتي موقفه هذا بالامس، حيث اكد خلال لقائه الموفد الرئاسي الفرنسي ومنسّق المساعدات الدولية من أجل لبنان السفير بيار دوكان بـ»أن الفترة المقبلة تتطلب عقد جلسات مكثفة للحكومة لبت الكثير من الملفات التي هي قيد الانجاز ولمواكبة المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وأن الاتصالات مستمرة لإيجاد حل للوضع الحكومي»، لافتاً الى «أنّ الدعوة الى جلسة لمجلس الوزراء من دون تأمين الظروف المناسبة قد تسبب بمزيد من التشنج السياسي وتعقّد الحلول أكثر فأكثر، من هنا فإننا نستكمل الاتصالات قبل اتخاذ القرار في هذا الاطار».
فرصة دوكان
وسط هذه الأجواء، برز الدخول الفرنسي على الخطّ الداخلي، عبر جولة المحادثات التي بدأها منسق مؤتمر «سيدر» السفير بيار دوكان. واللافت في هذا السياق ما اكدته مصادر ديبلوماسية من باريس لـ»الجمهورية» بأن زيارة دوكان تندرج في سياق الجهود التي بدأها الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون كعامل مساعد للبنان في الاستفادة من الفرص التي تفتح امامه آفاق الحلول للأزمة الصعبة التي يعانيها».
ولفتت المصادر الى أنّ زيارة دوكان ليست استطلاعية خصوصا ان خريطة الازمة وسبل الخروج منها واضحة لدى باريس وكل اصدقاء لبنان، بل هي مسعى فرنسي جدي لإحياء فرصة انقاذ امام لبنان، جوهرها التأكيد من جهة على الالتزام الفرنسي بعدم التخلي عن لبنان والوقوف الى جانب الشعب اللبناني، وتوفير كلّ مساعدة للحكومة اللبنانية تمكّنها من القيام بمهمّاتها وتخطي الازمة الصعبة في لبنان، والشروع سريعا في تنفيذ برنامج الاصلاحات. ومن جهة ثانية، دفع الحكومة في لبنان الى أخذ المبادرة في هذا الاتجاه، وعدم تضييع الوقت».
واشارت المصادر الى ان باريس على بيّنة من «ايجابيات جدية» يبديها صندوق النقد الدولي، حيال توجّه لبنان اليه، في اشارة الى تأكيدات متجددة لممثلي الصندوق على الاستعداد الكامل للدخول في برنامج تعاون مع لبنان وخلال فترة زمنية قصيرة، وقالت إنّ صندوق النقد يوفر فرصة جديدة للبنان لتقديم برنامج عاجل يتّسِم بالوضوح والشفافية والدقة للإتفاق على اساسه.
على ان هذا الامر، كما تقول المصادر الديبلوماسية من باريس، يلقي مسؤولية ملحّة على الحكومة في لبنان، ويوجب بالتالي عودتها الى ممارسة مهامها والايفاء بالالتزامات الاصلاحية العاجلة، وهذا ما يشدد عليه الرئيس ماكرون ويحثّ المسؤولين في لبنان ان تستأنف الحكومة اجتماعاتها بشكل فوري».
واكدت المصادر ان «انجاز الحكومة اللبنانية سريعا، لبرنامج التعاون مع صندوق النقد، من شانه أن يعجّل بالمفاوضات بين الطرفين، وكذلك بنتائجها، التي ستشكل حتما اساسا لاستفادة لبنان في مجالات اخرى، ولا سيما في ما يتصل بإعادة احياء مؤتمر «سيدر»، التي تبقى باريس على التزامها في حشد الدعم الدولي للبنان، ارتكازا على مسار برنامج الاصلاحات الاقتصادية والمالية والادارية المنتظرة من الحكومة اللبنانية».
هذه الامور اكد عليها السفير دوكان في المحادثات التي اجراها امس، وخصوصا مع رئيس الحكومة، حيث شدد على الضرورة الملحة لتفعيل العمل الحكومي والوزاري، وقال خلال الاجتماع مع ميقاتي أنه «لاحظ العديد من التطورات الايجابية ومنها استمرار المفاوضات بين لبنان وصندوق النقد الدولي التي تسير بشكل جيد»، مشددا على «ضرورة ارساء المبادئ العامة لمعالجة الازمة اللبنانية قبل التوصل الى اتفاق مع الصندوق».
وشدد على «وجوب ان يصار الى انجاز الاتفاق مع الصندوق قبل موعد الانتخابات النيابية المقبلة»، لافتا الى»أن الاتفاق مع الصندوق قد يفتح الباب حول الحوار بشأن مشاريع «مؤتمر سيدر».
أمل: مسار متآمر
في هذا الوقت، سألت حركة «امل» مَن سمّتهم «المتباكين على المؤسسات والحقوق ومصالح الناس وثروات لبنان»، اين صارت مطالبهم وخطواتهم الاجرائية والتنفيذية بموضوع التدقيق الجنائي في كل الملفات وقضايا الانفاق في كل دوائر الدولة ومؤسساتها بدءاً من المصرف المركزي، والذي نصّ عليه القانون الذي أقرّه المجلس النيابي، وهم الذين لطالما حملوا هذا الملف في سياق توظيفي يرتفع طوراً وينخفض اطواراً؟.
