كضربة سيف في الماء، مرّت إطلالة رئيس الجمهورية ميشال عون “خفيفة الظل والثقل” على أرض الواقع السياسي من دون أن تخلف وراءها أثراً يُقتفى على ضفتي الحلفاء والخصوم، فكان وقعها باهتاً في ميزان المواقف وردود الفعل التي تفاوتت بين تجاهل وبرودة من جانب شركاء العهد في سدة الحكم، وتفاعل مقتصر على تجديد انعدام الثقة بطروحات العهد من جانب خصومه… وحماسة انحصرت بـ”التيار الوطني الحر” لتلبية الدعوة إلى طاولة الحوار في بعبدا.
وبينما كانت للثنائي الشيعي “حصة الأسد” من الرسائل العونية الانتقامية رداً على إجهاض الطعن الانتخابي، آثر رئيس مجلس النواب نبيه بري إدارة “الأذن الطرشاء” لاتهامات التواطؤ والتعطيل التي وجهها رئيس الجمهورية بالمباشر إليه من دون أن يسميه، فتعامل معها ضمن حدود “التهميش والتطنيش” منعاً لتسعير صفيح الأزمة والانجرار خلف “أجندة التراشق والتوتير التي تريدها وتديرها غرف سوداء لغايات انتخابية” على حد تعبير أوساط الثنائي، أما “حزب الله” فكان حريصاً على تلقف خطاب عون بإيجابية من باب “التمييز بين مضمونه ولهجته”، وفق الأوساط نفسها، موضحةً أنّ “الحزب” لديه الكثير من الملاحظات على ما عكسه مضمون كلام عون من “استخدامات مريبة في الجوهر والتوقيت لملفات حساسة في عملية الضغط على “حزب الله” كملف السلاح والاستراتيجية الدفاعية”، لكنه في الوقت عينه نظر بعين الارتياح إلى “اللهجة” التي استخدمها عون ولم تخرج عن “سقف منطقي مقبول في سياق تظهير التباين والاختلاف بين الحلفاء”.
لكن وقبل أن يضطر أي فريق حليف أو خصم إلى الرد سلباً أو إيجاباً على دعوة رئيس الجمهورية الحوارية، كان لرئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي موقف واضح من هذه الدعوة يصبّ في خانة التأكيد على كون “أولويات السراي غير أولويات بعبدا” في جدول أعمال الحوار المنشود، بحيث “شقلب” ميقاتي البنود الحوارية التي طرحها عون و”شطب” منها خطة التعافي الاقتصادي باعتبارها “من مسؤولية الحكومة وتقوم بها” ولا يجب أن تكون مطروحة على طاولة البحث خارج المؤسسات الدستورية، مقابل وضعه على رأس جدول الحوار “بند السياسة الخارجية ووقف التدخل في شؤون الخارج الذي يؤثر على لبنان وإعادة التقيّد بسياسة النأي بالنفس (…) لأنّ المهم التفاهم الداخلي من خلال طاولة حوار على تمتين علاقات لبنان العربية ولا سيما مع دول الخليج وعدم التدخل في شؤونها الداخلية أو الاساءة إليها بأي شكل من الأشكال، وعدم الانخراط في ما لا شأن لنا به ولا سيما في اليمن”.
وكذلك، أجهض ميقاتي خلال مؤتمره الصحافي في السراي فكرة تغيير النظام التي طرحها عون انطلاقاً من إعادة “التمسك باتفاق الطائف بوصفه الإطار الدستوري الصالح لتطبيقه في لبنان وعلينا استكمال تنفيذه”، فضلاً عن إعادة تأكيده رداً على استعجال عون الدعوة إلى انعقاد مجلس الوزراء أنه لن يوجه مثل هذه الدعوة من دون التوافق مع الثنائي الشيعي عليها “حتى لا يشكل هذا الأمر تعقيداً إضافياً يصعب تجاوزه ويفقد الحكومة التوافق المطلوب لانتظام عملها… لأنّ مزايدات البعض في هذا الإطار والتعامي عن مخاطر الإقدام على تأجيج الخلافات سيدخلنا في تعقيد أكبر قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه”.
وفي الملف الانتخابي، بدا واضحاً أنّ رئيس الحكومة رمى كرة المسؤولية عن أي تأخير يطرأ على توقيع ونشر مرسوم دعوة الهيئات الناخبة باتجاه قصر بعبدا، فأعلن أنه وقع المرسوم وأحاله إلى رئاسة الجمهورية “لأخذ مجراه الدستوري”، قائلا: “المرسوم أصبح لدى فخامة الرئيس، ومن المؤكد أنه سيوقعه لأنّ تاريخ 15 أيار هو تاريخ متفق عليه مع فخامة الرئيس وهو تاريخ مناسب تقنياً لإجراء الانتخابات”.
في المقابل، لم يتأخر تكتل “لبنان القوي” إثر اجتماعه الالكتروني الدوري برئاسة النائب جبران باسيل في الرد على تمنع ميقاتي عن الدعوة لانعقاد مجلس الوزراء رغم مقاطعة الثنائي الشيعي، فرأى أنّ “رئيس الحكومة ملزم بحكم مسؤولياته بهذه الدعوة وليتحمل كل طرف مسؤوليته وإلا يكون رئيس الحكومة قد تخلى طوعاً عن صلاحية منحه إياها الدستور حصرا”. وفي سياق التهكم على تجديد ميقاتي ثقته بحاكم مصرف لبنان رياض سلامة لأنه “خلال الحرب لا يمكنك الإقدام على تغيير الضباط”، جدد التكتل “دعوة الحكومة الى الإجتماع وكف يد حاكم المصرف المركزي فوراً وتعيين بديل منه، لأنه لا أحد يذهب الى المعركة بضابط غير مؤهل لقيادتها ومتهم بالخيانة، فلا يمكن الفوز بالحرب عندما يكون على رأس الجيش من تسبب أصلا بانهياره”.
أما على صعيد ما برز من مواقف سياسية تعليقاً على دعوة رئيس الجمهورية إلى طاولة حوار وطني، فبرز موقف لرئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط أعرب فيه عن اعتقاده بأنّ دعوة عون للحوار “هي أساس لكن الأهم أن يجتمع مجلس الوزراء للبدء في التفاوض مع المؤسسات الدولية قبل الانتخابات النيابية”. ونقلت أوساط اشتراكية أنّ جنبلاط وازن في موقفه هذا بين “ما هو مهم وما هو أهم”، موضحةً أنّه لطالما “كان السبّاق إلى تأييد أي طرح يدعو للحوار والتحاور بين الجميع للبحث في المخارج التوافقية والحلول الوطنية، ومن هذا المنطلق كان لا بد من التنويه بدعوة رئيس الجمهورية لكن مع التذكير في الوقت نفسه بأنّ المرحلة الحرجة التي يمر بها لبنان باتت تحتم تقديم أهمية انعقاد مجلس الوزراء على أي أمر آخر للإسراع في وضع المشاريع الإصلاحية على سكة التنفيذ العملي والمؤسساتي، لأنّ الاستمرار في التعامي عن ضرورة وقف الانهيار المتدحرج سيؤدي في نهاية المطاف إلى انهيار سقف البلد فوق رؤوس الجميع فلا يبقى عندها ما يمكن التحاور عليه ولأجله”.