كما سألت الحركة في بيان لمكتبها السياسي، امس، عن مصير ملف ترسيم الحدود البحرية، والعودة إلى الناقورة تحت إشراف الأمم المتحدة، في ظل التسارع الذي يشهده ملف الثروات النفطية والغازية في شرق المتوسط وغرب آسيا، وتطاير خرائط انابيب الطاقة من هذه الجهة أو تلك، وأمام حجم الازدحام في ورش وقمم تتعلق بهذا الأمر يقف لبنان بسبب سوء إدارة مَن تنكّبوا هذا الأمر على هامش الاحداث. وعليه إن السؤال موجه إلى وزارة الطاقة، ومن يقف خلفها، عن الاجراءات المتخذة في شأن التنقيب عن الغاز، ولماذا هذا الصمت المريب عن هذه القضية الحيوية خاصة في البلوك رقم 9؟
ولفتت الى «استمرار المسلسل الذي يتمادى اصحابه بامتطاء القضاء من أجل ضرب الاستقرار الداخلي، والإمعان في الاستهداف السياسي، بالإستثمار على جريمة المرفأ، إذ يحاول من كان يُفترض به أن يكون مؤتمناً على الكشف عن الحقيقة وإطلاع اللبنانيين على تفاصيل الجريمة وتجار شحنة الموت وأصحابها والجهات التي تقف وراءها، الاقدام بإصرار مدموغ بشبهة التوظيف لدى دوائر في الداخل والخارج، على الاستمرار في الكيدية السياسية، وإن كانت بلبوس قضائي، كأنه لم يكفِه هو ومشغلوه في الغرف السوداء سيل الدماء التي سقط اصحابها في الطيونة بسبب قراراته الهمايونية، وإجراءاته المتسببة في كل الشلل السياسي والاداري الذي يصيب المؤسسات الدستورية، وهو المستند إلى إرادة تلاقيه بالتعطيل وبالحقد ضد الشركاء في الوطن»، واكدت «أنّ من عطّلوا إيجاد الحلول بهذا المسار القضائي الملتوي والمتآمر يتحملون مسؤولية كل التداعي الذي يشهده الواقع اللبناني اليوم».
بيدرسون والنزوح السوري
على صعيد آخر، أبلغ الرئيس عون الى مبعوث الامم المتحدة الخاص الى سوريا السفير غير بيدرسون، الذي زار الرؤساء الثلاثة امس، أن «على المجتمع الدولي ان يتحمل مسؤوليته في تسهيل عودة النازحين السوريين في لبنان الى بلادهم، لا سيما أن معظم المناطق السورية اصبحت آمنة، وفي امكان هؤلاء النازحين العودة الى اراضيهم ومنازلهم، والعيش فيها بدلا من الاتكال على المساعدات التي تصلهم من المنظمات الدولية، علما أن علامات استفهام كثيرة تدور حول طرق توزيع هذه المساعدات ومدى وصولها الى المستفيدين الفعليين منها». وعرض الرئيس عون للسفير بيدرسون الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة التي يعيشها اللبنانيون، لافتا الى «أنّ عبء النزوح السوري أضيف الى هذه الصعوبات، إضافة الى ما اصاب البنى التحتية في لبنان من اضرار تعمل الدولة اللبنانية على ايجاد الحلول المناسبة لها من خلال خطة التعافي التي تضعها الحكومة لمناقشتها مع صندوق النقد الدولي ليُصار بعد اقرارها الى البدء بمسيرة اعادة تأهيل القطاعات المتضررة».
وقال بيدرسون انه بحث التحرك الذي يقوم به والمحادثات التي اجراها مع المسؤولين السوريين امس، مشيرا الى أنها «تهدف الى ايجاد السبل الكفيلة بوضع حلول للأزمة السورية الراهنة». واعرب عن «تقدير الامم المتحدة والمجتمع الدولي للرعاية التي تقدمها الدولة اللبنانية للنازحين السوريين الموجودين على اراضيها، على رغم الاوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعانيها لبنان في الظرف الراهن»، لافتا الى أن «الامم المتحدة تعمل على ايجاد الطرق الملائمة لعودة النازحين الى بلادهم، وهي تضع هذه المسألة في اولويات اهتماماتها خلال المداولات الجارية في جنيف والتي دعي لبنان الى المشاركة فيها».
إجتماع ثلاثي
من جهة ثانية، أعلنت قيادة الجيش في بيان أنه «بتاريخ 13/ 12/ 2021 عقد اجتماع ثلاثي استثنائي في رأس الناقورة برئاسة قائد قوات الأمم المتحدة الموقتة في لبنان ورئيس البعثة اللواء ستيفانو ديل كول، وحضور وفد من ضباط الجيش اللبناني برئاسة منسق الحكومة اللبنانية لدى قوات الأمم المتحدة العميد الركن حسيب عبدو.
وتطرق الجانب اللبناني إلى الاعتداءات الإسرائيلية اليومية والمتكررة للسيادة اللبنانية براً وبحراً وجواً، داعيا الأمم المتحدة إلى تحميل العدوّ الإسرائيلي مسؤولية هذه الممارسات العدائية، ومؤكّدا التزام لبنان بالقرارات الدولية ولا سيما القرار 1701 ومندرجاته.
كما دان الجانب اللبناني استخدام المجال الجوي للبنان بهدف قصف الأراضي السورية، وأبدى اعتراضه على أيّ أعمال هندسيّة ينوي العدو الإسرائيلي تنفيذها في القسم الشمالي المحتل من منطقة الغجر.
كذلك شدّد على ضرورة انسحاب العدو الإسرائيلي من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، ومنها: المنطقة المتاخمة لشمال الخط الازرق، ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا والقسم الشمالي المحتل من منطقة الغجر، والبقعة B1 المحتلة والنقاط الـ17 التي اعتُبِرَت متحفّظاً عليها».